بحث متقدم
الزيارة
6918
محدثة عن: 2012/05/09
خلاصة السؤال
باعتبار أن أهل البيت (ع) هم أهل الذكر، فلماذا وجبت التبعية من الفقهاء؟
السؤال
هل في التفقه و تعلم الدين يمكن الرجوع إلى غير المعصوم؟ ما الدليل؟ خاصة باعتبار أن أهل البيت (ع) هم أهل الذكر الذي ذكرهم القرآن!
الجواب الإجمالي

لقد فسر أهل الذكر في قوله تعالى "فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْر" بالمعصومين (ع) و هم يمثلون المصداق الأكمل لأهل الذكر. و لكن لا يستنبط الحصر من الآية؛ إذ معنى أهل الذكر واسع و يشمل جميع أولئك الذين يحضون بمزيد من العلم و المعرفة. فالآية إرشاد إلى أصل عام عقلائي و هو وجوب رجوع الجاهل إلى أهل الخبرة، و ليس ما تتضمنه من الحكم حكما تعبديا، و لا أمر الجاهل بالسؤال عن العالم و لا بالسؤال عن خصوص أهل الذكر أمرا مولويا تشريعيا و هو ظاهر.

الجواب التفصيلي

لقد فسر أهل الذكر في قوله تعالى "فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْر" بالمعصومين (ع) و هم يمثلون المصداق الأكمل لأهل الذكر. و لكن لا يستنبط الحصر من الآية؛ إذ معنى أهل الذكر واسع و يشمل جميع أولئك الذين يحضون بمزيد من العلم و المعرفة. يقول العلامة الطباطبائي في تفسير هذه الآية: الآية إرشاد إلى أصل عام عقلائي و هو وجوب رجوع الجاهل إلى أهل الخبرة، و ليس ما تتضمنه من الحكم حكما تعبديا، و لا أمر الجاهل بالسؤال عن العالم و لا بالسؤال عن خصوص أهل الذكر أمرا مولويا تشريعيا و هو ظاهر.[1]

من أجل إعطاء مزيد من الشرح نقدم بين يديك ملخصا مما جاء في التفاسير في هذا الخصوص:

لقد وردت روايات كثيرة في تفسير قوله "فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْر" منها ما روی عن الإمام الرضا (ع) حيث سئله الراوي و قال: سَأَلْتُ الرِّضَا (ع) فَقُلْتُ لَهُ جُعِلْتُ فِدَاكَ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ فَقَالَ نَحْنُ أَهْلُ الذِّكْرِ و نَحْنُ الْمَسْئُولُونَ قُلْتُ فَأَنْتُمُ الْمَسْئُولُونَ و نَحْنُ السَّائِلُونَ قَالَ نَعَمْ قُلْت‏.[2] و جاء في رواية أخرى عن الإمام الصادق (ع): رَسُولُ اللَّهِ (ص) الذِّكْرُ و أَهْلُ بَيْتِهِ (ع) الْمَسْئُولُونَ و هُمْ أَهْلُ الذِّكْرِ.[3] و کذلك جاء في رواية أخرى عن الإمام الرضا (ع) : "نَعَمْ الذِّكْرُ رَسُولُ اللَّهِ ص و نَحْنُ أَهْلُه‏".[4] و هناك روايات كثيرة بهذا المضمون… .[5]

في الروايات التفسيرية للقرآن الكريم ذكرت مصاديق محددة لأهل الذكر و لكن هذه الروايات لا تحدد معنى الآية الواسع و كما قلنا آنفا: إن الذكر بمعنى العلم و المعرفة فعبارة أهل الذكر تشمل جميع أهل الذكر و المعرفة.

و لكن بما أن القرآن يمثل المصداق البارز للعلم و المعرفة سمي بالذكر كما أن النبي الأعظم (ص) يمثل مصداقا واضحا للذكر. فأئمتنا المعصومون الذين هم أهل بيت النبي (ص) و ورثة علمه، يمثلون أوضح مصداق لأهل الذكر.

و لكن القبول بهذه الحقيقة لا يتعارض مع عموم مفهوم الآية و نزولها في حق علماء أهل الكتاب، و لهذا استدل علماء الأصول و فقهاؤنا بهذه الآية في أبحاث الاجتهاد و التقليد على و جوب تقليد غير أهل العلم من العلماء و المجتهدين في المسائل الدينية.

على أي حال إن الآية محل البحث تشير إلى أصل أساسي إسلامي في جميع أبعاد الحياة المادية و المعنوية و تؤكد على جميع المسلمين أن يسألوا ذوي الاطلاع عما لا يعلمون، و لا يتدخلون بنفسهم في ما لا يعلمون.

إذن قضية "التخصص" ليست قضية اعترف بها القرآن في المسائل الإسلامية و الدينية و حسب، بل قد أقرها و أكد عليها في جميع المجالات. و من هذا المنطلق لابد للمجتمع الإسلامي أن يتمتع في كل عصر و زمان بالعلماء و الخبراء في مختلف المجالات اللازمة، حتى يراجعهم عموم الناس في ما لا يعلمون.

و حري بالذكر أنه يجب مراجعة المتخصصين و الخبراء الذين ثبت صدقهم و سلامتهم و حياديتهم. فهل نحن نراجع طبيبا حاذقا و متخصصا و لكنه مشكوك في صدقه و أمانته؟! و لهذا في موضوع التقليد و المرجعية قد أردفت صفة العدالة إلى جانب الاجتهاد و الأعلمية، فلابد لمرجع التقليد أن يكون عالما و عارفا بالمسائل الإسلامية و كذلك يكون متقيا و ورعا.[6]

 


[1]. طباطبايى، سيد محمد حسين، الميزان فى تفسير القرآن، ج 12، ص 259، دفتر انتشارات اسلامى، قم، 1417 ق.

[2]. الكليني، الكافي ج 1، ص 210- 211، دار الکتب الإسلامیة، طهران، 1365 ش.

[3]. المصدر نفسه ص 211.

[4]. الشيخ الحر العاملي، محمد بن حسن، و سائل الشيعة، ج 27، ص 73، مؤسسة آل البيت (ع)، قم، 1409 ق‏.

[5]. ر.ک، کلینی، کافی ج 1،ص 210، َبابُ أَنَّ أَهْلَ الذِّكْرِ الَّذِينَ أَمَرَ اللَّهُ الْخَلْقَ بِسُؤَالِهِمْ هُمُ الْأَئِمَّةُ ع.

[6]. راجع، المكارم الشيرازي، ناصر، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل ج 8 ص 199ـ 200، مدرسة الإمام علي بن أبي طالب، قم، 1421 ق.

 

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279425 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257202 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128128 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113209 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88981 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59817 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59532 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56847 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49711 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47155 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...