بحث متقدم
الزيارة
5324
محدثة عن: 2014/10/30
خلاصة السؤال
ما هو تأثر الإيمان بالله تعالى في حياة الإنسان؟
السؤال
نحن على يقين بأنّ لله أثراً في حياة الإنسان، الرجاء بيان مدى هذا التأثير و كيفيته؟
الجواب الإجمالي
تارة تعالج هذه القضية من زاوية البحث الفلسفي  و نظرة الحكماء للقضية ومن زاوية تأثير وجود الله تعالى على الحياة في بعدها التكويني، و ما هو الأثر الذي يتركه وجود الله على الإنسان من هذه الحيثية؟ و مما لاريب أنّ الفلاسفة الاسلاميين مجمعون على أن وجود الإنسان و ما يحط به من المخلوقات هي مدينة في وجودها لله تعالى؛ و بعبارة أدق تمثل جميعها جانباً من الفيض الإلهي المستمر الذي إذا ما انقطع لحظة واحدة انعدم كلّ شيء بما فيهم الإنسان نفسه.
أما الزاوية الثانية التي يمكن رصد تأثير الله تعالى على حياة الإنسان من خلالها فتتمثل في البعد الايماني و دور الإيمان في رسم معالم حركة الانسان في خط الرسالة و التزامه بقيم السماء؛ و من هنا لا بد من معرفة درجة الإيمان و مدى تأثيره على سلوك الإنسان؛ لأنه كلمّا كان الإيمان راسخا و كان المؤمن قد اذعن بوجود الرقيب الالهي، انعكس ذلك طرداً على نوعية سلوكه، و ارتفع مؤشر تأثير الإيمان في سلوكه، الى درجة يرى الله حاضراً في حركاته و سكناته و إلى هذا المعنى يشير أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام بقوله: "ما رأيت شيئاً إلاّ و رأيت الله قبله و بعده و معه و فيه"[1] فمن نظر الى القضية بمنظار علي عليه السلام لا يمكن أن يغفل التأثير الإلهي في حياته، فاذا نظر الإنسان إليها بدرجة أقلّ خفّة من النظرة العلوية فلا ريب أنّه سيصل إلى نتائج تتناسب مع تلك الزاوية من الانفتاح و الإيمان.
 

[1]. مسند الإمام علي عليه السلام، ص 150، نقلا عن تفسير مواهب الواهب 2: 36.
الجواب التفصيلي
تارة تعالج هذه القضية من زاوية البحث الفلسفي  و نظرة الحكماء للقضية ومن زاوية تأثير وجود الله تعالى على الحياة في بعدها التكويني، و ما هو الأثر الذي يتركه وجود الله على الإنسان من هذه الحيثية؟ و مما لاريب أنّ الفلاسفة الاسلاميين مجمعون على أن وجود الإنسان و ما يحط به من المخلوقات هي مدينة في وجودها لله تعالى؛ و بعبارة أدق تمثل جميعها جانباً من الفيض الإلهي المستمر الذي إذا ما انقطع لحظة واحدة انعدم كلّ شيء بما فيهم الإنسان نفسه. و قد فصل الفلاسفة الكلام في هذه النظرية بما لا يسع المجال للحديث عنه هنا. مضافاً الى ذلك يمكن الإنطلاق من نظرية الفقر و الحاجة التي مفادها أنّ جميع المخلوقات فقيرة و محتاجة إلى الغني المطلق، بما فيها الإنسان الفقير فهو بحاجة إلى الخالق الغني مطلقاً، و أنّ جميع ما يحتاجه الإنسان من النعم يرجع إلى الباري تعالى "وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها".[1] و في الآية اشارة إلى النعم التي وهبها الله تعالى لكافة مخلوقاته بما فيهم الإنسان و التي لا يمكن لأحد احصاؤها و الاحاطة بها. و إذا ما نظرنا بدقة و إمعان إلى مقولة الحمد "الحمد لله" التي طالما رددناها عند تلاوة سورة الحمد، نرى أنّها تشير إلى مفهوم عميق يحصر الحمد به تعالى؛ لأنّ كلّ شيء يراه الإنسان مما يُعد من الممدوحات، و كلّ سلوك محمود هو في الحقيقة يعود إلى ذلك المصدر صاحب المواهب السنية و النعم الباهرة الذي يعود كلّ حمد إليه. فالحمد مهما تتوزع عاد في حقيقته إلى الله تعالى. وهذا البعد التكويني و النظرة الفلسفية للكون و الحياة  يسوقنا في نفس الوقت الى الجانب الإيماني و تأثيره في الحياة.
و من الواضح أن مقولة العلم لا ترادف مقولة الإيمان؛ إذ من الممكن أن يغوص الإنسان في أعماق الأبحاث الفلسفية  و يتبحر في معرفة الأدلة المطروحة لإثبات وجود الله تعالى و يعلم بجميع زواياها و حيثياتها و بجميع ما قلناه، إلا أنه لم يصل بالضرورة إلى مرحلة التسليم و الإيمان، فإنّ مرحلة الاذعان و الإيمان  مغايرة لمرحلة العلم و الانكشاف، و هذا المعنى هو المستوحى من قوله تعالى "وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَ عُلُواً"  [2]فمع يقينهم و انكشاف الحقيقة لهم لم يذعنوا للحق و لم يؤمنوا به، فالإيمان حقيقة أخرى غير حقيقة العلم و اليقين؛ لأن الإيمان في الحقيقة شيء يختارة الإنسان بإرادة و اختيار منه.
نعم، العلم و الكشف يُعد مقدمة لتحصيل الاذعان و الإيمان، و قد أكدّت المعارف الاسلامية على اليقين و المعرفة و العلم في أكثر من موضع على مستوى القرآن الكريم و السنّة المطهرة، لما للعلم و المعرفة من أهمية في تحصيل الإيمان، خلافاً لبعض الاتجاهات في المسيحية التي تذهب إلى التنافي بين العلم و الإيمان و أنّ مقولة الإيمان يمكن أنْ تحصل مجرّدة عن العلم، بل حتى في الحالات التي يوجد بينهما تضاد، بل يرى البعض منهم أنّ الإنسان اذا علم بالشيء لا يمكنه الإيمان به.
و الجدير بالذكر أن المفكر الاسلامي يرى أنّ العلم و اليقين مجرّد مقدمة لتحصيل الإيمان لا أنه العلة التامة للاذعان و التسليم و الخضوع، و قد أشار الإمام الخميني (ره) في بيان تلك القضية إلى حقيقة ملموسة مفادها: أن جميع الناس يعلمون علم اليقين بأنّ الميّت لا حول له و لا قوة و لا يستطيع القيام بأيّ عمل يضر به الآخرين و مع ذلك نجد الكثير بل الغالبية ترفض الإذعان لهذه الحقيقة و تراها تخشى المبيت في مكان توجد فيه جنازة لميت!!! و هذا المثال واضح الدلالة على التفريق بين مقولتي العلم و الإيمان.
من هنا لا بد من معرفة درجة الإيمان و مدى تأثيره على سلوك الإنسان، فكلمّا كان الإيمان راسخا و كان المؤمن قد اذعن بوجود الرقيب الالهي، انعكس ذلك طرداً على نوعية سلوكه، و ارتفع مؤشر تأثير الإيمان في سلوكه، الى درجة يرى الله حاضراً في حركاته و سكناته و إلى هذا المعنى يشير أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام بقوله: "ما رأيت شيئاً إلاّ و رأيت الله قبله و بعده و معه و فيه"[3] فمن نظر الى القضية بمنظار علي عليه السلام لا يمكن أن يغفل التأثير الإلهي في حياته، فاذا نظر الإنسان إليها بدرجة أقلّ خفّة من النظرة العلوية فلا ريب أنّه سيصل إلى نتائج تتناسب مع تلك الزاوية من الانفتاح و الإيمان.
و المشاهد لتاريخ علي عليه السلام يرصد ذلك بوضوح في حياته (ع) و أنّه في كلّ مسيرته الجهادية و غيرها كان يتحرك ضمن الخط الإلهي ففي ليلة المبيت في فراش النبي حينما هاجر (ص) من مكة إلى المدينة و غيرها من المواقف الحساسة و المصيرية كان عليه السلام قد أعد نفسه لجميع المخاطر التي تحيط به اثناء تلك المهام و الحروب الخطيرة التي خاضها مع النبي الأكرم (ص)،  بل كان عليه السلام يلتزم بنفس الخط و التسليم المطلق لله تعالى حتى في سكوته بعد تلك الحوادث التي وقعت بعد رحيل النبي (ص) حفاظاً على خط الرسالة و وحدة المسلمين. فكان عليه السلام يفكر بمستقبل المسلمين و يحاول مدّ العون للمجتمع الاسلامي من خلال رصد ما يحتاجه المجتمع على جميع المستويات المعنوية و المادية. و من القضايا التي رصد أهميتها في ذلك الوقت – و التي ما زالت كذلك- قضية حاجة المجتمع إلى المياه لما لهذه المادة الحيوية من أهمية في الحياة، فكان عليه السلام يحفر الآبار و يستنبط المياة ثم يوقفها للصالح العام. كل ذلك انطلاقا من حركته في مسير الخط الإلهي، و لهذا كلّه حظي بوسام لم يحظ به غيره صدر على لسان النبي الأكرم (ص) حينما كرّمه عليه السلام بمقولته  المشهورة "علي مع الحق و الحق مع علي يدور حيثما دار".[4] و لا ريب أن هذه النتيجة تعد من أبرز انعكاسات الإيمان بالله على حياة الإنسان المسلم.
 

[1]. إبراهيم، 34؛ و النحل، 18.
[2]. النمل، 14.
[3]. مسند الإمام علي عليه السلام، ص 150، نقلا عن تفسير مواهب الواهب 2: 36.
[4]. المجلسي، بحار الأنوار، ج 10، ص 432، مؤسسة الوفاء بيروت - لبنان، 1404 هـ ق.
س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279470 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257335 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128200 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113312 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89027 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59879 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59590 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56882 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49822 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47191 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...