بحث متقدم
الزيارة
6825
محدثة عن: 2007/06/11
خلاصة السؤال
انا شاب اقیم فی دولة غربیة ارتکبت الخطیئة (الزنا) و انا نادم الآن، فهل اغضبت الله؟ وما هو الحل؟
السؤال
السلام علیکم و رحمة الله وبرکاته والصلاة على نبینا محمد وعلى آله الطیبین الطاهرین جزاکم الله تعالى خیر جزاء على کل ما تقدموه من خدمة للاسلام والمسلمین، انا شاب اقیم فی دولة غربیة سبق خلال اقامتی ان اقمت علاقة جنسیة مع فتاة اجنبیة (وللاسف الشدید) (فاحشة الزنا) کونها تحبنی کثیرا وبعدها ندمت على فعلتی هذه اشد الندم وتبت الى الله تعالى توبة صادقة وقطعت علاقتی بها نهائیا، ثم بعد ذلک التقیت بفتاة أخرى ایضا احبتنی کثیرا وتحت الاغراءات منها اضطریت الى تقبیلها من فمها ومن نهدیها فقط ولکنی لم ارتکتب فاحشة الزنا معها ابدا ، والیوم (والله على ما اقول شهید) ندمت کثیرا على فعلتی وضمیری یؤنبنی کثیرا جدا جدا وافکر کثیرا جدا من انی قد اغضبت الله تعالى مرة أخرى جراء فعلتی هذه بعد اعلان توبتی ، فأرجوکم واتوسل الیکم ان تقولوا لی (وبکل صراحة) ما حکم الدین من جراء فعلتی هذه، وهل انا قد اغضبت الله تعالى مرة أخرى وما یجب علیّ ان افعله للتکفیر عن ذنبی وهل توبتی الى الله تعالى مازالت قائمة ؟ کونی خائف جدا بأن صلاتی واعمالی الخیرة قد لا تقبل من الله تعالى الآن ، فأنا اتعذب کثیرا جدا جدا صدقونی، مع العلم انی منذ هذه اللحظة قد اخذت عهدا على نفسی بأن لا اعود الى ارتکاب ای معصیة مرة أخرى فی حیاتی مهما کانت المغریات لانی اعلم جیدا ان تجنب الاقدام على فاحشة الزنا هی بمثابة الجهاد ، ارجو منکم رجاء اخوی الرد على رسالتی هذه اذا امکنکم بأسرع وقت ممکن.
الجواب الإجمالي

صحیح ان الظروف التی یمر بها الشباب صعبة امام ضغط الغریزة والمغریات التی تجره الى الفاحشة خاصة فی البلدان الغربیة المتحللة، الاّ ان ذلک لایعد مبرراً لیرتکب الاثم ویقع فی الحرام، و ذلک لان الله تعالى اعطاه القدرة على التحکم بغرائزه، ورسم له طریق الفلاح، و لیس الامر کما یصوره الشیطان و النفس الامارة من ان القضیة خارجة عن القدرة «وَ زَیَّنَ لَهُمُ الشَّیْطانُ ما کانُوا یَعْمَلُون» وکما قال تعالى« زُیِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساء»، و هناک نقطة مهمة تساعد فی حل الکثیر من المشاکل و الوساوس النفسیة، و هی: ان یعلم الانسان ان القضیة تابعة لتفسیره لقیمة الاشیاء والمغریات التی تواجهه، فمن یرى ان المادة له هیمنة على الحیاة و انها العامل الاوحد فی الحیاة تراه ینجر وراءها مهما کانت السبل، بل تراه یفقد شخصیته امامها، و هکذا من یفسرالجنس بانه المتعة التی لیس فرقها متعة وانه لایقدر على ترشدیها فانه ینهزم امامها، من هنا علینا ان نضع الامور فی مواضعها الحقیقة ونعرف اننا اقوى منها مهما کانت، و خاصة مع الاتکال على الله، وفی قصة یوسف(ع) خیر شاهد على ذلک.

بعد هذه المقدمة نقول فی جواب سؤالکم: نعم انکم بعملکم هذا قد اغضبتم الله تعالى وهذا ما تشهد به الآیات والروایات الکثیرة، و لکن هذا لایعنی انه قد انسدت امامکم سبل العودة الى الله، بل ان طریق التوبة ما زال مفتوحاً امامکم، بل ان الآیات و الروایات تشیر الى اکثر من قبول التوبة، فان التائب یکون حبیبا لله و ان الله یبدل سیئاته حسنات وان الله یفرح بتوبة عبده و.....

نعم ان للتوبة شروطا و یجب ان تترتب علیها آثار عملیة، اشرنا الى ذلک کله فی الجواب التفصیلی.

و هناک بعض التوصیات العملیة التی ینبغی الالتزام بها منها: تجنب الاختلاط و الاجتماعات التی تثیر الشهوة و تکون مجالا لحرکة الشیطان. و منها: کثرة الصیام و الصلاة و ذکر الله تعالى و الشعور بالرقابة الالهیة، و منها اختیار الاصدقاء الصالحین و اجتناب الحدیث فی المجال الجنسی و السعی للحدیث عن امور حیاتیة اخرى کالعمل و الدراسة و الدین و... کما ینبغی ان تتعب نفسک باعمال مهمة کالمطالعة و غیرها من اجل صرف الطاقة فی هذه الامور المباحة، و لاتنسى ان الانسان ینبغی ان یعرف ان نفسه و شخصیته اسمى من ان یدنسها بمثل تلک الامور التی لیس من شأنه ولا ینبغی له الوقوع فیها والتی تورث الندم.

و لاتنسى طریق الحلال باختیار الزوجة الصالحة و اشباع تلک الغریزة عن طریق الحلال، و من المعلوم ان الزواج ینقسم الی نوعین الدائم و الموقت بامکانکم مراجعة الرسائل العملیة لمعرفة شروطه و اصوله.

الجواب التفصيلي

من المعلوم ان الظروف التی یعیشها الشباب صعبة جداً، خاصة فی البلاد الغربیة التی تعرّت عن الاخلاق و اطلقت العنان للرذیلة و الفساد تحت مسمیات خادعة و کاذبة مثل الحریة و المساواة ، بل ان اخطر ما قاموا به هو اقصاء الشباب و الشابات عن دینهم و معتقدهم، و صوروا لهم ان العلاقة مع الدین هی علاقة طقوسیة جامدة یماسرها الانسان فی یوم واحد فی الکنیسة مثلا او غیرها من المعابد، و مما لاشک فیه انه تقف وراء ذلک ایاد ماکرة ارادت ان تستغل الانسان لنیل مآربها من کسب المال و الهیمنة علیه، و یقف على رأس هؤلاء الفاسدین الحرکات الیهودیة کما هو واضح، و لانرید ان نطیل الکلام فی هذه المسألة. و هنا یطرح السؤال التالی: هل ان صعوبة القضیة و فورة الشباب تبرر للانسان ارتکاب الخطیئة و الانجرار وراء الرذیلة؟

ومن اجل الاجابة عن هذا السؤال وما ورد فی سؤالک نقول:

1- ان هذا الامر لایبرر للانسان ان یقترف الجریمة بای حال من الاحوال و خاصة خطیئة الزنا.

2 - لابد ان یعلم الشباب و غیر الشباب ان الله تعالى حینما کلفهم بترک الفاحشة یعلم انهم قادرون على الامتثال وان الامر یقع تحت اختیارهم، و لیس الامر کما یصوره الشیطان و النفس الامارة بانه خارج عن القدرة و ان الانسان لامحالة واقع فی اسر الشهوة، «وَ زَیَّنَ لَهُمُ الشَّیْطانُ ما کانُوا یَعْمَلُون‏»[1] و قال تعالى«زُیِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساء».[2] اذا الشیطان یقوم بعملیة التزیین و الخدیعة و المکر و من هنا نرى من الضروری ان نشیر الى نقطة مهمة تساعد فی حل الکثیر من الصعوبات وهی: لابد ان نعلم ان ای قضیة تابعة لنوع تفسیرنا لها، مثلا عندما یفکر الانسان بالطعام و یعطی للطعام اهمیة کبرى اکثر من الواقع، نراه یصاب بالنهم والجشع و البخل بحیث یفقد شخصیته امام لقمة الطعام، بل قد یذل نفسه امام ذلک، و لکن الذی یرى ان شخصیته اکبر من یدنسها بالذل و المهانة امام لقمة من الطعام- بل امام الدنیا کلها- و یرى ان الجوع یمکن ان یسد ولو بقطعة من خبز الشعیر الیابس تراه یعیش عزیزا و مالکا لنفسه و هواه، یقول أمیر المؤمین (ع): « أَلَا وَ إِنَّ إِمَامَکُمْ قَدِ اکْتَفَى مِنْ دُنْیَاهُ بِطِمْرَیْهِ وَ مِنْ طُعْمِهِ بِقُرْصَیْه‏»[3] اذن تفسیر القضیة یکون عاملا مهما فی تفادی خطر الانجرار وراءها، من هنا تظهر الحکمة الالهیة فی ذکر قصة یوسف (ع) ذلک الشباب الذی توفرت امامه کل المغریات و کانت الظروف بنوع من الاغراء بحیث تنهد امامها الجبال الراسیات، و لکنه استطاع النجاح و خرج مرفوع الرأس من الامتحان الالهی بعد ان فسر القضیة تفسیرا صحیحا و رأى نفسه اکبر من ان یدنسها امام هذه الشهوة العابرة التی سیتبعها الندم و الحسرة.

3- لابد ان نعلم ان لذة النجاح امام الاختبار هی لذة لاتساویها لذة مهما کانت، وان الله تعالى سیکون عونا وعمادا لمن اطاعه وسار على نهجه «وَ الَّذینَ جاهَدُوا فینا لَنَهْدِیَنَّهُمْ سُبُلَنا وَ إِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنین»[4] فالانسان حینما یتجنب الفواحش ویسیر فی خط الهدى انما یحصل على اعظم نعمة و هی المعیة الالهیة و الاسناد الربانی.

4- و هناک نقطة مهمة و هی ان على الانسان ان یدرک انه لا یوجد مکان فارغ لیرتکب فیه المعصیة فاینما ذهب لابد من وجود ثلاثة یراقبونه و هم الله تعالى و الملکان الموکلان بمراقبة اعماله یقول امیر المؤمین (ع) فی دعاء کمیل: « و کنت انت الرقیب علی من ورائهم»، و یقول الامام الخمینی(قدس):" العالم فی حضرة الله فلاتعصوا الله فی حضرته".[5]

بعد هذه المقدمة نرجع الى سؤالکم الاوّل هل اغضبت الله تعالى؟

نعم انک اغضبت الله تعالى یقول تعالى «وَ لا تَقْرَبُوا الزِّنى‏ إِنَّهُ کانَ فاحِشَةً وَ ساءَ سَبیلا»[6] وعن رسول الله (ص) انه قال:« لَنْ یَعْمَلَ ابْنُ آدَمَ عَمَلًا أَعْظَمَ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ مِنْ رَجُلٍ قَتَلَ نَبِیّاً أَوْ هَدَمَ الْکَعْبَةَ الَّتِی جَعَلَهَا اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ قِبْلَةً لِعِبَادِهِ أَوْ أَفْرَغَ مَاءَهُ فِی امْرَأَةٍ حَرَاماً »[7] و عَنْ أَبِی عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِیهِ (ع) قَالَ: « لِلزَّانِی سِتُّ خِصَالٍ، ثَلَاثٌ فِی الدُّنْیَا وَ ثَلَاثٌ فِی الْآخِرَةِ، أَمَّا الَّتِی فِی الدُّنْیَا فَیَذْهَبُ بِنُورِ الْوَجْهِ وَ یُورِثُ الْفَقْرَ وَ یُعَجِّلُ الْفَنَاءَ. وَ أَمَّا الَّتِی فِی الْآخِرَةِ فَسَخَطُ الرَّبِّ وَ سُوءُ الْحِسَابِ وَ الْخُلُودُ فِی النَّارِ».[8]

و لکن هنا یطرح السؤال التالی: هل ان من ارتکب الخطیئة توصد امامه ابواب الرحمة؟.

اننا اذا رجعنا الى المصادر الاسلامیة الاساسیة المتمثلة بالقرآن و السنة نرى انها تفتح امام الانسان العاصی و المذنب نافذة الامل بالعودة الى الطریق المستقیم و الى احضان الدین و الایمان، بل انها تترقى اکثر حیث تعتبر التائب من الذنب حبیباً لله قال تعالى: «ان لله یحب التوابین»[9] و قال تعالى:« التَّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاکِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ النَّاهُونَ عَنِ الْمُنْکَرِ وَ الْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنین‏»[10] و قوله ایضا« أَ لَمْ یَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ یَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَ یَأْخُذُ الصَّدَقاتِ وَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحیم‏»[11] و قال فی آیة اخری « وَ هُوَ الَّذی یَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَ یَعْفُوا عَنِ السَّیِّئاتِ وَ یَعْلَمُ ما تَفْعَلُون»[12] بل ا ن الله تعالى بلطفه و کرمه یبدل السیئات حسنات، حیث قال سبحانه «إِلاَّ مَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ عَمَلاً صالِحاً فَأُوْلئِکَ یُبَدِّلُ اللَّهُ سَیِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَ کانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحیما»[13] و الآیات کثیرة فی هذا المجال لایسعنا نقلها جمیعا.

وهکذا الروایات الشریفة فهی ایضا اکدت هذا المعنى نشیر الى بعضها:

*- "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص): «مَثَلُ الْمُؤْمِنِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى کَمَثَلِ مَلَکٍ مُقَرَّبٍ، وَ إِنَّ الْمُؤْمِنَ عِنْدَ اللَّهِ لَأَعْظَمُ مِنْ ذَلِکَ، وَ لَیْسَ شَیْ‏ءٌ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ مُؤْمِنٍ تَائِبٍ وَ مُؤْمِنَةٍ تَائِبَةٍ».[14]

*- عَنْ أَبِی بَصِیرٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (ع) عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ « یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً» قَالَ:« یَتُوبُ الْعَبْدُ مِنَ الذَّنْبِ ثُمَّ لَا یَعُودُ إِلَیْهِ». قَالَ: فَشَقَّ ذَلِکَ عَلَیَّ، فَلَمَّا رَأَى مَشَقَّتَهُ عَلَیَّ قَالَ:« إِنَّ اللَّهَ یُحِبُّ مِنْ عِبَادِهِ الْمُفَتَّنَ التَّوَّابَ ».[15]

*- و عن رسول الله (ص) انه قال :«ان کل بنی آدم خطاء و خیر الخطائین التوابون».[16]

*- و عنه (ص) ایضا: «اما و الله ، لله اشد فرحاً بتوبة عبده من الرجل براحلته».[17]

و الروایات کثیرة فی هذا المجال نکتفی بهذا المقدار منها. و لکن هذا لایعنی ان باب التوبة مفتوح دائما بل یسد فی حالات منها:

الحالة الاولى: انه حضر الموت فان التوبة لاتنفع «وَ لَیْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذینَ یَعْمَلُونَ السَّیِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّی تُبْتُ الْآنَ »[18] فما دام الانسان لایعلم متى یدرکه الموت من هنا علیه ان یعجل التوبة و الانابة.

الحالة الثانیة: «إِنَّ الَّذینَ کَفَرُوا بَعْدَ إیمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا کُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَ أُولئِکَ هُمُ الضَّالُّون‏».[19] ومن المعلوم ان هذه الآیة لاتختص بالکفر الاعتقادی بل الاصرار علی المعاصی و الکبائر یعد احد انواع الکفرایضا فتشمله الآیة.

ویبقى ان التوبة لابد ان تکون نصوحا خالصة لله سبحانه، قال تعالى :« یا أَیُّهَا الَّذینَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسى‏ رَبُّکُمْ أَنْ یُکَفِّرَ عَنْکُمْ سَیِّئاتِکُمْ وَ یُدْخِلَکُمْ جَنَّاتٍ تَجْری مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهار»[20] وان تکون تلک التوبة لها آثارها على سلوکه و مسیر حیاته و لایکتفی بقول استغفر الله، روی عَنْ کُمَیْلِ بْنِ زِیَادٍ قَالَ ": قُلْتُ لِأَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ (ع): یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ الْعَبْدُ یُصِیبُ الذَّنْبَ فَیَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مِنْهُ فَمَا حَدُّ الِاسْتِغْفَارِ؟ قَالَ: یَا ابْنَ زِیَادٍ التَّوْبَةُ.

قُلْتُ: بَسْ!.

قَالَ: لَا.

قُلْتُ: فَکَیْفَ!

قَالَ: إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا أَصَابَ ذَنْباً یَقُولُ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ بِالتَّحْرِیکِ.

قُلْتُ: وَ مَا التَّحْرِیکُ؟

قَالَ: الشَّفَتَانِ وَ اللِّسَانُ یُرِیدُ أَنْ یَتْبَعَ ذَلِکَ بِالْحَقِیقَةِ.

قُلْتُ: وَ مَا الْحَقِیقَةُ؟

قَالَ: تَصْدِیقٌ فِی الْقَلْبِ، وَ إِضْمَارُ أَنْ لَا یَعُودَ إِلَى الذَّنْبِ الَّذِی اسْتَغْفَرَ مِنْهُ.

قَالَ کُمَیْلٌ: فَإِذَا فَعَلَ ذَلِکَ فَإِنَّهُ مِنَ الْمُسْتَغْفِرِینَ؟

قَالَ: لَا.

قَالَ کُمَیْلٌ: فَکَیْفَ ذَاکَ؟

قَالَ: لِأَنَّکَ لَمْ تَبْلُغْ إِلَى الْأَصْلِ بَعْدُ.

قَالَ کُمَیْلٌ: فَأَصْلُ الِاسْتِغْفَارِ مَا هُوَ؟

قَالَ: الرُّجُوعُ إِلَى التَّوْبَةِ مِنَ الذَّنْبِ الَّذِی اسْتَغْفَرْتَ مِنْهُ وَ هِیَ أَوَّلُ دَرَجَةِ الْعَابِدِینَ، وَ تَرْکُ الذَّنْبِ وَ الِاسْتِغْفَارُ اسْمٌ وَاقِعٌ لِمَعَانٍ سِتٍّ: أَوَّلُهَا النَّدَمُ عَلَى مَا مَضَى، وَ الثَّانِی الْعَزْمُ عَلَى تَرْکِ الْعَوْدِ أَبَداً، وَ الثَّالِثُ أَنْ تُؤَدِّیَ حُقُوقَ الْمَخْلُوقِینَ الَّتِی بَیْنَکَ وَ بَیْنَهُمْ[21]، وَ الرَّابِعُ أَنْ تُؤَدِّیَ حَقَّ اللَّهِ فِی کُلِّ فَرْضٍ، وَ الْخَامِسُ أَنْ تُذِیبَ اللَّحْمَ [22]الَّذِی نَبَتَ عَلَى السُّحْتِ وَ الْحَرَامِ حَتَّى یَرْجِعَ الْجِلْدُ إِلَى عَظْمِهِ ثُمَ‏

تُنْشِئَ فِیمَا بَیْنَهُمَا لَحْماً جَدِیداً، وَ السَّادِسُ أَنْ تُذِیقَ الْبَدَنَ أَلَمَ الطَّاعَاتِ[23] کَمَا أَذَقْتَهُ لَذَّاتِ الْمَعَاصِی".[24]

نعم هناک بعض التوصیات العملیة التی ینبغی الالتزام بها منها: تجنب الاختلاط و الاجتماعات التی تثیر الشهوة و تکون مجالا لحرکة الشیطان. و منها: کثرة الصیام و الصلاة و ذکر الله تعالى و الشعور بالرقابة الالهیة، و منها اختیار الاصدقاء الصالحین و اجتناب الحدیث فی المجال الجنسی و السعی للحدیث عن امور حیاتیة اخرى کالعمل و الدراسة و الدین و... کما ینبغی ان تتعب نفسک باعمال مهمة کالمطالعة و غیرها من اجل صرف الطاقة فی هذه الامور المباحة، و لاتنسى ما قلناه لک من ان الانسان ینبغی ان یعرف ان نفسه و شخصیته اسمى من ان یدنسها بمثل تلک الامور التی لیس من شأنه ولا ینبغی له الوقوع فیها والتی تورث الندم کما قال امیر المؤمنین علیه السلام«وَ لَا خَیْرَ فِی لَذَّةٍ تُعْقِبُ نَدَما»[25].

و اخیرا نقول: الذی یظهر من لحن کلامکم انکم و لله الحمد من التائبین الصادقین و انشاء الله تعالی تکون توبتکم توبة نصوحا، و یبقى علیک الاستمرار بالتوبة و ترتیب الآثار علیها و لاتنسى طریق الحلال باختیار الزوجة الصالحة و اشباع تلک الغریزة عن طریق الحلال، و من المعلوم ان الزواج ینقسم الی نوعین الدائم و الموقت بامکانکم مراجعة الرسائل العملیة لمعرفة شروطه و اصوله.

نسأل الله لک الموفقیة و قبول التوبة.



[1] الانعام، 43.

[2] آل عمران، 14.

[3] نهج البلاغة، من کتاب له (ع )إلى عثمان بن حنیف الأنصاری و کان عامله على البصرة، رقم الکتاب 45.

[4] العنکبوت، 69.

[5] صحیفة الامام الخمینی، ج 13، ص461.

[6] الاسراء، 32.

[7] الفقیه، ج 3، ص 559، باب النوادر.

[8] الکافی، ج 5 ،ص 541، باب الزانی.

[9] البقرة، 222.

[10] التوبة، 112.

[11] التوبة، 104.

[12] الشورى، 25.

[13] الفرقان، 70.

[14] وسائل‏الشیعة، ج 16، ص 76، رقم الحدیث21021.

[15] مستدرک‏الوسائل، ج 12 ،ص129.

[16] الدر المنثور، ج 1، ص261.

[17] کنز العمال، رقم الحدیث10159 نقلا عن میزان الحکمة، ج 1، ص 541.

[18] النساء، 18.

[19] آل عمران، 90.

[20] التحریم، 8.

[21] کالسرقة و غیرها.

[22] هذا لمن کان ذنبه اکل الحرام والعیش على لقمة الحرام.

[23] بالعبادة و الابتعاد عن المعاصی.

[24] بحارالأنوار، ج 6، ص 28. و من الجدیر بالذکر ان هذه الروایة تشیر الى المراتب العالیة للتوبة، فلا تکن سببا لاثارة القلق لدیکم فان الله تواب رحیم یقبل التوبة عن عباده ویعفو عن کثیر، فعلنا ان نعیش حالة الرجاء و الامل بفضل الله تعالى ولکن مع ذلک لاننسى غضبه.

[25] بحارالأنوار،ج 74،ص 212 ، باب 8- وصیة أمیر المؤمنین إلى الحسن‏ علیهما السلام.

التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279471 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257337 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128200 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113315 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89030 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59883 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59591 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56883 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49823 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47192 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...