بحث متقدم
الزيارة
6973
محدثة عن: 2009/06/21
خلاصة السؤال
کیف ینسجم القول بعصمة الامام علی (ع) مع استغفاره من الذنب؟
السؤال
ورد فی نهج البلاغة أن الامام علیا (ع) خاطب الباری تعالى بقوله "اللهم اغفر لی ما أنت أعلم به منی، فإن عدت فعد علیّّ بالمغفرة، اللهم اغفر لی ما وأیت من نفسی و لم تجد له وفاء عندی، اللهم اغفر لی ما تقربت به إلیک بلسانی ثم ألفه قلبی، اللهم اغفر لی رمزات الألحاظ و سقطات الألفاظ، و سهوات الجنان و هفوات اللسان " فکیف ینسجم هذا الدعاء مع القول بعصمة الامام؟ أ لیس هذا منافیا للعصمة؟
الجواب الإجمالي

ان طلب الائمة للمغفرة و الاستغفار و الدعاء و المناجاة التی یظهر منها ان الائمة یرون انفسهم مقصرین و مذنبین امام الله تعالى الا ان ذلک لا یعنی انهم یرون انفسهم مذنبین بالمعنى المتعارف للذنب و یطلبون من الله غفران تلک الذنوب؛ بل القضیة تتعلق بمسالة ادق من ذلک و هی انهم (علیهم السلام) لمعرفتهم العظمى بالذات الالهیة المقدسة و معرفتهم بمدى النعم و الفضل الالهی على البشریة عامة و علیهم خاصة، من هنا یرون انفسهم مهما بذلوا من العبادة و الخشوع لله تعالى و التضحیة و الایثار و القیام بالاعمال الصالحة لم یستطیعوا أداء حقه تعالى على الوجه الاکمل، و هذا الامر یعتبرونه ذنبا یستحق الاستغفار منه.

الجواب التفصيلي

احدى صفات الأنبیاء و الائمة(ع) عامة و الامام علی (ع) خاصة هی صفة العصمة التی هی ملکة علمیة و عملیة تعصم الانسان من الجهل و الخطأ و السهو و النسیان و المغالطة فی الفکر؛ و على هذا الاساس، المعصوم معصوم فکرا و فهما و معصوم فی العمل و السلوک. [1] من هنا کانت تلک الذوات المقدسة جدیرة بمقام الامامة العظمى.

ان الائمة الاطهار(ع) هم عصارة نظام الخلق و مظهر الهدایة الالهیة؛ و لیس عملهم و سلوکهم و کلامهم هو سلوک هدایة و استقامة فقط، بل هم بالاضافة الى ذلک میزان الاعمال حیث توزن بهم و بعملهم الضلالة و الانحراف و الایمان و الکفر؛ من هنا کانوا حجج الله على العباد و سیرتهم حجة لکل من یرید ان یسلک طریق الحق نحو الباری تعالى، و ذلک لانهم معصومون، و فی سیرة المعصومین لایوجد أدنى شائبة للضلالة و الذنب.   [2] هذا اولا، و ثانیا انه قد ثبتت عصمتهم بالادلة النقلیة و العقلیة المحکمة التی لایمکن الریب و التشکیک فیها، و مع هذه الادلة المحکمة لابد من البحث عن توجیه للادعیة التی صدرت منهم بنحو ینسجم مع العصمة؛ لانه من غیر الصحیح منهجیا ان نرفض الادلة القطعیة الدالة على عصمتهم عقلا و شرعا و نتمسک بظاهر الادعیة؛ و هذا منهج علمی متفق علیه بین الفقهاء و الاصولیین من السنة و الشیعة انه لو تعارضت الادلة المحکمة مع ادلة اخرى اضعف منها دلالة فاما ان توجه الادلة الضعیفة بنحو یبین فیه ان التعارض غیر مستقر و قد یطلق الفقهاء على هذا النوع من التعارض التعارض البدوی ای غیر المستقر الذی یزول بالامعان و التدقیق، او القیام بالغاء الدلیل الضعیف، و بما ان الادعیة ثابتة الصدور عن الائمة علیهم السلام فیبقى الطریق الاول هو المحکم وهو التفتیش عن الطریق العلمی الصحیح فی بیان الانسجام بین الادلة و عدم وجود التنافی بینها.

و على هذا الاساس نقول: صحیح انه قد وردت عن ائمة اهل البیت (ع) ادعیة یطلبون فیها من الله تعالى المغفرة و التی یظهر منها ان الائمة یرون انفسهم مقصرین و مذنبین امام الله تعالى، کقول علی (ع) الا ان ذلک لایعنی انهم یرون انفسهم مذنبین بالمعنى المتعارف للذنب و یطلبون من الله غفران تلک الذنوب، بل بمعنى ان للغفلة مراتب مرتبة منها تتعلق بالمعصوم و التی نحن نعجز عن ادراکها، لانه من غیر المتوقع ان تکون حالة المعصوم فی اثناء الاکل و الشرب او الکلام او... مثل حالته و انقطاعه الى الله تعالى اثناء الصلاة، هذا المقدار من التفاوت و الغفلة یراه المعصوم غفلة و ذنبا یستحق ان یستغفر الله تعالى منه؛ و هذا انما ینطلق من معرفتهم بعظمة الذات الالهیة المقدسة و دوام العبودیة و ادب الانقطاع الذی لم یتیسر على الوجه الاکمل لمقتضى الطبیعة البشریة؛ من هنا یرون ان هذه الحالات ذنبا کما قلنا، و الا فهم معصومون من کل ذنب و مصعیة سواء کانت کبیرة ام صغیرة بل هم معصومون حتى عن اقتراف المکروهات. [3]

صحیح ان المعصومین یعیشون حالة الصراع الدائم مع ابلیس و جنوده على جمیع المستویات الاخلاقیة و المعنویة الا انهم بفضل الله تعالى محفوظون من الزلل و الانحراف و لقد اشار القران الکریم الى هذه الحقیقة بقوله " وَ إِن کَادُواْ لَیَفْتِنُونَکَ عَنِ الَّذِى أَوْحَیْنَا إِلَیْکَ لِتَفْترَِىَ عَلَیْنَا غَیرَْهُ وَ إِذًا لاَّتخََّذُوکَ خَلِیلًا * لَوْ لَا أَن ثَبَّتْنَاکَ لَقَدْ کِدتَّ تَرْکَنُ إِلَیْهِمْ شَیًْا قَلِیلاً " [4]

و على هذا الاساس ان الذنب الذی یشتکی منه المعصومون و یدعون الله تعالى مغفرته لیس هو الذنب بمعنى ارتکاب المحرمات؛ بل انه منطلق من ان الانسان کلما کان مقربا من الله تعالى کان حسابه و اعماله ادق بحیث یعتبر الشیء بالنسبة الیه ذنبا فی الوقت الذی نفس هذا الشیء لا یعد ذنبا على غیره. [5] و قد روى المرحوم الاربلی ما یؤکد ذلک حیث قال:"   إنهم بعد انصرافهم عن بعض الطاعات التی أمروا بها من معاشرة الخلق و تکمیلهم و هدایتهم و رجوعهم عنها إلى مقام القرب و الوصال و مناجاة ذی الجلال ربما وجدوا أنفسهم لانحطاط تلک الأحوال عن هذه المرتبة العظمى مقصرین فیتضرعون لذلک‏" [6]



[1] جوادی آملی، عبد الله، علی (ع) مظهر اسمای الاهی" ع لی مظهر الاسماء الالهیة" ، ص 107 و 108 ، مرکز نشر اسراء ، الطبعة الثانیة، 1385.

[2]    انظر:   سؤال 1212 (سایت: 2087).

[3] الشهید دستغیب، سید عبدالحسین، 1000 سؤال ، ص 19 ، انتشارات ناس.

[4] الاسراء،73 - 74؛ و انظر: المیزان فی تفسیر القرآن، ج ‏13، ص 172.

[5] تفسیر المیزان، ج 6، ص 256.بتصرف یسیر.

[6] بحار الانوار، ج 25، ص 209، نقلا عن الاربلی، علی بن عیسی، کشف الغمة، ج3، ص 45، المطبعة العلمیة قم، بتصرف.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279358 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    256905 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128057 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    112877 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88918 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59627 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59354 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56811 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49384 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47110 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...