بحث متقدم
الزيارة
5295
محدثة عن: 2011/09/13
خلاصة السؤال
هناک روایة نبویة معروفة - الى حد ما- مؤداها انها تجیز کذب الزوج على امرأته، کیف نوجه تلک الروایة و ما مدى صحة الروایة المذکورة سنداً و تمامیتها دلالة؟
السؤال
هناک روایة نبویة - معروفة الى حد ما- مؤداها انها تجیز کذب الزوج على امرأته، و السؤال هنا:
الف) ما صحة الروایة سنداً؟
ب) ما مدى تمامیة دلالة الروایة؟
ج) هل الروایة معارضة للقرآن الکریم؟
د) على فرض صحة الروایة ما نوع الکذب المجاز حینئذ؟ و ما هی الموارد التی یجوز فیها ذلک؟ خاصة اذا اخذنا بنظر الاعتبار ان جمیع حالات الکذب تکتشف فی نهایة المطاف سواء کان الکذب من النوع الثقیل او الخفیف، أ لیس هذا یؤدی فی نهایة الأمر الى ضعف العلاقة و الثقة بین الزوجین و تزلزل عواطف المحبة بینهما؟!
الجواب الإجمالي

لا ریب ان الکذب من الذنوب الکبیرة و المحرمة و التی ردع الدین الاسلامی عنها بکل شدة و صلابة. و لکن مع ذلک نرى الشرع یبیحه فی بعض الاحیان لمصالح أهم اقتضت ذلک؛ کحفظ النفس و العرض و المال المعتد به. فاذا ما سلمنا بصحة الروایة جدلاً – لانها ضعیفة کما حققه الفقهاء- فان جواز ذلک انما یتم فی حال وجود مصلحة أهم تقتضی تعزیز روابط الاسرة و توجب الاصلاح و الا فلا. علما ان هناک الکثیر من الاشکالات الواردة على الروایة سنداً و دلالة و من هنا لم یستند الفقهاء الیها فی القول بجواز ذلک.

الجواب التفصيلي

لا ریب ان الکذب من الذنوب الکبیرة و المحرمة [1] و التی ردع الدین الاسلامی عنها بکل شدة و صلابة [2] . و لکن مع ذلک نرى الشرع یبیحه فی بعض الاحیان لمصالح أهم اقتضت ذلک؛ کحفظ النفس و العرض و المال المعتد به.   [3]

و ف ی خصوص کذب الزوج على زوجه لابد من الاشارة الى بعض النکات:

الف) صحیح ان الکذب ذو جنبه خبریة حیث یطلق على الخبر غیر المطابق للواقع، لکن هناک من الباحثین بل العرف یرى دخول خلف الوعد تحت مقولة الکذب ایضا و ان کان من مقولة الانشاء. علماً أن النسبة بین حرمة الکذب و بین خلف الوعد هی العموم من وجه، فإنه قد یتحقق الکذب المحرم حیث لا مورد لخلف الوعد، و قد یوجد خلف الوعد حیث لا یوجد الکذب المحرم، و قد یجتمعان. [4]

ب) نقل المرحوم الحر العاملی الروایة المذکورة فی " بَابُ جَوَازِ الْکَذِبِ فِی الْإِصْلَاحِ دُونَ الصِّدْقِ فِی الْفَسَاد" و رد فیها: "   یَا عَلِیُّ ثَلَاثٌ یَحْسُنُ فِیهِنَّ الْکَذِبُ الْمَکِیدَةُ فِی الْحَرْبِ وَ عِدَتُکَ زَوْجَتَکَ وَ الْإِصْلَاحُ بَیْنَ النَّاس". [5]

وقد اشار الامام الخمینی (قدس) الى توجیه الحدیث تحت عنوان " هل یجوز الکذب فی الوعد مع الأهل أم لا؟" قائلاً: ثمّ إنّ القول بجواز الکذب فی الوعد مع الأهل کما ورد فی الروایات فإنّ الظاهر من استثناء عدة الأهل من الکذب، أنّ المراد بها الإخبار عن خلاف الواقع، و الظاهر من عنوان العدة أنّها إنشاء. فیمکن أن تجعل العدة قرینة على تصرّف فی الکذب، فیراد به الأعمّ منه و ممّا هو شبیه به، کالوعد الذی لا یراد إنجازه.

و یمکن أن یجعل الکذب قرینة على أنّ المراد بالوعد الإخبار بالإعطاء مع عدم إرادة الإتیان به. [6]

ج) بحث فقهاء الشیعة الکبار تلک الروایة مقارنة بالادلة الکثیرة و المحکمة الدالة على حرمة الکذب و من هنا اشکل على روایات خلف الوعد بعدة اشکالات منها:

1. ضعف سند الروایة [7] : روى الحر العاملی الحدیث نقلا عن کتاب "من لایحضره الفقیه" للشیخ الصدوق، و للبحث عن صحة السند لابد من الاشارة الى السند اولا ثم تحلیله ثانیا، اما السند فهو: " مُحَمَّدُ بْنُ عَلِیِّ بْنِ الْحُسَیْنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عَمْرٍو وَ أَنَسِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِیهِ جَمِیعاً عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (ع)عَنْ آبَائِهِ (ع)". [8]

اما حماد بن عمرو، فلم یرد فیه توثیق او تضعیف فی الکتب الرجالیة.

واما أنس بن محمد فمجهول الحال لم تعرف حاله من الوثاقة او التضعیف.

وکذلک والد أنس فهو الآخر مجهول الحال ایضاً.

الروایة الثانیة، نقل الحر العاملی الروایة عن الخصال للشیخ الصدوق بالسند التالی: " فِی الْخِصَالِ عَنْ أَبِیهِ عَنْ سَعْدٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ الْحُسَیْنِ بْنِ سَعِیدٍ عَنْ أَبِی الْحُسَیْنِ الْحَضْرَمِیِّ عَنْ مُوسَى بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ جَمِیلِ بْنِ دَرَّاجٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِیدٍ عَنِ الْمُحَارِبِیِّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ آبَائِه‏." [9]

فی السند أحمد بن حسین بن سعید ضعیف متهم بالغلو. [10]

واما ابو الحسن الحضرمی فمجهول الحال. بالاضافة الى مجهولیة کل من محمد بن سعید و المحاربی. فالروایة غیر معتبرة سنداً.

2. اجمال الروایة [11] : إن هذه الروایات إنما تجیز خلف الوعد على الزوجة و خلف الوعد جائز على الزوجة و غیرها و لیس فی المقام حکم جدید. [12] یقول الامام الخمینی (قدس): ثمّ إنّ القول بجواز الکذب فی الوعد مع الأهل کما ورد فی الروایات مشکل، لضعفها، و إجمال المراد منها، فإنّ الظاهر من استثناء عدة الأهل من الکذب، أنّ المراد بها الإخبار عن خلاف الواقع، و الظاهر من عنوان العدة أنّها إنشاء. فیمکن أن تجعل العدة قرینة على تصرّف فی الکذب، فیراد به الأعمّ منه و ممّا هو شبیه به، کالوعد الذی لا یراد إنجازه. و یمکن أن یجعل الکذب قرینة على أنّ المراد بالوعد الإخبار بالإعطاء مع عدم إرادة الإتیان به.

تحصل انه بسبب ضعف السند و الاشکالات الاخرى الورادة على الروایة یکون الأحوط لو لم یکن الأقوى عدم جوازه إلّا مع إکراه أو اضطرار کما قد یتّفق، و یمکن حمل الروایات على مورد الاضطرار، تأمّل. [13] و هذا لا یختص بکذب الرجل على زوجه بل یعم کل الحالات و یدخل تحت مستثنیات الکذب.



[1] الامام الخمینی،روح الله، المکاسب المحرمة ، ج‏2، ص 60، باب (حرمة الکذب فی الجملة ضروریة) ،   مؤسسه تنظیم و نشر آثار الامام الخمینی‏، قم، 1415.

[3] التبریزی، ابو طالب تجلیل‏،التعلیقة الاستدلالیة على تحریر الوسیلة، ص 424، موسسه عروج.

[4] الخوئی، سید ابو القاسم الموسوی‏، مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‏1، ص 391،بلا تاریخ و لا مکان.

[5] الحر العاملی،محمد بن الحسن، وسائل‏الشیعة، ج 12، ص 252، مؤسسة آل البیت (ع)‏،قم، 1409.

[6] انظر:   المکاسب المحرمة (للإمام الخمینی)، ج‏2، ص140.

[7] انظر: الامام الخمینی، المکاسب المحرمة، ج‏2، ص 140؛ الصدر، الشهید سید محمد محمد صادق، ما وراء الفقه، ج‏10، ص 323، دار الأضواء للطباعة و النشر و التوزیع‏،بیروت، 1420.

[8] وسائل‏الشیعة ، ج 12 ص 252.

[9] نفس المصدر.

[10] النجاشی، ابو الحسن احمد بن علی بن احمد، رجال ‏النجاشی ص 77 ، دفتر النش الاسلام ی التابع لجماعة المدرسین ،‏ قم، 1407.

[11] المکاسب المحرمة (للإمام الخمینی)، ج‏2، ص140.

[12] ما وراء الفقه، ج‏10، ص 324.

[13] انظر : المکاسب المحرمة (للإمام الخمینی)، ج‏2، ص140؛ الطباطبائی الحکیم، سید محسن، ‏منهاج الصالحین (المحشى للحکیم)، ج‏2، ص 15، دار التعارف للمطبوعات‏،بیروت،1410؛ الخوئی، سید ابو القاسم الموسوی‏، منهاج الصالحین (للخوئی)، ج‏2، ص 10،   نشر مدینة العلم‏، قم،1410.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279429 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257214 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128130 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113226 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88984 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59826 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59539 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56849 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49717 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47157 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...