بحث متقدم
الزيارة
8345
محدثة عن: 2010/12/01
خلاصة السؤال
ما هو المراد من جبل الطور فوق رؤوس بنی إسرائیل؟
السؤال
تقول الآیة 63 من سورة البقرة مخاطبة بنی إسرائیل: "و إِذْ أَخَذْنا میثاقَکُمْ وَ رَفَعْنا فَوْقَکُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَیْناکُمْ بِقُوَّةٍ وَ اذْکُرُوا ما فیهِ لَعَلَّکُمْ تَتَّقُون". و طبقاً لهذه الآیة فإن رفع جبل الطور کان بعد أخذ المیثاق من بنی إسرائیل. و من الواضح أندم انسجام هذه الآیة مع الحقائق العملیة أمر لا یحتاج الی توضیح. إذ لو کان المراد من رفع جبل الطور رفعه فی بدء الخلقة، فالإتیان بهذه الجملة بعد أخذ المیثاق من بنی إسرائیل لا معنی و لا مبرر له، فکیف یمکن توجیه هذه الآیة؟
الجواب الإجمالي

ورد فی عدة آیات من القرآن عبارة "و رفعنا فوقکم الطور" و ما یشبهها، و الخطاب لبنی إسرائیل. و طبقاً لما ورد فی کتب التفسیر فإن هذه الآیات تشیر الی واقعة تاریخیة وقعت بسبب مخالفة بنی إسرائیل للأوامر الإلهیة فی زمن النبی موسی(ع)، و ان الله القادر المتعال رفع جزءً من جبل الطور فوق رؤوس بنی إسرائیل. و بملاحظة القدرة الإلهیة اللانهائیة التی خلقت ملایین النجوم و المنظومات و المجردات و حرکتها فی الفضاء بفواصل معیّنة، فإن إمکان وقوع مثل هذا الأمر الذی أخبر القرآن بوقوعه لیس بالأمر المحال فی رأی العلم و العقل و لا یستدعی الاستغراب.

الجواب التفصيلي

أشارت الآیة 63 من سورة البقرة الی ملاحظتین فیما یتعلّق ببنی إسرائیل:

1- أخذ المیثاق من بنی إسرائیل: و هذا المیثاق الذی ذکرت بعض مواده فی آیات القرآن الکریم[1] و فی التوراة أیضاً کان عبارة عن: توحید الله، الإیمان بجمیع الأنبیاء الإلهیین، الاحسان الی الوالدین و الأقرباء و الیتامی و المساکین، التصدّق و الإنفاق فی سبیل الله، الکلام الطیب، إقامة الصلاة، تجنب سفک الدماء و ... و فی ذیل الآیة 12 من سورة المائدة ورد الضمان لهم بأنهم اذا عملوا بهذا المیثاق فإنهم سیکونون من أهل الجنة.

2- رفع جبل الطور فوق رؤوس بنی إسرائیل:

طبقاً لما ورد فی کتب التفسیر، أمّا بشأن کیفیة رفع جبل الطور فی قوله تعالى: "و رَفَعْنا فَوْقَکُمُ الطُّورَ" یقول الطبرسی عن أبی زید: حدث هذا حین رجع موسى من الطور، فأتى بالألواح، فقال لقومه: جئتکم بالألواح و فیها التوراة و الحلال و الحرام فاعملوا بها، قالوا: و من یقبل قولک؟! فأرسل اللّه عزّ و جلّ الملائکة حتى نتقوا (رفعوا) الجبل فوق رؤوسهم، فقال موسى علیه السّلام: إن قبلتم ما آتیتکم به و إلّا أرسلوا الجبل علیکم، فأخذوا التوراة و سجدوا للّه تعالى ملاحظین الجبل (أی و هم ینظرون إلى الجبل من طرف خفی)، فمن ثمّ یسجد الیهود على أحد شقی وجوههم.[2]

و بنا علی هذا فالآیة المتقدّمة تبیّن جانباً من عظمة الله و قدرته فی مقام تأدیب الکفّار و المتمرّدین علی أوامر الأنبیاء و مواثیقهم و هو ما حصل فی التأریخ. و بملاحظة القدرة الإلهیة اللانهائیة التی خلقت ملایین النجوم و المنظومات و المجرّدات و حرکتها فی الفضاء بفواصل معیّنة بسرعة هائلة، فإن إمکان وقوع مثل هذا الأمر الذی أخبر القرآن بوقوعه (جبل الطور کله أو جزء منه یرفع علی رؤوس بنی إسرائیل) لیس أمراً خارقاً للعادة، و لکن ینبغی القول أن هذه الحادثة هی کباقی معجزات الأنبیاء الإلهیین (کإحیاء الموتی من قبل النبی عیسی(ع) و إخراج الناقة من وسط الجبل من قبل النبی صالح و ..) و کلها کانت أموراً خارقة للعادة و لکنها کانت قد وقعت أمام أنظار الجمیع.

و من الضروری التذکیر هنا بهذه الملاحظة أیضاً و هی أن بعض المفسّرین قد ذکروا فی وصف کیفیة رفع الجبل علی رؤوس بنی إسرائیل أن الجبل قد قلع من مکانه بأمر الله و صار کأنه الغمامة فوق رؤوسهم.[3]

و هذا الرأی یستند الی هذه الآیة التی تقول: "و اذ نتقنا الجبل فوقهم کأنه ظلة و ظنوا أنه واقع بهم خذوا ما اتیناکم بقوة و اذکروا ما فیه لعلکم تتّقون"[4] و بالطبع فإنه فیما یرتبط بتفاصیل هذه الحادثة فقد ذکرت احتمالات اخری منها انه حدثت زلزال شدید فی الجبل بحیث شاهد الناس الذین کانوا یسکنون فی سفح الجبل ظل قسم منه فوق رؤوسهم و کانوا یتوقّعون سقوطه علی رؤوسهم، و لکن هدأ الزلزال بلطف الله و استقر الجبل فی موضعه.[5] و منها (و یحتمل أیضا أن قطعة من الجبل انتزعت من مکانها و استقرت فوق رؤوسهم لحظة واحدة، ثمّ مرّت و سقطت فی جانب آخر).[6]

و لکن یبدو أن بعض هذه الاحتمالات و التوجیهات المذکورة کان الغرض منه إقناع مخاطبیه بأن هذه المعجزة الإلهیة لم تکن بتلک الدرجة التی تدعو للإستغراب و الدهشة، و أنها تنسجم مع المعاییر العادیة للعقل البشری.

و نحن نری أن الأمر اذا لم یکن محالاً عقلیاً، فإنه سوف یدخل فی دائرة القدرة الإلهیة من دون حاجة الی أی توجیه أو تأویل، و لشرح تفاصیل معجزةٍ ما علینا الاستناد الی أدلة النقلیة و المعاییر العقلیة المسلّمة.



[1]  المائدة، 12.

[2]  مکارم الشیرازی، ناصر، تفسیر الأمثل، ج5، ص260، دار الکتب الإسلامیة، طهران 1374 هـ.ش.

[3]  الطبرسی، الفضل بن الحسن، مجمع البیان فی تفسیر القرآن، ج4، ص764 (ذیل الآیة 171 –الاعراف) منشورات ناصر خسرو، طهران 1372 ش.

[4]  الاعراف، 171.

[5]  رشید رضا، محمد، تفسیر المنار، ذیل الآیة مورد البحث، نقلاً عن تفسیر الدمثل، ج5، 283.

[6]  مکارم الشیرازی، ناصر، تفسیر الأمثل، ج5، ص284.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279429 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257213 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128130 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113225 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88984 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59826 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59538 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56849 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49717 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47157 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...