بحث متقدم
الزيارة
5171
محدثة عن: 2009/12/01
خلاصة السؤال
کیف یمکن الجواب عن هذا الاستدلال: أن أکبر أعداء الإنسان هو "المشروبات الکحولیة"، و یجب علی الإنسان أن یحبّ عدوّه، فیجب علی الإنسان أن یحبّ المشروبات الکحولیّة.
السؤال
لی صدیق یذکر هذا الأمر دائماً و هو: أن أکبر أعداء الإنسان هو "المشروبات الکحولیة"، و لکن ورد فی الکتاب المقدس الانجیل: أحبّ عدوک .. و أنا لست قادراً علی تشخیص هذا الأمر، فأرجو أن تُجیبونی علی ذلک لأتمکّن من إقناعه.
الجواب الإجمالي

لا یمکن قبول هذا الاستدلال، و ببیان منطقی فإن هذا الاستدلال یشتمل علی مغالطة (من نوع الاشتراک اللفظی)، لأن المراد بـ "العدو" فی هذه الجملة "أحبّوا أعداءکم" هم الناس الذین یوجب حبهم و هدایتهم و إرشادهم فیکون حبّهم سبباً لهدایتهم و إرشادهم، و فی الحقیقة فإن فی ذلک أیضاً مجابهة للعدو، لأن المستحق للعداوة لیس هو نفس الناس بل صفاتهم القبیحة، و الا کان فی هذه الجملة تناقض، إذ لا یمکن للإنسان أن یحب شیئاً من نفس الجهة التی یکون فیها عدواً.

و اما المراد بالعدو فی جملة (المشروبات الکحولیة هی أکبر أعداء الإنسان)، فهو الأشیاء و الامور التی تکون خطراً و مضرّة بجسم الإنسان و روحه. و فی هذا المورد لا یمکن القول بأنه یجب أن تحب تلک الأشیاء، و الّا لوجب أن نقول أن "السم" هو أیضاً عدو الإنسان و یجب علینا أن نحبه.!

الجواب التفصيلي

حب الآخرین حتی الأعداء هو من جملة التعالیم الأخلاقیة الموجودة فی أکثر الأدیان و المذاهب و التی ورد التأکید علیها. و إضافة الی عبارة الاناجیل التی وردت فی السؤال فقد ورد التأکید فی الإسلام أیضاً فی الأدعیة التی نقلت عن ائمّتنا علی حب الآخرین و لإثبات هذا المدّعی نشیر الی بعض تعالیم الإسلام و کذلک المسیحیة علی حب الآخرین:

جاء فی الأناجیل ما یلی:

"و لکنی أقول لکم: ءحبّوا أعداءکم، و اطلبوا البرکة لمن یلعنوکم و احسنوا الی من یکرهونکم و ادعوا بالخیر لمن یسبکم و یجفوکم"[1]. و وردت نفس هذه العبارة تقریباً فی موضعین آخرین من الکتاب المقدّس أیضاً.[2]

و الملفت أن نجد عبارات بمضامین شبیهة بهذا فی أدعیتنا أیضاً، و کمثال علی ذلک ورد فی دعاء مکارم الأخلاق الموجود فی الصحیفة السجادیة ما یلی:

(اللهم صل علی محمد و آله و وفّقنی لأن اعارض من غشّنی بالنصح و من هجرنی بالصلة و من حرمنی بالبذل)[3]. و هذه هی نماذج فقط من الموارد التی وردت فی المصادر الإسلامیة و غیر الإسلامیة حول حب الآخرین.

و مع ذلک فهناک اختلاف بین رؤیة الإسلام و المسیحیّة[4] حول هذا الموضوع. و السؤال هنا هو هل أن کل حب للناس و بأی دافع کان، هو عمل أخلاقی؟ و هل أن الأخلاق هی حب الآخرین فقط؟

یقال أن علماء المسیحیة یعتبرون حب الإنسان هو معیار الأفعال الأخلاقیة، و یعتبرون الأفعال الأخلاقیة هی الأفعال الصادرة عن محبة و الناشئة من حب الناس، و هذه النظریة لیست صحیحة تماماً و لیست خاطئة تماماً، بل جنبة منها صحیحة و جنبة منها خطأ، و ترد علیها عدة إشکالات:

1. أن الأخلاق لیست محدّدة بحب الآخرین، فمثلاً عدم الخشوع للظلم و مواجهة الظلم هی صفة أخلاقیة و لکنها لا تندرج تحت هذا العنوان أی محبة الآخرین.

2. مفهوم حب الناس: هل المراد بهذه العبارة أنه یجب علینا أن نحب کل موجود یسمّی فی علم الأحیاء إنساناً؟ و هل أن الإنسان إذا کان قد فقد إنسانیته یجب علینا أن نحبه؟ و هل یمکننا و یجوز لنا باسم محبة الإنسان أن نتغاضی عن ظلم الآخرین و جرائمهم؟[5]

أن رؤیة الإسلام فی هذا المجال هو أن الناس الفاقدین للقیم الأخلاقیة، هم أیضاً یستحقّون الحب و لکن ذلک فقط لأجل جذبهم نحو القیم الإنسانیة، و بناء علی هذا فحینما یقال "أحبّ عدوک أیضاً" فذلک لأجل أن تجذبه نحو الإنسانیة، و لیس أن تکون هذه المحبة عوناً له فی المزید من الانحراف.

و کمثال علی ذلک فإن کان لک صدیق یسرق، فحیث إنک تحبه فإنک تمنعه من هذا العمل أولاً بالنصیحة و الکلام الحسن. فإذا لم یعتن بنصیحتک فإنک تعبّس فی وجهه و تفهمه عن طریق تقطیب وجهک أنک غیر راضی عن عمله، و لکن إذا لم ینته أیضاً، فإنک و لکی تنقذه من هذه المهلکة فانک ستخبر الشرطة لکی تمنعه عن هذا العمل و لو بالقوة، و بناء علی هذا فربما نقوم بضرب شخص نحن نحبه. و من هذا الباب ما ورد فی الروایات الإسلامیة من أنه "ل الدین الا الحب"[6] و ذلک لأن المجرم إذا عوقب فذلک بسبب الحب له، لکی یستعید نفسه الإنسانیة و یکفّ عن ذلک الجرم. و یمکننا أن نفهم من مثل هذه الموارد أن المستحقّ للعداء لیس هو نفس الناس بل هو صفاتهم القبیحة التی هی أکبر أعداء الإنسانیة.

و ما ذکرته فی السؤال من أن المشروبات الکحولیة أکبر أعداء الإنسان، هو أمر صحیح و تدل علیه آیات القرآن و الروایات الإسلامیة أیضاً. فقد نقل عن نبی الإسلام(ص) قوله: "الخمر أم الفواحش و الکبائر" و قوله "الخمر أم الخبائث" و قوله "الخمر جماع الاثم و ام الخبائث و مفتاح الشر".[7]

و ربما یکون قد اتضح الجواب عن سؤالک من إضافة هذه الملاحظات بعضها الی البعض، و لکن نضیف توضیحاً مختصراً و ملخصاً لما سبق، فقد اتضح أن حب الأعداء هو فقط من أجل انقاذهم من الصفات الاخلاقیة و النفسانیة السیئة، و اتضح أیضاً أن الناس أنفسهم یستحقّون الحب، و أن صفاتهم السیئة هی التی تستحق العداء. و بناء علی هذا فحب الأعداء فیه جنبة تربویة و الهدف منه إبعادهم عن الصفات القبیحة و السیئة. و اما الشراب فحیث إنه مفتاح الخبائث و الصفات الاخلاقیة السیئة فیجب الإبتعاد عنه و اعتباره عدواً، فالاقتراب للشراب لا یمنع الجرم و الصفات الاخلاقیة السیئة و لیس هذا فحسب بل هو بنفسه –و علی حد تعبیر الروایات- مفتاح الذنوب.

و النتیجة هی أنه لا یمکن قبول هذا الاستدلال، و ببیان منطقی فأن هذا الاستدلال یشتمل علی مغالطة (من نوع الاشتراک اللفظی)[8] حیث إن المراد بـ (العدو) فی جملة "أحبوا أعداءکم" هو الناس الذین یمکن هدایتهم و إرشادهم فیکون حبهم سبباً لهدایتهم و إرشادهم، و فی الحقیقة فإن فی ذلک أیضاً مجابهة للعدو، لأن المستحق للعداوة لیس هو نفس الناس بل صفاتهم القبیحة، و الا کان فی هذه الجملة تناقض، إذا لا یمکن للإنسان أن یحب شیئاً من نفس الجهة التی یکون فیها عدواً. و اما المراد بالعدو فی جملة "المشروبات الکحولیة هی أکبر أعداء الإنسان" فهو الأشیاء و الامور التی تکون خطراً و مضرّة بجسم الإنسان و روحه. و فی هذا المورد لا یمکن القول بأنه یجب أن تحب تلک الأشیاء، و الا لوجب أن نقول أن "السم" هو أیضاً عدو الإنسان و یجب علینا أن نحبه.



[1] متی، ج 5، ص 44.

[2] لوقا، ج 6، ص 27؛ لوقا، ج 6، ص 35.

[3]مفاتیح الجنان، ص 997.

[4] و مرادنا بالمسیحیة هو ادعاء المبلّغین المسحییبن، حیث إنه یمکن فی کل دین أن تکون نصوصه المقدسة تتضمّن اموراً لا یعتنی بها مبلغوا ذلک الدین.

[5] المطهری، مرتضی، فلسفة الأخلاق، ص 47 -54، منشورات صدرا، الطبعة الخامسة و العشرون.

[6] الکافی، ج 8، ص 80.

[7] المحدث النوری، مستدرک‏الوسائل، ج 17، ص 54؛ محمدی الری شهری، محمد، میزان الحکمة، ج 4، ص 1545، دار الحدیث، الطبعة الثانیة..

[8] السید رائد الحیدری، المقرر فی توضیح منطق المظفر، ج3، ص305-306، الطبعة الاولی 1422 ق، قم منشورات ذوی القربی.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279467 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257332 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128196 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113311 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    89023 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59877 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59589 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56881 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49820 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47190 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...