بحث متقدم
الزيارة
6015
محدثة عن: 2008/11/15
خلاصة السؤال
لماذا ینسى الإنسان الله تعالى؟
السؤال
لماذا ینسى الإنسان الله تعالى؟
الجواب الإجمالي

الوساوس الشیطانیة و التعلق بالدنیا و الذنوب من العلل و الأسباب التی تنسی الإنسان ربه، و فی المقابل فإن الصلاة، القرآن، و التفکر فی آیات الله و بالاستفادة من الأدلة و البراهین یمکن أن یحیا ذکر الله فی القلوب.

إن لذکر الله آثاراً مبارکة من جملتها: 1ـ التقید بطاعة الله، 2ـ الخضوع لله تعالى، 3ـ حب العبادة و عشقها، 4ـ الهدوء و الاطمئنان، 5ـ توجه الخالق إلى عباده، 6ـ حب الله للعبد و ... .

الجواب التفصيلي

توجد آیات قرآنیة تدل على أن الکفار و أهل الخسران و الملحدین قد نسوا الله و یوم المعاد، و من الآیات القرآنیة فی ذلک: «وَ لا تَکُونُوا کَالَّذِینَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِکَ هُمُ الْفَاسِقُونَ».[1] و یقول فی آیة أخرى على لسان الکفار: «وَ قَالُوا مَا هِیَ إِلاَّ حَیَاتُنَا الدُّنْیَا نَمُوتُ وَ نَحْیَا وَ مَا یُهْلِکُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ وَ مَا لَهُمْ بِذَلِکَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ یَظُنُّونَ».[2] و جاء فی آیة أخرى: «فَذُوقُوا بِمَا نَسِیتُمْ لِقَاءَ یَوْمِکُمْ هَذَا إِنَّا نَسِینَاکُمْ وَ ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ».[3] و فی آیة أخرى یخاطب الکفار فی قوله: «وَقِیلَ الْیَوْمَ نَنْسَاکُمْ کَمَا نَسِیتُمْ لِقَاءَ یَوْمِکُمْ هَذَا وَمَأْوَاکُمُ النَّارُ وَمَا لَکُمْ مِنْ نَاصِرِینَ».[4]

و المستفاد من هذه الآیات:

1ـ بالتوجه إلى معنى النسیان إن معرفة الله فطریة، و إن الکفار و الخاسرین و الملحدین و المشرکین ینسون طبیعتهم و فطرتهم بسبب تلوثهم بالذنوب و لم یستعمل القرآن النسیان فی مورد المؤمنین أو أهل الکتاب، بل کل من یرفض المبدأ و المعاد ینسب إلیه النسیان.

2ـ إن نسیان الله یکون سبباً «لنسیان النفس» و هذا واضحٌ جداً، لأن نسیان الله یؤدی إلى انغماس الإنسان باللذات و الشهوات الحیوانیة، و بذلک ینسى الهدف الذی خلق من أجله، و نتیجة ذلک الغفلة عن العمل و اکتساب ذخیرة الآخرة.

و من جهة أخرى، فإن نسیان الله یصاحبه نسیان صفاته مثل کونه وجوداً مطلقاً و علماً لا نهائیاً، و غنىً لا حدود له، و هذه الصفات لله و لکل من یتصل به و یحتاج إلیه. و أما الإنسان البعید عن الله فإنه یرى نفسه مستقلاً غنیاً و غیر محتاجٍ إلى الله. و لذلک یکون ناسیاً لهویته و واقعه.[5]

3ـ إن جمیع هذه الآیات تشهد على أن نسیان الله لیس أمراً ممکناً من المسلمین، و إنما هو محل الابتلاء لدى جمیع الناس، حتى أن عدداً من المسلمین یُبتَلَون بنسیان الله فی بعض الأحیان. و لکن هذا النسیان یکون أحیاناً دائمیاً و هذا أمرٌ غایة فی الخطورة و موجب للعذاب الأخروی الألیم، کما یقول تعالى: «خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِیمٌ».[6] و أحیاناً یکون مؤقتاً و بذلک یوجد أملٌ فی العودة إلى حالة ذکر الله و النجاة بسبب ذلک، یقول القرآن فی ذلک: «إِنَّ الَّذِینَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّیْطَانِ تَذَکَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ».[7]

أسباب نسیان الله:

1ـ الشیطان یمثل عاملاً مهماً فی قضیة نسیان الله، و قد جاء فی القرآن الکریم: «اسْتَحْوَذَ عَلَیْهِمُ الشَّیْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِکْرَ اللَّهِ أُولَئِکَ حِزْبُ الشَّیْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّیْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ»،[8] و جمیع عمل الشیطان یتلخص فی إبعاد الإنسان عن خالقه و سلبه کل ما من شأنه أن یشده إلیه، و حینما یفقد الإنسان هذا المعطى فإنه ینسى نفسه.

2ـ التعلق بالدنیا من العوامل المهمة فی مسألة نسیان العبد ربه، و ذلک لما فیها من جاذبیة و زبرج و زخرف یتملک قلوب بعض الناس و لذلک یقول علی (ع): «من هوان الدنیا على الله أنه لا یعصى إلا فیها، و لا ینال ما عنده إلا بترکها».[9]

3ـ ارتکاب الذنوب و عدم الإنصات إلى الأوامر الإلهیة، فإنه یضع حجاباً بین العبد و ربه، و ذلک ما یوجب نسیان الإنسان لخالقه و منشئ وجوده. کما نقل عن الإمام الرضا (ع) حینما أجاب رجلاً عن سؤالٍ قال فیه: لماذا یکون الله محجوباً؟. قال: «إن الاحتجاب عن الخلق لکثرة ذنوبهم، فأما هو فلا یخفى علیه خافیة فی آناء اللیل والنهار».[10]

و فی مقابل ذلک یجب علینا أن نحرص على إحیاء ذکر الله فی قلوبنا و قلوب الآخرین. کما قال تعالى: «الَّذِینَ یَذْکُرُونَ اللَّهَ قِیَامًا وَ قُعُودًا وَ عَلَى جُنُوبِهِمْ وَ یَتَفَکَّرُونَ فِی خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَ الأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَکَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ».[11] إن ذکر الله یکون على أی نحو ممکن، و لیس من اللازم أن یکون على نحو خاص، و هناک أمور و شروط خاصة ذکرت لإحیاء ذکر الله من جملتها:

1ـ الصلاة، یقول القرآن: «إِنَّنِی أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِی وَ أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِکْرِی».[12]

2ـ التعلق بالقرآن، یقول تعالى: «ذَلِکَ نَتْلُوهُ عَلَیْکَ مِنَ الْآَیَاتِ وَالذِّکْرِ الْحَکِیمِ»[13].

3ـ التفکر فی خلق السموات و الأرض یقول تعالى: «الَّذِینَ یَذْکُرُونَ اللَّهَ قِیَامًا وَ قُعُودًا وَ عَلَى جُنُوبِهِمْ وَ یَتَفَکَّرُونَ فِی خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَ الأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَکَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ».[14]

4ـ التوجه إلى صفات الله، یقول تعالى: «وَ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ فَأَیْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِیمٌ».[15]

و کذلک فإن ذکر الله له آثارٌ مبارکة و کثیرة فی حیاة الإنسان:

1ـ إطاعة أوامر الله و التقید بها.

2ـ الخضوع و التسلیم إلى الحقیقة و قبول الحق بالنسبة لعباد الله.

3ـ حب العبادة و عشقها.

4ـ الاطمئنان و الهدوء.

5ـ حصول الحب الإلهی بالنسبة إلى العبد.

نأمل أن نستفید جمیعاً من هذه البرکات.



[1] الحشر، 19. و آیات التوبة، 67، یس، 78.

[2] الجاثیة، 24.

[3] السجدة، 14.

[4] الجاثیة، 34.

[5] الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج 18، ص 209.

[6] البقرة، 7.

[7] الأعراف، 201؛ آل عمران ، 135.

[8] المجادلة، 19.

[9] ترجمة نهج البلاغة، خطبة 193، ص286 « و لا یُنال ما عنده إلا بترکها»

[10] الشیخ الصدوق، التوحید، المجلد الأول، انتشارات جامعة مدرسین قم، 1398 هـ.ق (1357 شمسی)، ص252. عن الرضا (ع): قال الرجل فلم احتجب فقال أبو الحسن(ع) إن الاحتجاب عن الخلق لکثرة ذنوبهم.

[11] آل عمران 191.

[12] طه، 14.

[13] آل عمران، 58.

[14] آل عمران، 191.

[15] البقرة، 115.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279472 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257341 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128200 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113315 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89031 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59883 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59591 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56884 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49824 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47192 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...