بحث متقدم
الزيارة
5332
محدثة عن: 2011/12/31
خلاصة السؤال
هل یتساوى جزاء و ثواب المعدمین مع المترفین مع تساوی العمل الصادر منهم ظاهرا؟
السؤال
هل یتساوى جزاء و ثواب المعدمین مع المترفین مع تساوی العمل الصادر منهم ظاهرا؟ فعلى سبیل المثال لو تصدق تصدق الغنی بالمقدار التی تصدق به الفقیر مع کون الفقیر یعیش الحرمان و الفاقة طیلة حیاته، و هکذا لو صدرت المعصیة المتساویة - ظاهرا – من کل منهما فهل ثواب و عقاب الاثنین متعلق بمیزان العمل فقط أو هناک عوامل أخرى دخیلة فی ذلک؟
الجواب الإجمالي

تؤکد النصوص الاسلامیة على حقیقة التناسب بین التکلیف و الاستطاعة فکل انسان یکلف بما یطیق و لا نجد حکما من الاحکام خارج القدرة و الاستطاعة، و من الطبیعی هنا أن تکلیف الغنی و المتمکن مالیاً یختلف عن تکلیف الفقیر المعدم، و کذلک الصحیح المعافی یختلف عن المریض العلیل، و لیست صلاة المریض و هو على فراش المرض یعانی الآلام و الاوجاع یتساوى ثوابها مع صلاة ذلک الانسان المعافى – مع اتحاد کیفیة الاداء و خلوص النیّة و...- الذی یتقلب على الأرائک!! و هکذا من غیر المعقول ان یتساوى ثواب صدقة المعدم الذی لا یملک الا هذا المقدار القلیل جداً فیأتی متصدقاً ببعضه و بین ذلک الغنی الذی لو تصدق بمئة ضعف مما تصدق به الفقیر لا یشعر بأی أثر أو نقص فی ثروته الطائلة!!

و قد أشار الباری تعالى الى هذه القضیة فی بعض الآیات و الروایات الواردة عن المعصومین (ع) اشرنا الیها فی الجواب التفصیلی.

الجواب التفصيلي

من الجدیر هنا أن نلقی نظرة سریعة على آیات الذکر الحکیم و کلمات المعصومین (ع) لنستوحی منها الاجابة عن هذا التساؤل و التی یفهم منها توقف التکلیف على مدى القدرة و الاستطاعة لکل مکلف على انفراد و بما یناسبه، و من هذه النصوص:

1. قوله تعالى: " لِیُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَ مَنْ قُدِرَ عَلَیْهِ رِزْقُهُ فَلْیُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللَّهُ لا یُکَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ ما آتاها سَیَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ یُسْرا".[1]

2. قوله تعالى فی سورة التوبة: " لَیْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَ لا عَلَى الْمَرْضى‏ وَ لا عَلَى الَّذینَ لا یَجِدُونَ ما یُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَ رَسُولِهِ ما عَلَى الْمُحْسِنینَ مِنْ سَبیلٍ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحیمٌ * وَ لا عَلَى الَّذینَ إِذا ما أَتَوْکَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُکُمْ عَلَیْهِ تَوَلَّوْا وَ أَعْیُنُهُمْ تَفیضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ یَجِدُوا ما یُنْفِقُونَ * إِنَّمَا السَّبیلُ عَلَى الَّذینَ یَسْتَأْذِنُونَکَ وَ هُمْ أَغْنِیاءُ رَضُوا بِأَنْ یَکُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى‏ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا یَعْلَمُون‏".[2]

3. و قوله تعالى: " لَیْسَ عَلَى الْأَعْمى‏ حَرَجٌ وَ لا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَ لا عَلَى الْمَریضِ حَرَج‏".[3]

4. و قوله عزّ شأنه: " شَهْرُ رَمَضانَ الَّذی أُنْزِلَ فیهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَ بَیِّناتٍ مِنَ الْهُدى‏ وَ الْفُرْقانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْکُمُ الشَّهْرَ فَلْیَصُمْهُ وَ مَنْ کانَ مَریضاً أَوْ عَلى‏ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَیَّامٍ أُخَرَ یُریدُ اللَّهُ بِکُمُ الْیُسْرَ وَ لا یُریدُ بِکُمُ الْعُسْرَ وَ لِتُکْمِلُوا الْعِدَّةَ وَ لِتُکَبِّرُوا اللَّهَ عَلى‏ ما هَداکُمْ وَ لَعَلَّکُمْ تَشْکُرُون‏".[4]

و فی هذا المجال تشیر الروایات الى أن المضطر یأکل المیتة و کل محرم إذا اضطر إلیه قال جعفر بن محمد (ص): إذا اضطر الرجل إلى المیتة أکل حتى یشبع و إذا اضطر إلى الخمر شرب حتى یروی و لیس له أن یعود إلى ذلک حتى یضطر إلیه أیضا.[5]

5. و قوله تعالى: " لا جُناحَ عَلَیْکُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَریضَةً وَ مَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَ عَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنین‏".[6]

6. ذکر العلامة المجلسی أنه لما حث القرآن الکریم المؤمنین على الجهاد بالمال جاء سالمُ بن عُمَیْر الأَنصاریُّ بصاع من تمر، فقال: یا رسول اللَّهِ کنتُ لیلَتی أَخبِزُ لجریر حتَّى نلتُ صاعین تمراً، أَمَّا أَحدهما فَأَمسکْتهُ و أَمَّا الآخرُ فَأَقْرَضْتُهُ رَبِّی. فأَمرَ رسولُ اللَّهِ (ص) أَنْ یَنْثُرَهُ فی الصدقات فسخر منهُ المنافقون فقالوا: و اللَّهِ إِنْ کان اللَّهُ یغنی عن هذا الصَّاع ما یصنعُ اللَّهُ بصاعه شیئاً، و لکنَّ أَبا عقیل أَراد أَن یذکُر نفسَهُ لیعطى من الصَّدقات فنزل قوله تعالى " الَّذینَ یَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعینَ مِنَ الْمُؤْمِنینَ فِی الصَّدَقاتِ وَ الَّذینَ لا یَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَیَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلیم"‏[7] و[8]

7. عن جمیل (أحد اصحاب الامام الصادق) قال قلت لابی عبد اللَّه (ع): مَنْ غُرَرُ أَصْحَابِی؟ قال: هم البارُّونَ بِالإِخوان فی العسر و الیسر. ثُمَّ قال: یا جمیلُ أَمَا إِنَّ صاحب الکثیر یهونُ علیه ذلک و قدْ مدح اللَّهُ فی ذلک صاحب القلیل، فقال فی کتابه "وَ یُؤْثِرُونَ عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ کانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَ مَنْ یُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ".[9]‏ و[10]

و فی روایة أخرى عن أَبِی بَصِیرٍ عن أَحدهما (ع) قال: قلت له: أَیُّ الصَّدقة أَفضل؟ قال: جُهْدُ الْمُقِلِّ، أَ ما سمعت اللَّهَ عزَّ و جلَّ یقول: "وَ یُؤْثِرُونَ عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ کانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ" تَرَى هَاهُنَا فَضْلا.[11]

8. روی عن الامام الصادق (ع) الحدیث القدسی الذی یقول الله تعالى فیه: " إِنَّ مِنْ عِبَادِی مَنْ‏ یَتَصَدَّقُ بِشِقِّ تَمْرَةٍ فَأُرَبِّیهَا لَهُ کَمَا یُرَبِّی أَحَدُکُمْ فَلُوَّهُ حَتَّى أَجْعَلَهَا لَهُ مِثْلَ جَبَلِ أُحُد".[12]

و مما لاریب فیه أن الآیات و الروایات التی تشیر الى تناسب القدرة و الاستطاعة مع التلکیف و مع الثواب و الجزاء لا یسع المجال لاستقصائها هنا، و لکن المسلّم به أن الله تعالى لا یکلف الانسان بأمر خارج عن قدرته الجسمیة أو الاقتصادیة[13]. و أن کل من یعمل بتکلیفه ینال ثواب عمله.



[1]الطلاق، 7.

[2]التوبة، 91-93.

[3]الفتح، 17.

[4]البقرة، 185.

[5] التمیمی المغربی، نعمان بن محمد، دعائم الإسلام، ج 2، ص 125، ح 435، دار المعارف، مصر، 1385 هـ ق.

[6]البقرة، 236.

[7]التوبة، 79.

[8] المجلسی، محمد باقر، بحار الانوار، ج 22، ص 96، مؤسسة الوفاء، بیروت، 1404 هـ ق.

[9] الحشر، 9.

[10] الحر العاملی، محمد بن الحسن، وسائل الشیعة، ج 9، ص 429، ح 12407،

[11] المصدر، ص 431، ح 12413.

[12] المصدر، ص 381، ح 12290.

[13]انظر: البقرة، 286؛ الانعام، 152؛ الاعراف، 42؛ المؤمنون، 62؛ الطلاق، 7 و ...

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279458 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257317 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128187 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113302 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89018 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59870 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59578 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56877 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49808 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47184 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...