بحث متقدم
الزيارة
6383
محدثة عن: 2012/05/20
خلاصة السؤال
هل فقرة \" و الراسخون فی العلم\" الواردة فی الآیة 7 من سورة آل عمران، معطوفة على سابقتها، او هی جملة استئنافیة مستقلة؟
السؤال
السلام علیکم و رحمة الله و برکاته. الایة{..وَمَا یَعْلَمُ تَأْوِیلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِی الْعِلْمِ یَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ کُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا یَذَّکَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ } هل فقرة \" و الراسخون فی العلم\" الواردة فی الآیة 7 من سورة آل عمران، معطوفة على سابقتها \" وَمَا یَعْلَمُ تَأْوِیلَهُ إِلاَّ اللّهُ \"، أو هی جملة استئنافیة مستقلة؟
الجواب الإجمالي

اختلفت کلمة المفسرین و الباحثین فی الشأن القرآنی فی تفسیر الأیة المبارکة، و هل أن جملة «وَ الرَّاسِخُونَ فِی الْعِلْمِ»  استئنافیة أو هی معطوفة على سابقتها؟ فذهب کل فریق الى تبنّی واحد من الرأیین، و إنّ لکلّ فریق من مؤیّدی هذین الاتجاهین أدلّته و براهینه و شواهده. لکن القرائن الموجودة فی الآیة و الأحادیث المشهورة المنسجمة معها تدعم الرأی القائل بإنّ "وَ الرَّاسِخُونَ فِی الْعِلْمِ معطوفة على «اللّه». و مع ذلک، یمکن القول بان الجملة استئنافیة و ان العلم بالتأویل من شؤون الله تعالى و لا یطلع علیه الا الله سبحانه، فالراسخون فی العلم لا یعلمون تأویله بالاستقلال و انما یعلمون بذلک اذا شاء الله تعالى تعلیمهم ذلک.

الجواب التفصيلي

قال تعالى فی کتابه الکریم: «هُوَ الَّذِى أَنزَلَ عَلَیْکَ الْکِتَابَ مِنْهُ ءَایَاتٌ محُّکَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْکِتَابِ وَ أُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ... وَ مَا یَعْلَمُ تَأْوِیلَهُ إِلَّا اللَّهُ  وَ الرَّاسِخُونَ فىِ الْعِلْمِ یَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِ کلُ‏ٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا».[1]

و قد اختلفت کلمة المفسرین و الباحثین فی الشأن القرآنی فی تفسیرها و هل أن جملة «وَ الرَّاسِخُونَ فِی الْعِلْمِ»  استئنافیة أو هی معطوفة على سابقتها؟؛ یعنی هل تأویل القرآن الکریم و معرفة المتشابه منه، من شؤون الباری تعالى خاصة او هذه الخاصیة تشمل الراسخین فی العلم أیضاً؟

فذهب کل فریق الى تبنّی واحد من الرأیین، و إنّ لکلّ فریق من مؤیّدی هذین الاتجاهین أدلّته و براهینه و شواهده. لکن القرائن الموجودة فی الآیة و الأحادیث المشهورة المنسجمة معها تدعم الرأی القائل بإنّ "وَ الرَّاسِخُونَ فِی الْعِلْمِ معطوفة على «اللّه».، و ذلک:

أوّلا: یستبعد کثیرا أن تکون فی القرآن آیات لا یعلم أسرارها إلّا اللّه وحده.

ألم تنزل هذه الآیات لهدایة البشر و تربیتهم؟ فکیف یمکن أن لا یعلم بمعانیها و تأویلها حتّى النبیّ الذی نزلت علیه؟ هذا أشبه بمن یؤلّف کتابا لا یفهم معانی بعض أجزائه سواه![2]

و ثانیا: کما یقول المرحوم الطبرسی فی «مجمع البیان»: لم یسبق أن رأینا بین علماء الإسلام و المفسّرین من یمتنع عن تفسیر آیة بحجّة أنّها من الآیات التی لا یعرف معناها سوى اللّه، بل کانوا جمیعا یجدّون و یجتهدون لکشف أسرار القرآن و معانیه.[3]

و ثالثا: إذا کان القصد هو أنّ الراسخین فی العلم یسلّمون لما لا یعرفونه، لکان الأولى أن یقال: و الراسخون فی الإیمان یقولون آمنّا به. لأنّ الرسوخ فی العلم یتناسب مع العلم بتأویل القرآن، و لا یتناسب مع عدم العلم به و التسلیم له.[4]

و رابعا: أنّ الأحادیث الکثیرة التی تفسّر هذه الآیة تؤکّد کلّها أنّ الراسخین فی العلم یعلمون تأویله، کالحدیث المروی عن الامام الباقر (ع) أنه قال:  إِنَّ رسولَ اللَّه أَفضلُ الرَّاسخین فی العلم فقد علم جمیع ما أَنْزل اللَّهُ علیه من التَّأْویل و التَّنْزیل و ما کان اللَّهُ لِیُنَزِّلَ علیه شیئا لم یُعَلِّمْهُ التَّأْوِیلَ و أَوصیاؤُهُ من بعده یعلمُونَهُ کلَّه.[5]

و علیه فیجب أن تکون جملة الراسخون فی العلم معطوفة على «اللّه».

الشی‏ء الوحید الباقی هو إنّ خطبة «الأشباح» للإمام علی (ع) فی نهج البلاغة یستفاد منها أنّ الراسخین فی العلم لا یعلمون تأویل الآیات و یعترفون بعجزهم.

«و أعلم أنّ الراسخین فی العلم هم الذین أغناهم عن اقتحام السدد المضروبة دون الغیوب، الإقرار بجملة ما جهلوا تفسیره من الغیب الحجوب».[6]

و لکن فضلا عن کون هذه العبارة تناقض بعض الأحادیث المنقولة عنه علیه السّلام  نفسه التی قال فیها: إنّ الراسخین فی العلم معطوفة على «اللّه» و إنّهم عالمون بتأویل القرآن[7]، فإنّها لا تنسجم أیضا مع الأدلّة التی سبق ذکرها. و علیه فیلزم تفسیر هذه الجملة من خطبه «الأشباح» بما یتّفق و الأساتید الأخرى التی بین أیدینا[8]. و[9]

و مع ذلک کله، یمکن القول بان الجملة استئنافیة و ان العلم بالتأویل من شؤون الله تعالى و لا یطلع علیه الا هو سبحانه، فالراسخون فی العلم لا یعلمون تأویله، و للتوفیق بین هذا الرأی و بین الروایات الدالة على علم المعصومین بالتأویل، یمکن القول: بان العالم الحقیقی و بالذات هو الله تعالى و أما ما سواه فیعلمون ذلک بتعلیم منه سبحانه، فیکون مراد الآیة ان العلم بالتأویل ینحصر بالله ذاتا، و أما غیره فانما یعلمون بذلک بتعلیم منها سبحانه. و یوجد ما یشهد لهذا الرأی، و ان العلم بالتأویل منحصر بالله تعالى، و من سواه یعلم بتعلیم منه، ما جاء فی  قوله تعالى: "عالِمُ الْغَیْبِ فَلا یُظْهِرُ عَلى‏ غَیْبِهِ أَحَداً * إِلاَّ مَنِ ارْتَضى‏ مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ یَسْلُکُ مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ رَصَداً ".[10]

 

[1]. آل عمران، 7: «اوست که این کتاب را بر تو نازل کرد که بخشى از آن کتاب، آیات محکم است [که کلماتش صریح و معانى‏اش روشن است‏] آنها اصل و اساس کتاب‏اند، و بخشى دیگر آیات متشابه است [که کلماتش غیر صریح و معانى‏اش مختلف و گوناگون است و جز به وسیله آیات محکم و روایات استوار تفسیر نمى‏شود ... در حالى که تفسیر آنها را، جز خدا و راسخان در علم، نمى‏دانند ...».

[2] مکارم الشیرازی، ناصر، الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج‏2، ص:403- 404، نشر مدرسة الامام علی بن ابی طالب، قم، الطبعة الاولى، 1421هـ.

[3] الطبرسی، فضل بن حسن، مجمع البیان فی تفسیر القرآن، ج 2، ص 701، انتشارات ناصر خسرو، طهران، الطبعة الثالثة، 1372ش.

[4] تفسیر الامثل.

[5] العلامة المجلسی، بحار الأنوار، ج 89، ص 80 و 81، دار إحیاء التراث العربی، بیروت، الطبعة الثانیة، 1403ق.

[6] السید الرضی، نهج البلاغة، تصحیح: صبحی الصالح، خ 91، ص 125، مؤسسه دارالهجرة.

[7] الکلینی، الکافی، ج 1، ص 213، دار الکتب الإسلامیة، طهران، 1365ش.

[8] انظر : البحرانی، میثم بن علی، شرح نهج البلاغة، ج 2، ص 331 و 332، دفتر نشر الکتاب، الطبعة الثانیة، 1362ش؛ السید الرضی، تنبیه الغافلین و تذکرة العارفین، ترجمة: الکاشانی، ملافتح الله، تصحیح: ذهنی طهرانی، سید محمد جواد، ج 1، ص 406، انتشارات پیام حق، طهران، الطبعة الاولى، 1378ش؛ الحسینی الشیرازی، سید محمد، توضیح نهج البلاغة، ج 2، ص 43 و 44، دار تراث الشیعة، طهران.

[9] انظر: تفسیر الامثل.

[10] سورة الجن، 26-27.

 

التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279432 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257220 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128133 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113231 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88987 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59830 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59544 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56851 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49721 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47160 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...