بحث متقدم
الزيارة
7402
محدثة عن: 2014/05/18
خلاصة السؤال
ما تفسیر قوله تعالى " و ما علمناه الشعر و ما ینبغی له"؟
السؤال
جاء فی کتاب التفسیر لأبن کثیر :قوله تعالى : (و ما علمناه الشعر و ما ینبغی له) أخبر تعالى عن حال نبیه - ص - ، ورد قول من قال من الکفار إنه شاعر ، و إن القرآن شعر ، بقوله : وما علمناه الشعر و ما ینبغی له و کذلک کان رسول الله (ص) لا یقول الشعر ولا یزنه ، و کان إذا حاول إنشاد بیت قدیم متمثلا کسر وزنه ، ما رأیکم الکریم فیما ذهب الیه هذا المفسر؟
الجواب الإجمالي
السبب فی نفی هذه الشاعریة عن الرسول الاکرم (ص) و الذی اشارت الیه الآیة المبارکة "َ ما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَ ما یَنْبَغی‏ لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِکْرٌ وَ قُرْآنٌ مُبینٌ" انما انطلق من محاولة قریش تشویه صورة النبی (ص) و المساس بما اوحی الیه مدعیة ان ما جاء به نوع من الشعر و ان النبی کان شاعراً مفلقا و ان کلامه لا یخرج عن هذا الاطار!. فالآیة تنفی أن یکون علمه الشعر و لازمه أن یکون بحیث لا یحسن قول الشعر لا أن یحسنه و یمتنع من قوله للنهی من الله المتوجه إلیه، و لا أن النازل من القرآن لیس بشعر و إن أمکنه (ص) أن یقوله.
و لا ریب انه لیس المراد من الموزون هنا مطلق الوزن بل المراد الاوزان الشعریة اذ القرآن الکریم له وزنه و موسیقته الخاصة و هذا مما لا ینکره احد قطعا.
و ما روته العامّة انّه کان یتمثّل بالأبیات على غیر وجهها لتصیر غیر موزونة  فقد رفضها مفسرون آخرون کالفیض الکاشانی حیث قال: یثبت ذلک.
و لو سلمنا انه (ص) یتمثّل بالأبیات على غیر وجهها لتصیر غیر موزونة، فان هذا لا یکشف عن ضعف حافظة او خلل ذهنی، بل انه لایرید ان یجری على لسان الکلام الموزون شعرا لکی لا یستند فی کلامه الى کلام بشر آخرین هم اقل شأنا من مقام الانبیاء و الرسل من جهة و لیوصد الطریق أمام المتصیدین بالماء العکر و المتربصین للاسلام یریدون المساس به و بنبیه تحت أی ذریعة کانت. 
 
الجواب التفصيلي
أی فن من الفنون بما فیها الشعر و الشاعریة قد یکون ذا انعکاس ایجابی على شخصیة الانسان و قد یکون على العکس من ذلک؛ و من هنا لم یتخذ الاسلام موقفا صارما و محددا من هذا الفن بل جعل المعیار المحتوى و المضمون للقصیدة الشعریة[1] و المجال الذی تحرکت فیه.
و اما السبب فی نفی هذه الشاعریة عن الرسول الاکرم (ص) و الذی اشارت الیه الآیة المبارکة "َ ما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَ ما یَنْبَغی‏ لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِکْرٌ وَ قُرْآنٌ مُبینٌ"[2] انما انطلق من محاولة قریش تشویه صورة النبی (ص) و المساس بما اوحی الیه مدعیة انه نوع من الشعر و ان النبی کان شاعراً مفلقا و ان ما جاء به لا یخرج عن هذا الاطار.[3] فالآیة تنفی أن یکون علمه الشعر و لازمه أن یکون بحیث لا یحسن قول الشعر لا أن یحسنه و یمتنع من قوله للنهی من الله المتوجه إلیه، و لا أن النازل من القرآن لیس بشعر و إن أمکنه  (ص) أن یقوله.[4]
و من المفسرین من فسر الآیة بقوله: «وَ ما عَلَّمْناهُ» بتعلیم القرآن «الشِّعْرَ»، و معناه: أنّ القرآن لیس بشعر و لا مناسبة بینه و بین الشّعر، لأنّ الشّعر کلام موزون مقفّى و لیس القرآن منه فی شیء.[5]‏  و ان قوله: «وَ ما یَنْبَغِی لَهُ» فی مقام الامتنان علیه بأنه نزهه عن أن یقول شعرا فالجملة فی مقام دفع الدخل و المحصل أن عدم تعلیمنا إیاه الشعر لیس یوجب نقصا فیه و لا أنه تعجیز له بل لرفع درجته و تنزیه ساحته عما یتعاوره العارف بصناعة الشعر فیقع فی معرض تزیین المعانی بالتخیلات الشعریة الکاذبة التی کلما أمعن فیها کان الکلام أوقع فی النفس، و تنظیم الکلام بأوزان موسیقیة لیکون أوقع فی السمع، فلا ینبغی له ص أن یقول الشعر و هو رسول من الله و آیة رسالته و متن دعوته القرآن المعجز فی بیانه الذی هو ذکر و قرآن مبین.[6]
و لا ریب انه لیس المراد من الموزون هنا مطلق الوزن بل المراد الاوزان الشعریة اذ القرآن الکریم له وزنه و موسیقته الخاصة و هذا مما لا ینکره احد قطعا. و الى هذا المعنى اشار الفیض الکاشانی بقوله: کأنّ المراد انّه لم یقل کلاماً شعریّاً لا انّه لم یقل کلاماً موزوناً فانّ الشعر یطلق على المعنیین جمیعاً و لهذا عدّوا القرآن شعراً مع انّه لیس بمقفّى و لا موزون.
و قد ورد فی الحدیث انّ من الشعر لحکمة یعنی من الکلام الموزون و قد نقل عنه (ص) کلمات موزونة کقوله انا النبیّ (ص) "لا کذب انا ابن عبد المطّلب" و قوله "هل انت الّا إصبع دمیت و فی سبیل اللَّه ما لقیت" و غیر ذلک.[7]
و کذلک تعرض صاحب تفسیر الامثل لبیان الحکمة و الفلسفة لعدم شاعریته (ص) بقوله:
و أمّا لماذا لا یلیق بالرّسول الأکرم  (ص) أن یکون شاعرا، فلأنّ طبیعة الشعر تختلف تماما عن الوحی الإلهی، للأسباب التالیة:
1- إنّ أساس الشعر- عادة- هو الخیال و الوهم، فالشاعر غالبا ما یحلّق بأجنحة الخیال، و الحال أنّ الوحی یستمدّ وجوده من مبدأ الوجود و یدور حول محور الحقیقة.
2- الشعر یفیض من العواطف الإنسانیة المتغیّرة، و هی فی حال تغیّر و تبدّل مستمرین، أمّا الوحی الإلهی فمرآة الحقائق الکونیة الثابتة.
3- لطافة الشعر تنبع فی الغالب من الإغراق فی التمثیل و التشبیه و المبالغة، إلى درجة أن قیل «أحسن الشعر أکذبه»، أمّا الوحی فلیس إلّا الصدق.
4- الشاعر فی أغلب الموارد و جریا وراء التزویق اللفظی یکون مجبرا على السعی وراء الألفاظ، ممّا یضیع الکثیر من الحقائق فی الأثناء.
5- و أخیرا یقول أحد المفسّرین: إنّ الشعر مجموعة من الأشواق التی تحلّق منطلقة من الأرض باتّجاه السماء، بینما الوحی حقائق نازلة من السماء إلى الأرض، و هذان الاتّجاهان واضح تفاوتهما.[8]
و ما روته العامّة[9] انّه کان یتمثّل بالأبیات على غیر وجهها لتصیر غیر موزونة  فقد رفضها مفسرون آخرون کالفیض الکاشانی حیث قال: یثبت – ذلک- فان صحّ فلعلّه انّما فعل ذلک لئلّا یتوهّموا انّه شاعر و انّ کلامه کلام شعریّ فانّ الوزن و القافیة لیسا بنقص فی الکلام و لو کانا نقصاً ما اتى بهما امیر المؤمنین  (ع) و قد استفاض عنه الأبیات و کذا عن سایر الأئمّة و انّما النّقص فی الکلام الشعریّ.  قال فی المجمع: و قد صحّ انّه (ص) کان یسمع الشّعر و یحثّ علیه و قال لحسّان بن ثابت: لا تزال یا حسّان مؤیّداً بروح القدس ما نصرتنا بلسانک.[10]
و لو سلمنا انه (ص) یتمثّل بالأبیات على غیر وجهها لتصیر غیر موزونة، فان هذا لا یکشف عن ضعف حافظة او خلل ذهنی، بل انه لایرید ان یجری على لسان الکلام الموزون شعرا لکی لا یستند فی کلامه الى کلام بشر آخرین هم اقل شأنا من مقام الانبیاء و الرسل من جهة و لیوصد الطریق أمام المتصیدین بالماء العکر و المتربصین للاسلام یریدون المساس به و بنبیه تحت أی ذریعة کانت. 
 

[2] یس، 69.
[3] القمی، علی بن ابراهیم، تفسیر القمی، تحقیق: موسوی جزایری، سید طیب، ج 2، ص 217، دار الکتاب، قم، الطبعة الرابعة، 1367ش؛ البغوی، حسین بن مسعود، معالم التنزیل فی تفسیر القرآن، تحقیق: المهدی‏، عبدالرزاق، ج 4، ص 21، داراحیاء التراث العربی، بیروت، الطبعة الاولى، 1420ق.
[4] الطباطبائی ، سید محمد حسین، المیزان فی تفسیر القرآن، ج 17، ص 108، مکتب النشر الاسلامی، قم، الطبعة الخامسة، 1417ق.
[5] الطبرسی، فضل بن حسن، تفسیر جوامع الجامع، ج 3، ص 395 – 396، نشر جامعة طهران،و مدیریة الحوزة العلمیة قم، الطبعة الاولى، 1377ش.
[6]  المیزان فی تفسیر القرآن، ج 17، ص 108.
[7] الفیض الکاشانی، ملامحسن، تفسیر الصافی، تحقیق: الاعلمی، حسین، ج 4، ص259، انتشارات الصدر، طهران، الطبعة الثانیة، 1415ق.
[8] ناصر مکارم الشیرازی، الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج‏14، ص: 228، نشر مدرسة الامام علی بن ابی طالب (ع)، الطبعة الاولى، 1421هـ.
[9]  وکذلک ما ذهب الیه بعض المفسرین الشیعة کالطبرسی، فضل بن حسن، فی " مجمع البیان فی تفسیر القرآن" و تفسیر القمی.
[10] تفسیر الصافی، تحقیق: الاعلمی، حسین، ج 4، ص259.
س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279471 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257338 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128200 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113315 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89031 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59883 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59591 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56883 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49823 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47192 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...