بحث متقدم
الزيارة
5825
محدثة عن: 2009/07/09
خلاصة السؤال
لماذا لم یشرع القرآن الزواج الموقت للذین لا یستطیعون الزواج الدائم؟
السؤال
یقول القرآن الکریم مخاطباً الذین لا یمکنهم الزواج:"و لیستعفف الذین لا یجدون نکاحاًًًًً حتی یغنیهم الله من فضله ..." (النور، 33)، فإذا کان العقد الموقت مشرعاً فی الدین الإسلامی لکان قد ذکرته هذه الآیة باعتباره طریقاً لحل هذه المشکلة، و لکننا نری ان الله العلیم یدعو الذین لا یتمکنون من الزواج الی التعفّف الی ان یغنهم الله من فضله.
و من جانب آخر فحین نرجع الی الروایات الموجودة فی مورد هذه الآیة نری إنها تذکر ان عدم الاستطاعة هو فی مجال المهر و النفقة، و لایوجد ذلک المحذور فی الزواج الموقت، إذن فلا یمکن القول بأن المقصود بالنکاح فی هذه الآیة هو النکاح الموقت و الدائم، بل یفهم النکاح الدائم فقط فی هذه الآیة.
الجواب الإجمالي

یجب ان نفسّر آیات القرآن معاً و الی جنب بعضها البعض لأن بعض الآیات تفسّر البعض الآخر. و فی هذه الآیة أمر بالتعفف للذین لا یتمکنون من أی نوع من الزواج (الدائم و الموقت) و لیس هذا دلیلاً علی عدم جواز الزواج الموقت، لأن الآیة 24 من سورة النساء واردة فی جواز المتعة حیث تقول:"فما استمتعتم منهن فآتوهن اجورهن فریضة و لا جناح علیکم فیما تراضیتم به من بعد الفریضة ان الله کان علیماٌ حکیماً". و حتی الذین یعارضون المتعة الیوم فإنهم لا ینکرون اصل تشریع الزواج الموقت فی الإسلام، بل یقولون ان الزواج الموقت فی الإسلام کان شائعاً فی عصر النبی(ص) و فی زمن الخلیفة الأول و لکن نهی عنه الخلیفة الثانی و بعضهم یذهب الی انه نسخ فی عهد النبی(ص) نفسه. و کذلک توجد روایات کثیرة فی کتب الحدیث الشیعیة و السنیّة فی أصل جواز ذلک.

و لکنک فی سؤالک اعتبرت عدم الاستطاعة المالیة (النفقة و المهر) دلیلاً علی ان الآیة تختص بالزواج الدائم فقط، و فی هذا المجال ینبغی ان یقال: لیس الزواج الموقت أمراً متیسّراً دائماً و لجمیع الأشخاص و ذلک لأن من الواضح انه و بالرغم ان نکاح المتعة لا نفقة فیه و لکنه لیس زواجاً یتم من دون أی مصاریف و نفقات لأنه یجب فی هذا الزواج علی الرجل ان یعیّن المهر و یدفعه الی الزوجة، إذن فالآیة تتحدّث عن الذین لا یمکنهم الزواج الدائم و الزواج الموقت حیث إنه فی المورد الأول یجب النفقة و المهر و فی المورد الثانی تجب الهدیة و الاجرة، فمع عدم تمکن الشخص منها یکون مشمولاً للآیة.

الجواب التفصيلي

1. لا ینحصر مصدر الأحکام النورانیة للدین الإسلامی المبین بآیة واحدة من القرآن، بل یجب ملاحظة جمیع الآیات المتعلّقة بالموضوع معاً من أجل الوصول الی حکم المسألة. و کذلک ان نلتفت الی ان کثیراً من مفردات أعمالنا العبادیة لم تذکر فی القرآن بل بینت من خلال سنة النبی(ص) و نقلت فی الروایات و ذلک مثل عدد رکعات صلاة الصبح و باقی الصلوات و مناسک الحج و کیفیة دفع الزکاة و... .

إذن فیوجد فی الإسلام اضافة الی الآیات القرآنیة مصدر قیّم آخر و هو سنة النبی(ص) و الأئمة المعصومین(ع) و یستخرج منها الأحکام و التعالیم التی لم ترد فی القرآن و لیس للعقل طریق الیها.

و النتیجة هی انه إذا لم یذکر حکم أو قانون فی القرآن أو لم تُذکر تفاصیله فلیس هذا دلیلاً علی عدم  تشریع القانون فی الإسلام أو انحصاره فی دائرة آیة أو عدّة آیات، بل یجب ملاحظة کل الآیات و الروایات فی هذا المجال.

2. تخاطب الآیة 33 من سورة النور الذین لیس لهم استطاعة مالیة لدفع المهر و النفقة[1] فتقول:" و لیستعفف الذین لا یجدون نکاحاًًًًً حتی یغنیهم الله من فضله"[2].

و إذا دققّنا النظر جیّداً نری ان هذه الآیة قالت بشکل عام شامل إذا لم تکن لهم امکانیة للزواج فلیتعفّفوا و لم تقل انه إذا لم تکن امکانیة للزواج الدائم لیتعففّوا، و تذکر الروایات ان المراد هو الأعم لانه من الواضح انه و بالرغم من انه لیس فی نکاح المتعة نفقة و لکنه لا یحصل من دون مصاریف و نفقات، لانه یجب فی هذا الزواج علی الرجل ان یعیّن المهر و یدفعه الی الزوجة.[3]

إذن فالآیة تتحدث عن الذین لا یتمکنون لا من الزواج الدائم و لا الزواج الموقت حیث انه تجب فی المورد الأول النفقة والمهر و فی المورد الثانی تجب الهدیّة و الاجرة، فمع عدم تمکن الشخص من ذلک یکون مشمولاً للآیة، فتقول الآیة لمثل هؤلاء" تعففّوا(ولا تلجاؤا الی الزنی).

3. حتی الذین یعارضون المتعة الیوم فإنهم لاینکرون اصل تشریع الزواج الموقت فی الإسلام ، بل یقولون ان الزواج الموقت فی الإسلام کان شائعاً فی عصر النبی(ص) و فی زمن خلیفة الأول و لکن الخلیفة الثانی نهی عنه و بعضهم ذهب الی انه نسخ من قبل النبی(ص) نفسه.[4]

و بعد ذکر هذه الامور الثلاثة نذکر دلیل جواز المتعة من القرآن و السنة:

تقول الآیة 24 من سورة النساء "... فما استمتعتم منهن فآتوهن اجورهن فریضة و لا جناح علیکم فیما تراضیتم به من بعد الفریضة ان الله کان علیماٌ حکیماً".

و یقول الأمام الباقر(ع) حول هذه الآیة:"فی المتعة نزلت هذه الآیة".[5]

و یقول الإمام الصادق(ع) أیضاً:" ... فهذه الآیة دلیل علی المتعة".[6]

و فی بعض تفاسیر أهل السنة أیضاً فُسّرت هذه الآیة بنکاح المتعة، روی فی تفسیر الطبری عن (ابی نضرة) بطریقین انه قال: سألت ابن عباس عن متعة النساء؟ فقال: "ألم تقرأ سورة النساء؟، قلت: بلی، قال: آیة "فما استمتعتم به ...".[7]

و یقول القرطبی:"ذهب جمهور العلماء الی ان المراد بهذه الآیة نکاح المتعة الذی کان فی صدر الإسلام".[8]

و بناء علی هذا فانه یستفاد من هذه الآیة بوضوح ان أصل الزواج الموقت (المتعة) جائز فی الإسلام .

و کذلک توجد روایات عدیدة جوّزت المتعة، و فی روایات الشیعة ورد امضاء هذا الزواج فی موارد کثیرة نشیر الی مورد واحد منها فقط: یقول الإمام الصادق(ع):"المتعة نزل بها القرآن و جرت بها السنة من رسول الله(ص)".[9]

و هناک روایات متعددة فی کتب أهل السنة أیضاً حول المتعة و نشیر الی مورد واحد منها:

فی باب "نکاح المتعة" فی کتاب صحیح مسلم و صحیح البخاری و مصنّف عبد الرزّاق و مصنف ابن ابی شیبة و مسند أحمد و سنن البیهقی رووا عن عبدالله بن مسعود قوله:"کنا نغزو مع رسول الله(ص) لیس لنا نساء، فقلنا ألا نستخصی؟ فنهانا عن ذلک، ثم رخّص لنا أن ننکح المرأة بالثوب الی أجل".[10]

کان ذلک یشیر الی وجود هذا الحکم فی الإسلام.

وللإطلاع أکثر راجعوا:

1. موضوع: الزواج الموقت فی القرآن و سیرة المعصومین(ع)، السؤال 4355 (الموقع: ).

2. موضوع: نسخ حکم الزواج الموقت، السؤال 3352، (الموقع: 3658).



[1] الطباطبائی، محمد حسین، تفسیر المیزان، ج 15، ص 157 ، نشر جامعة مدرسی الحوزة العلمیة قم.

[2] النور، 33.

[3] النساء، 24.

[4] للإطلاع علی جمیع الآراء، یراجع تفسیر المیزان، ج 15، ص 460 - 493.

[5] البروجردی، محمد حسین، جامع أحادیث الشیعة، ج 26، ص 35.

[6] نفس المصدر، ص36.

[7] العسکری، السید مرتضی، الزواج الموقت فی الإسلام، ص 16؛ تفسیر الطبری، ج 15، ص 9.

[8] نفس المصدر، ص 19.

[9] جامع أحادیث الشیعة، ج 26، ص 40.

[10] الزواج الموقت فی الإسلام، ص 22، و للإطلاع أکثر عن جمیع الموارد فی کتب أهل السنة یراجع هذا الکتاب.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279359 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    256909 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128057 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    112878 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88919 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59629 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59354 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56812 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49389 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47111 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...