بحث متقدم
الزيارة
5146
محدثة عن: 2011/01/20
خلاصة السؤال
هل یعتقد الشیعة بأن حساب أعمال العباد بید الأئمة؟
السؤال
یقول الشیخ الحر العاملی فی کتابه (الفصول المهمة فی أصول الائمة، ج1، ص446): إن حساب أعمال الخلائق بید الائمة (ع)؛ فهل هذا هو معتقد الشیعة کافة أم ماذا؟
الجواب الإجمالي

اذا کان هناک من یعتقد بانه یوجد من یتمکن استقلالا و من دون إذن الهی من محاسبة العباد و یعین لکل منهم جزاءه ثوابا و عقابا و تکون إرادة ذلک الشخص فی عرض إرادة الله تعالى غیر تابعة لها، فمن البدیهی أن هذا الاعتقاد باطل لا یذهب الیه من له أدنى إلمام بالمفاهیم و الاصول الدینیة. أضف الى ذلک أن هذا الفرض یتعارض مع التوحید الفاعلی له سبحانه.

و لکن لو إعتقد أنسان بانه هناک طائفة من الخواص و المنتجبین و المخلصین یستطیعون بإذن من الله تعالى و فی طول إرادته سبحانه من القیام بمحاسبة العباد و تعیین الجزاء و الثواب لهم، فهذا الفرض من الناحیة الإمکانیة ممکن التحقق و قابل للتصدیق به و لایوجد فیه ما ینافی شأن الباری تعالى عقلاً و شرعاً.

ثم ما المحذور فی أن فی أن یظهر الله تعالى منزلة بعض عباده الذین بذلوا الغالی و النفیس و لم یبخلوا بشیء أبداً فی سبیله تعالى کالإمام الحسین (ع) فیظهر فضلهم من خلال ما یوکله الیهم من عملیة حساب العباد وفقاً لموازین العدل الالهی.

الجواب التفصيلي

قبل البدء بالاجابة عن السؤال المطروح لابد من الاشارة الى إبهام وقع فی متن السؤال. و هو أن الاستبعاد الذی وقع فی متن السؤال هل هو ناظر الى مقام الإثبات أو الثبوت؟ و بعبارة أخرى: أن السائل لم یبین لنا، هل أن تصدی غیر الله تعالى لحساب العباد أمر ممکن فی ذاته و السائل یبحث عن مقام الائمة وهل هم جدیرون بذلک أم لا؟ أو أن ذلک (الحساب من قبل غیر الله) مستحیل ذاتاً حسب اعتقاده؟

من هنا نحاول دراسة القضیة على کلا الفرضیتین:

بحث الثبوت و الإمکان

بالنسب الى هذا الفرض هناک إحتمالان متصوران:

الف: نفرض هناک من یتمکن استقلالا و من دون إذن الهی من محاسبة العباد و یعین لکل منهم جزاءه ثوابا و عقابا و تکون إرادة ذلک الشخص فی عرض إرادة الله تعالى غیر تابعة لها.

و من البدیهی أن هذا الفرض لا یذهب الیه من له أدنى إلمام بالمفاهیم و الاصول الدینیة. أضف الى ذلک أن هذا الفرض یتعارض مع التوحید الفاعلی له سبحانه؛ من هنا لا یوجد من یؤمن بالله و بالیوم الآخر یذهب الى هذا الرأی.

ب: هناک طائفة من الخواص و المنتجبین و المخلصین یستطیعون بإذن من الله تعالى و فی طول إرادته سبحانه من القیام بمحاسبة العباد و تعیین الجزاء و الثواب لهم.

هذا الفرض من الناحیة الإمکانیة ممکن التحقق و قابل للتصدیق به و لایوجد فیه ما ینافی شأن الباری تعالى.

لکن یقع البحث هنا فی مرحلة الاثبات و التحقق الخارجی، و هنا لابد من الإجابة الوافیة و الشاملة و لکن هذا یقتضی الاشارة الى بعض النقاط المهمة:

أولا: لا شک أن النظرة الاولیة تفضی الى الاذعان بان من له استقلالیة الحکم و القضاء هو الله تعالى و لایوجد من یشارکه فی هذه الاستقلالیة أبداً "وَ لا یُشْرِکُ فی‏ حُکْمِهِ أَحَداً".[1]

ثانیاً: صحیح أن الله تعالى لا یعجزه شیء فی الارض و لا فی السماء و أنه قادر على کل ما یرید و مجرد أن تشاء إرادته وقوع الشیء یقع "إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَیْئاً أَنْ یَقُولَ لَهُ کُنْ فَیَکُون‏".[2] و لکن فی الوقت نفسه شاءت إرادته سبحانه و سنته أن تجری الامور باسبابها؛ و من خلال إیکال الامور الى عباده و مخلوقاته، من هنا نراه سبحانه قد جعل رسلا منهم و کلفهم بانجاز کثیر من الأمور؛ فعلى سبیل المثال مع أننا نؤمن إیماناً راسخاً بان الموت و الحیاة بید الله تعالى لکنه فی نفس الوقت قد صرح فی کتابه الکریم بانه اوکل ذلک الى ملک الموت "قُلْ یَتَوَفَّاکُمْ مَلَکُ الْمَوْتِ الَّذی وُکِّلَ بِکُمْ ثُمَّ إِلى‏ رَبِّکُمْ تُرْجَعُون‏".[3] و قوله تعالى "وَ لَوْ تَرى‏ إِذْ یَتَوَفَّى الَّذینَ کَفَرُوا الْمَلائِکَةُ یَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَ أَدْبارَهُمْ وَ ذُوقُوا عَذابَ الْحَریقِ".[4]

و نرى فی القرآن الکریم فی قصة البشارة لزکریا و بانه سیرزق بمولود اسمه یحیى، فمع أن الله تعالى قادر على أن تبشیره بصورة مباشرة و من دون واسطة تراه یصرح بقوله تعالى "فَنادَتْهُ الْمَلائِکَةُ وَ هُوَ قائِمٌ یُصَلِّی فِی الْمِحْرابِ أَنَّ اللَّهَ یُبَشِّرُکَ بِیَحْیى‏ مُصَدِّقاً بِکَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَ سَیِّداً وَ حَصُوراً وَ نَبِیًّا مِنَ الصَّالِحین‏".[5] و هناک الکثیر من تلک الامثلة و النظائر فی القرآن الکریم و الروایات لا نرید هنا استقصاءها.

إنطلاقا مما مرّ لیس بالامر المستغرب أن یکون الباری تعالى أوعز فی هذا الامر الى بعض الخواص من عبادة، فما هو المحذور فی أن یظهر الله تعالى منزلة بعض عباده الذین بذلوا الغالی و النفیس و لم یبخلوا بشیء أبداً فی سبیله تعالى کالإمام الحسین (ع)[6] فیظهر فضلهم من خلال ما یوکله الیهم من عملیة حساب العباد وفقاً لموازین العدل الالهی.

و قد ورد فی مصادر أخواننا أهل السنة فی تفسیر قوله تعالى: "یوم ندعو کل أناس بإمامهم" نقلا عن النبی الاکرم (ص) و علی (ع)، أن النبی الأکرم (ص) قال:" یدعو کل قوم بإمام زمانهم و کتاب ربهم و سنة نبیهم "[7]

و روی عن علی (ع) أنه قال: فی تفسیر الآیة المذکورة " بإمام عصره".[8] فما هو الاشکال حینئذ على معتقد الشیعة.

و الجدیر بالذکر أن القرآن الکریم یصرح بشهادة الله و النبی و المؤمنین فی قوله تعالى " وَ قُلِ اعْمَلُوا فَسَیَرَى اللَّهُ عَمَلَکُمْ وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ سَتُرَدُّونَ إِلى‏ عالِمِ الْغَیْبِ وَ الشَّهادَةِ فَیُنَبِّئُکُمْ بِما کُنْتُمْ تَعْمَلُون‏".[9] و قد فسرت الروایات الواردة عن عن طریق الائمة "المؤمنین" بالأئمة.[10]

و مع الاخذ بعین الاعتبار هذه الآیة المبارکة و مماثلاتها و الروایات الواردة فی تفسیر تلک الآیات، یتضح جلیاً أن الناظر لاعمال العباد إما أن یکون شاهداً او محاسباً و حاکماً.

و کذلک ورد فی روایات أخرى الاشارة الى حکمة تلک القضیة، ففی روایة عن الإمام الصادق (ع).... رواها القمی فی تفسیره عنه علیه السلام أنه قال: کل أمة یحاسبها إمام زمانها و یعرف الأئمة أولیاءهم و أعداءهم بسیماهم و هو قوله تعالى: «وَ عَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ‏» و هم الأئمة «یَعْرِفُونَ کُلًّا بِسِیماهُمْ» فیعطون أولیاءهم کتابهم بیمینهم فیمرون إلى الجنة بلا حساب و یعطون أعداءهم کتابهم بشمالهم فیمرون إلى النار بلا حساب.[11]



[1] الکهف، 26.

[2] یس، 82.

[3] السجدة، 11.

[4] الانفال، 50.

[5] آل عمران،39.

[6] انظر: الدینوری، ابو حنیفة احمد بن داود، الاخبارالطوال، ترجمة مهدوی دامغانی، محمود، ص 298 – 308، طهران، نشر نى، الطبعة الرابعة، 1371ش.

[7] السیوطی، جلال الدین، الدر المنثور فی تفسیر المأثور، ج‏4، ص 194، نشر مکتبة آیة الله المرعشی النجفی‏، قم‏، 1404 ق‏.

[8] القرطبی، محمد بن احمد، الجامع لأحکام القرآن، ج‏11، ص 297، انتشارات ناصر خسرو، طهران، الطبعة الاولی، 1364 ش‏‏.

[9] التوبة، 105.

[10] الکلینی، الکافی، ج 1، ص 219، الطبعة الرابعة، دار الکتب الإسلامیة، طهران، ‏1365 هـ ش.

[11] القمی، علی بن ابراهیم، تفسیر القمی، ج‏1، ص 231، دار الکتاب‏، قم، الطبعة الرابعة، 1409هـ‏.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279359 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    256917 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128057 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    112882 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88919 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59629 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59356 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56813 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49389 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47111 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...