بحث متقدم
الزيارة
6270
محدثة عن: 2012/03/13
خلاصة السؤال
ما سبب تقدیم الجار و المجرور فی سورة (یس): \"وَ جَاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِینَةِ رَجُلٌ یَسْعَى‏ قَالَ یَقَوْمِ اتَّبِعُواْ الْمُرْسَلِین\" و تأخیر فی سورة القصص: \"وَ جَاءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَا الْمَدِینَةِ یَسْعَى‏ قَالَ یَامُوسىَ إِنَّ الْمَلَأَ یَأْتَمِرُونَ بِکَ لِیَقْتُلُوکَ فَاخْرُجْ إِنىّ‏ِ لَکَ مِنَ النَّاصِحِین\"؟
السؤال
ما سبب تقدیم الجار و المجرور فی سورة (یس): \"وَ جَاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِینَةِ رَجُلٌ یَسْعَى‏ قَالَ یَقَوْمِ اتَّبِعُواْ الْمُرْسَلِین\" و تأخیر فی سورة القصص: \"وَ جَاءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَا الْمَدِینَةِ یَسْعَى‏ قَالَ یَامُوسىَ إِنَّ الْمَلَأَ یَأْتَمِرُونَ بِکَ لِیَقْتُلُوکَ فَاخْرُجْ إِنىّ‏ِ لَکَ مِنَ النَّاصِحِین\"؟
الجواب الإجمالي

لقد تناولت بعض التفاسیر و کتب علوم القرآن أسباب تقدیم بعض الکلمات أو الجُمل فی بعض الآیات و تأخیرها فی آیات أخر و قد ذکروا فی بیان السبب: أن صیاغة الآیة قد تقتضی التقدیم فی مکان، و التأخیر فی مکان آخر.

و قد ذکروا هاتین الآتین اللتین فی السؤال کنموذج على کلامهم "فالرجل" فی الآیة المبارکة من سورة یس أخّر لأن صیاغة الآیة فی وصف أصحاب مدینة (أنطاکیة) الذین بالغو فی عدم الإئتمار لرسل الله، و تخبر کذلک عن رجل آمن بالرسل و ینصح قومه باتباع المرسلین، فالمهم فی هذه الآیة هو عمل هذا الرجل و هو نصیحة الکافرین التی هی لازمة و واجبة على الجمیع، أما تقدیم "رجل" الفاعل على الجار و المجرور فی سورة القصص فهو مطابق لأصل تقدیم الفاعل على الجار و المجرور، لأن صیاغة الآیة فی انتشار خبر القتل، و لهذا الرجل خصوصیة فی هذه القصة و التأکید على "الرجل" هو لکونه "رجل واحد".

إذن، فی الآیة التی قدّم فیها "الرجل" کان التأکید على نفس "الرجل" و فی الأیة التی لم یقدم الرجل، کان التأکید و الإهتمام على عمل الفرد.

الجواب التفصيلي

توجد آیتان فی سورة "یس" و "القصص" متشابهة من حیث الألفاظ، نغتنم هذه الفرصة و نناقشها کلاً على انفراد:

1ـ قوله تعالى "وَ جَاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِینَةِ رَجُلٌ یَسْعَى‏ قَالَ یَقَوْمِ اتَّبِعُواْ الْمُرْسَلِین".[1] أی جاء رجل مؤمن من أبعد نقطة فی المدینة مسرعاً إلى فئة من الکافرین و قال: یا قومی إتبعوا المرسلین.

"رجل" فی هذه الآیة فاعل لـ "جاء" و قد ذکر أغلب المفسّرین أن إسم هذا الرجل (حبیب النجّار) و هو من الأشخاص الذین قُّیض لهم الإستماع إلى هؤلاء الرسل و الإیمان و أدرکوا حقانیة دعوتهم و دقّة تعلیماتهم و کان مؤمناً ثابت القدم بإیمانه، و حینما بلغه أن مرکز المدینة مضطرب و یُحتمل أن یقوم الناس بقتل هؤلاء الأنبیاء أسرع کما یستشف من کلمة "یسعى" و أوصل نفسه إلى مرکز المدینة و دافع عن الحق بما استطاع بل أنه لم یدّخر وسعاً فی ذلک. التعبیر بالرجل بصورة نکرة یحتمل فیه إشارة إلى أنه کان فرداً عادّیاً لیس له قدرة أو إمکانیة متمیزة فی المجتمع و سلک طریقة مفرداً وحیداً، و کیف أنه فی نفس الوقت دخل المعرکة بین الکفر و الإیمان مدافعاً عن الحق لکی یأخذ المؤمنون فی عصر الرسول الأکرم (ص) درساً بأنه و إن کانوا قلّة فی عصر صدر الإسلام إلا أن المسؤولیة تبقى على عواتقهم و إن السکوت غیر جائز حتى للفرد الواحد.[2]

و بهذا یتبیّن أن تأخّر "رجل" الذی هو الفاعل و تقدّم الجار و المجرور لأن التأکید و الإهتمام لم ینصب على الشخص لأن ما فعله کانت مسؤولیة الجمیع، فیجب على کل شخص الإیمان بنبی و رسول زمانه فیجهد ساعیاً فی الدفاع عنه، بل أن المهم فی القصة هو مجیئ الرجل من أقصى المدینة للدفاع عن الحق و نصیحة الکافرین.

2ـ "وَ جَاءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَا الْمَدِینَةِ یَسْعَى‏ قَالَ یَامُوسىَ إِنَّ الْمَلَأَ یَأْتَمِرُونَ بِکَ لِیَقْتُلُوکَ فَاخْرُجْ إِنىّ‏ِ لَکَ مِنَ النَّاصِحِین".[3]

و یبدو أن هذا الرجل هو مؤمن آل فرعون الذی کان یکتم إیمانه و یدعى "حزقیل" و کان من أسرة فرعون و کانت علاقة بفرعون وثیقة بحیث یشترک معه فی مثل هذه الجلسات. و کان هذا الرجل متألمّاً من جرائم فرعون و ینتظر أن تقوم ثورة إلهیة و یشترک معها. فحین أحسّ بأن الخطر محدق بموسى أوصل نفسه بسرعة الیه و أنقذه من مخالب الخطر و سنرى بعدئذ إن هذا الرجل لم یکن فی هذا الموقف فحسب سنداً و ظهیراً لموسى بل کان یعدّ عیناً لبنی إسرائیل فی قصر فرعون فی کثیر من المواقف و الأحداث.[4]

و قدُّم "رجل" فی هذه الآیة على الجار و المجرور، و جملة "من أقصى المدینة" قید لـ "جاء"، و لعل النکتة فی ذلک أن الإهتمام فی هذه الآیة بمجیئ الرجل "حزقیل" و إخباره موسى بائتمار الملأ لقتله.[5] و بعبارة أخرى، لیس لهذا الرجل خصوصیة فی هذه القصة و التأکید على "الرجل" هو لکونه "رجل واحد.[6]

لقد تناولت بعض التفاسیر و کتب علوم القرآن أسباب تقدیم بعض الکلمات أو الجمل فی بعض الأیات و تأخیرها فی آیات أخر.[7]

و قد ذکروا هاتین الآتین اللتین فی السؤال کنموذج على کلامهم "فالرجل" فی الآیة المبارکة من سورة یس أخّر لأن صیاغة الآیة فی وصف أصحاب مدینة (أنطاکیة) الذین بالغو فی عدم الإئتمار لرسل الله، و تخبر کذلک عن رجل آمن بالرسل و ینصح قومه باتباع المرسلین، فالمهم فی هذه الآیة هو عمل هذا الرجل و هو نصیحة الکافرین التی هی لازمة و واجبة على الجمیع، أما تقدیم "رجل" الفاعل على الجار و المجرور فی سورة القصص فهو مطابق لأصل تقدیم الفاعل على الجار و المجرور، لأن صیاغة الآیة فی انتشار خبر القتل. [8]

 

[1]  یس، 20.

[2]  مکارم الشیرازی، ناصر، تفسیر الأمثل، ج 14، ص 155، مدرسة الإمام علی بن أبی طالب، قم، 1421 ق؛ الطباطبائی، سید محمد حسین، المیزان فی تفسیر القرآن، ج 17، ص 75، مکتب إنتشارات الإسلامیة، قم، الطبعة الخامسة، 1417 ق.

[3]  القصص، 20

[4]  الأمثل، ج 12، ص 206.

[5]  المیزان فی تفسیر القرآن، ج 17، ص 75.

[6]  السیوطی، جلال الدین، الإتقان فی علوم القرآن، ج 1، ص 567، دار الکتاب العربی، بیروت، الطبعة الثانیة، 1421 ق.

[7]  للتقدیم و التأخیر أقسام یُرجی للتعرّف علیها مراجعة مصادر العلوم القرآنیة.

[8]  راجعوا: الکواز، محمد کریم، سیدی، سید حسین، معرفة اسلوب الإعجاز البلاغی للقرآن، ص 300، نشر سخن، طهران، الطبعة الأولی، 1386 ش؛ البغدادی، سلیمان بن عبد القوی بن عبد الکریم، الإکسیر فی علم التفسیر، ص 189-201، مکتبة الآداب، قاهرة، الطبعة الثانیة.

 

التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279429 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257214 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128130 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113226 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88984 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59826 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59539 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56849 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49717 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47157 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...