بحث متقدم
الزيارة
5994
محدثة عن: 2008/07/29
خلاصة السؤال
هل فاتت رسول الله (ص) الصلاة فصلاها قضاءً؟
السؤال
هل أن ما یقال بأن رسول الله (ص) صلى الصبح قضاء فی یومٍ من الأیام صحیح؟. رأیت هذا السؤال فی کتاب «سؤال و جواب» للعلامة الطباطبائی.
الجواب الإجمالي

هذه المسألة من مسائل البحث الفقهی و لها علاقة بالمباحث الکلامیة کما وردت فیها روایات أیضاً، و لیس للفقهاء اتفاقٌ فی هذه المسألة، فقد یرى جمع من العلماء أن مثل هذه الروایات مرفوضة و لا یمکن قبولها لتعارضها مع الأدلة الأخرى و تنافیها مع العصمة، و یرى عدد آخر من العلماء أن القضیة لا تتعارض مع الأدلة الأخرى و لا تنافی مقام العصمة الشامخ و ذلک لأنها رویت بسندٍ معتبر، کما ورد فی متون الروایات تعلیل للمسألة و أنها تمثل إرادة الله و رحمته بالأمة.

الجواب التفصيلي

تعد هذه المسألة واحدة من المباحث الفقهیة و لها علاقة بالأبحاث الکلامیة و لا یمکن هنا بیانها تفصیلاً فلیس هذا محل بحثها، و الذی یمکن إیضاحه هنا لا یتعدى الإشارة الآتیة:

توجد روایات فی مصادر السنة[1] و الشیعة تبین وقوع هذه الحادثة، و بعض هذه الأحادیث معتبرة الإسناد،کالروایة التی وردت فی کتاب الکافی الشریف عن الإمام الصادق(ع) حیث یقول الراوی: "قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (ع) یَقُولُ: نَامَ رَسُولُ اللَّهِ (ص) عَنِ الصُّبْحِ وَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ أَنَامَهُ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ عَلَیْهِ وَ کَانَ ذَلِکَ رَحْمَةً مِنْ رَبِّکَ لِلنَّاسِ أَلا تَرَى لَوْ أَنَّ رَجُلاً نَامَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ لَعَیَّرَهُ النَّاسُ وَ قَالُوا لا تَتَوَرَّعُ لِصَلَوَاتِکَ فَصَارَتْ أُسْوَةً وَ سُنَّةً فَإِنْ قَالَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ: نِمْتَ عَنِ الصَّلاةِ! قَالَ: قَدْ نَامَ رَسُولُ اللَّهِ (ص) فَصَارَتْ أُسْوَةً وَ رَحْمَةً رَحِمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِهَا هَذِهِ الأُمَّة"[2].

و فی مقابل هذه الروایة و الروایات المعتبرة الأخرى فی هذا الموضوع توجد لدینا روایات معارضة مثل:

1ـ الروایات التی تدل على کون النبی (ص) و الأئمة معصومین، و من جملتها الروایة المنقولة عن الإمام الصادق (ع) عن الإمام علی (ع) أنه قال: «عَنِ الصَّادِقِ (ع) عَنْ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ (ع) فِی بَیَانِ صِفَاتِ الإِمَامِ قَالَ فَمِنْهَا أَنْ یُعْلَمَ الإِمَامُ الْمُتَوَلِّی عَلَیْهِ أَنَّهُ مَعْصُومٌ مِنَ الذُّنُوبِ کُلِّهَا صَغِیرِهَا وَ کَبِیرِهَا لا یَزِلُّ فِی الْفُتْیَا وَ لا یُخْطِئُ فِی الْجَوَابِ وَ لا یَسْهُو وَ لا یَنْسَى وَ لا یَلْهُو بِشَیْ‏ءٍ مِنْ أَمْرِ الدُّنْیَا»[3].

2ـ الروایات التی ورد فیها عبارة "و تنام عینه و لا ینام قلبه"[4].

3ـ الأدلة العقلیة التی أوردها العلماء فی مسألة عصمة النبی (ص) کالدلیل القائل: "إن الرسول بعث لهدایة الناس، و لا بد و أن یکون سلوکه مقبولاً لدى جمیع الناس بشکلٍ کامل، و إن أقل خطأٍ یصدر منه یحط من درجته و مقامه، و ذلک ینافی الهدف الذی بعث النبی من أجله، و لذلک فلا یختار الله شخصاً یمثل الرابط بینه و بین عباده فیصدر منه الخطأ و السهو الذی یبعد الناس عنه، فلا یتحقق مع ذلک الغرض الإلهی، و لکن عند ما یأمر الله الناس بإطاعة شخص من دون أی تردد أو تساؤل لا بد و أن یکون فعله و کل سلوکه منزهاً لیکون قدوة و أسوة، و الذی یقع فی السهو و الاشتباه لا یتمتع بهذه الخاصیة.

4ـ الدلیل الآخر هو إجماع و اتفاق جمیع العلماء على عدم وقوع الخطأ و الاشتباه من النبی (ص).

 و هنا انقسم الفقهاء إزاء هذه الروایات إلى قسمین:

ألف) رفض جمع من العلماء الروایات التی تقول أن النبی (ص) صلى الصبح قضاءً و ذلک لعدة أسباب منها: عدم قطعیة السند أو احتمال خطأ الروایات أو وضعها أو أنها من باب التقیة أو مخالفتها للأدلة القطعیة، و من هؤلاء العلماء صاحب الجواهر (رض)[5] و صاحب الحدائق (رض)[6] و الشیخ الأنصاری (رض)[7] و ... .

و کذلک المرحوم المیرزا جواد التبریزی (رض)[8]، و المرحوم آیة الله السید محسن الحکیم (رض)[9] و یستفید هؤلاء العلماء من خطاب النبی لأصحابه حیث یقول: « نِمْتُمْ بِوَادِی الشَّیْطَانِ»[10] و کذلک و طبقاً للآیات القرآنیة[11] و الأدلة القطعیة الأخرى فإن الشیطان بعید عن ساحة النبی الأکرم، و لیس له القدرة على التأثیر علیه فی وقت نومه و لذلک اعتبروا وجود العبارة القائلة أن نومه کان من قبل کید الشیطان دلیلاً على عدم صحة الروایة.

ب) و فی مقابل ذلک فإن عدداً من الفقهاء قبلوا الروایات، و لم یروا أنها تعارض الروایات الأخرى أو تنافی أدلة عصمة النبی (ص) و منهم الشیخ الصدوق(رض).[12]  و فرّق بین السهو الشیطانی و غیر الشیطانی، و أما الشیخ المفید (ره) فخالف الشیخ الصدوق و قال بالفرق بین سهو النبی (ص) و بقائه نائماً، و المفید یرفض سهو النبی إلا أن الظاهر من کلامه قبول روایة نوم النبی (ص)[13]. و کذلک یقول الشهید الأول بعد بیان إحدى الروایات: لا نعلم أحداً طرح هذه الروایات بعلة منافاتها للعصمة.[14] و یقول الشیخ البهائی (رض): قبل أصحابنا هذه الروایات و هذا یدل على أنهم فرقوا بین سهو النبی و نومه (ص) و أفتوا طبقاً لذلک، و کذلک الحال بالنسبة إلى المرحوم المجلسی (ره) فإنه قبل مثل هذه الروایات.[15]

و من بین العلماء المعاصرین و بحسب ما نعلم فإن آیة الله بهجت لا یرى التنافی بین هذه الروایات و مقام العصمة.[16]

و فی الختام لا بد من التذکیر بالقول: أنه على الرغم من الأدلة المتقدمة لا ینبغی القطع بوقوع الحادث و أن النبی نام عن صلاة الصبح لأن احتمال الخدش بالروایات وارد، کما ینبغی الاحتیاط و الدقة العالیة فی حال الحدیث عن مقام النبی الأکرم (ص).



[1] صحیح مسلم، ج 2، ص 138، و سنن أبی داود، ج 1، ص 107.

[2] الکافی، ج 3، ص 295..

[3] بحار الانوار، ج 17 ص 109. .

[4] الکافی ج 1 ص 388.

[5] جواهر الکلام فی شرح شرائع الإسلام، ج ‏13، ص 76-73.

[6] فالإنصاف أنه لا یجترئ على نسبته إلیهم (علیهم السلام)، لما دل من الآیات و الأخبار "3" کما نقل على طهارة النبی و عترته (علیهم الصلاة و السلام) من جمیع الأرجاس و الذنوب و تنزههم عن القبائح و العیوب، و عصمتهم من العثار و الخطل فی القول و العمل، و بلوغهم إلى أقصى مراتب الکمال، و أفضلیتهم ممن عداهم فی جمیع‏ الأحوال و الأعمال، و أنهم تنام أعینهم و لا تنام قلوبهم، و أن حالهم فی المنام کحالهم فی الیقظة، و أن النوم لا یغیر منهم شیئا من جهة الإدراک و المعرفة، و أنهم لا یحتلمون، و لا یصیبهم لمة الشیطان، و لا یتثاءبون و لا یتمطون فی شی‏ء من الأحیان، و أنهم یرون من خلفهم کما یرون من بین أیدیهم، و أنهم علموا ما کان‏ و ما یکون من أول الدهر إلى انقراضه، و أنهم جعلوا شهداء على الناس فی أعمالهم، و أن ملائکة اللیل و النهار کانوا یشهدون مع النبی (صلى اللَّه علیه و آله) صلاة الفجر، و أن الملائکة کانوا یأتون الأئمة (علیهم السلام) عند وقت کل صلاة، و أنهم ما من یوم و لا ساعة و لا وقت صلاة إلا و هم ینبهونهم لها لیصلوا معهم، و أنهم کانوا مؤیدین بروح القدس یخبرهم و یسددهم، و لا یصیبهم الحدثان، و لا یلهو و لا ینام و لا یغفل، و به علموا ما دون العرش إلى ما تحت الثرى،   الحدائق الناضرة، ج 6، ص 273

بالجملة فمقتضى عدم تجویز السهو علیه (صلى الله علیه و آله) کما هو ظاهر اتفاقهم رد هذه الاخبار و نحوها أو حملها على التقیة، کما یشیر الیه ما نقله من روایة العامة الخبر المذکور عن أبی قتادة و جماعة من الصحابة، إذ لا یخفى ما بین الحکمین من التدافع و التناقض.

[7] الشیخ الأنصاری فی رسائله الفقهیة، ص 323، و صاحب الجواهر فی الجواهر، الجزء 13، الصفحة 76، أشارا إلى هذا الاحتمال

[8] الشیخ جواد تبریزی الأنوار الإلهیة - رسالة فی لبس السواد، ص 54.

[9] مستمسک العروة الوثقى، ج 5، ص 138.

[10] .. التهذیب ج 2 ص 265.

[11] سورة النحل، 100.

[12] من لا یحضره الفقیه، ج 1، ص 359.

[13] رسالة عدم سهو النبی، ص 28.

[14] ذکرى الشیعة فی أحکام الشریعة، ج 2، ص 423.

[15] مرآة العقول فی شرح أخبار آل الرسول، ج 15، ص 65، أقول: نوم النبی (صلى الله علیه و آله) کذلک أی فوت الصلاة مما رواه الخاصة و العامة، و لیس من قبیل السهو و لذا لم یقل بالسهو إلا شاذ، و لم یرو ذلک أحد کما ذکره الشهید (ره).

[16] بهجة الفقیه، ص150.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279435 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257227 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128137 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113237 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88993 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59834 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59548 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56854 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49726 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47163 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...