بحث متقدم
الزيارة
11869
محدثة عن: 2012/04/18
خلاصة السؤال
ما هي الطرق و السبل القرآنية لأختبار الانسان؟
السؤال
ما هي الطرق و السبل القرآنية لأختبار الانسان؟
الجواب الإجمالي

قال تعالى في كتابه الكريم: " إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً" و في آية أخرى: " الَّذي خَلَقَ الْمَوْتَ وَ الْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَ هُوَ الْعَزيزُ الْغَفُور". و مما لاريب فيه أن مفهوم الاختبار الإلهي يختلف عن الاختبار البشري اختلافا جوهرياً؛ لان اختباراتنا البشرية تستهدف رفع الإبهام و الجهل، خلافا للاختبار الإلهي فان القصد منه التربية و تكامل الانسان.

و قد تعددت سبل الابتلاء و التمحيص الالهيين فتارة تتم عن طريق المحن و المشاكل التي تواجه الانسان و أخرى تتم عن طريق الخير و الشر و ثالثة عن طريق وفرة النعم و الأولاد و...

الجواب التفصيلي

مفهوم الامتحان الالهي

يواجه المطالع لآيات الذكر الحكيم مجموعة من المفردات من قبيل " الابتلاء، البلاء، الفتنة و التمحيص" كقوله تعالى: " إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً"[1] و في آية أخرى: " الَّذي خَلَقَ الْمَوْتَ وَ الْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَ هُوَ الْعَزيزُ الْغَفُور".[2] و مما لاريب فيه أن مفهوم الاختبار الإلهي يختلف عن الاختبار البشري اختلافا جوهرياً؛ لان اختباراتنا البشرية تستهدف رفع الإبهام و الجهل، خلافا للاختبار الإلهي فان القصد منه التربية و تكامل الانسان.؛[3] بمعنى أن الاختبار و الامحتان الالهي يوفر الارضية المناسبة للانسان للتربية و التكامل كما حصل للانبياء العظام و على رأسهم النبي إبراهيم (ع): " وَ إِذِ ابْتَلى‏ إِبْراهيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتي‏ قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمينَ".[4]

مصاديق الاختبار الالهي في القرآن

جاء في الآية الكريمة: " أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَ لَقَدْ فَتَنَّا الَّذينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذينَ صَدَقُوا وَ لَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبين".[5]

و نحن نجد – أحياناً- أن القرآن الكريم يشير الى حتمية الإبتلاء والاختبار العامين ليكون ذلك سبباً في دعم ايمان البشرية و عودتها الى طريق الفلاح كما في قوله تعالى: " أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ".[6]

و احياناً أخرى يشير الى ابتلاءات فردية – على مستوى الافراد او الجماعات- وقعت على مرّ التأريخ يدرجها ضمن القصص القرآني كقصص الشعوب و الانبياء.

و الآيات العامّة اكثر من أن تدرج ضمن هذه الاجابة المختصرة، و من هنا نحاول الاشارة الى بعض تلك الاختبارات الواردة في مطاوي القرآن الكريم:

1. المحن و الشدائد

يختبر الباري تعالى عباده بالمحن و الشدائد؛ كما في قوله تعالى: " وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْ‏ءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَ الْأَنْفُسِ وَ الثَّمَراتِ وَ بَشِّرِ الصَّابِرين‏".[7]

إن المشاكل و المحن التي يتعرض لها الانسان تجعل منه كائناً صلباً راسخ القدم ثابتا على طريق الهداية، شأنها النار و اثرها في المواد المعدنية التي تنقيها من الكدر و الشوائب و تزيل عنها المواد العالقة و الاشياء الزائدة حين وضعها في مصانع الصهر ذات الحرارة الشديدة، و هكذا يفعل مختبر الحياة بالانسان حيث يجعل منه انساناً يمتلك القدرة على تجاوز جميع الشدائد و المحن التي تعترض حياته؛ و مما لاريب أن للابتلاء أثراً تربوياً على المستويين الفردي و الاجتماعي، حيث يوقظ فيه العزم و الارادة و يحرك لديه القوى الكامنة و الاستعدادات المتوفرة لدية و بنسبة طردية، فكلما ازدادت شدة الاختبار، اظهر الانسان استعداداته و قواه الكامنة فيه  التي تجعل منه أنسانا لا تنال منه العواصف و لا تضعفه الكوارث. و بعبارة أخرى: تحدث فيه انقلاباً تربوياً كبيراً، فالاثر التربوي للبلايا و الشدائد، و الصعوبات يظهر في كونها مربية للفرد و موقظة للامم، فهي تعيد الوعي للنائمين و تحرك العزائم و الارادات.

فكما أن الصقل للحديد و الفولاذ يجعلهما حادين فكذلك الشدائد عندما تتصل بالنفس الانسانية فهي تجعلها اكثر تصميما و فعالية و حدة. فخاصة الحياة إذن هي المقاومة للشدائد لتصبح دوما على استعداد لمقابلتها في الشعور و اللاشعور. و للشدائد خاصة تبديل الماهيات فتغير أرواح الناس و انفسهم.[8]

2. الشرور و الخيرات

كذلك يشير القرآن الى كون الشرور و الخيرات من وسائل الاختبار و الابتلاء الالهيين، كما في قوله تعالى: " كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَ نَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَ الْخَيْرِ فِتْنَةً وَ إِلَيْنا تُرْجَعُونَ".[9] فالآية الكريمة تقرر حقيقة مهمة و هي أن الخير يمكن أن يعد من وسائل الاختبار للانسان كالمال و الثروة او تسنّم المناصب و المسؤوليات الحكومية و الاجتماعية التي تعزز من الحيثية الاجتماعية للانسان، فاذا لم يستطع الانسان تحمل تلك النعم، او استعمالها في الموقع المناسب و في طرق الخير يكون قد إبتلي بلاء كبيراً حيث يصبح العوبة بيد الشيطان يسيره كيفما شاء و يستغل قواه و النعم الالهية بابشع صور الاستغلال.

3. وفرة النعم

الامتحان الإلهي لا يجري عن طريق الحوادث الصعبة القاسية فحسب، بل قد يمتحن اللّه عبده بوفور النعمة، كما حدث ذلك لنبي الله سليمان و الذي أشارت اليه الآية المباركة: "هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَ أَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَ مَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَريم‏".[10]

فهناك من يغرق في النعم الالهي و الرزق الوفير ليكون اختباره من خلال هذا الطريق و هل يمكنه تحمل تلك النعمة و شكرها من خلالها ربطها بالمصدر الحقيقي لها و اخراج الحقوق الشرعية منها؟ او يبقى ذلك الانسان يعيش نشوة النعمة و تبطر معيشته و يصاب بالغفلة عن الله تعالى مصدر النعمة و ينسى الفقراء و المحتاجين و...

4. الابناء

اشار القرآن الكريم الى هذه الحقيقة الاختبارية في قوله تعالى: " وَ اعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَ أَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَ أَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظيمٌ".[11]

5. الايمان و الكفر

يقول تعالى في خصوص خزنة النار و ان عددهم 19 ملكا ثم يضيف: " وَ ما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِلَّذينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَ يَزْدادَ الَّذينَ آمَنُوا إيماناً وَ لا يَرْتابَ الَّذينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ لِيَقُولَ الَّذينَ في‏ قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَ الْكافِرُونَ ما ذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَ يَهْدي مَنْ يَشاءُ وَ ما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَ ما هِيَ إِلاَّ ذِكْرى‏ لِلْبَشَر".[12]

6. زخارف الدنيا

قال تعالى مشيرا الى هذا الاسلوب من الاختبار: " إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً".[13]

 


[1] الكهف، 7.

[2] الملك، 2.

[3] مكارم الشيرازي، ناصر، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج‏1، ص: 442، نشر مدرسة الامام علي بن ابي طالب(ع)، قم، الطبعة الاولى، 1421هـ.

[4] البقرة، 124.

[5] العنكبوت، 2-3.

[6] العنكبوت، 2.

[7] البقرة، 155.

[9] الانبياء، 35.

[10] النمل، 40؛ و انظر: الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج‏1، ص: 447.

[11] الانفال، 28.

[12] المدثر، 31.

[13] الكهف، 7.

 

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279423 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257180 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128119 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113189 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88979 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59799 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59521 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56845 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49698 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47149 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...