بحث متقدم
الزيارة
7394
محدثة عن: 2010/01/25
خلاصة السؤال
ما هی الطبیعة و ما وراء الطبیعة؟ و ما هی العلاقة بینهما؟
السؤال
ما الفرق بین الطبیعة و ما وراء الطبیعة (المیتافیزیک)؟ و إذا کان ما وراء الطبیعة هو حد للطبیعة فکیف یمکن توضیح ذلک؟
الجواب الإجمالي

الفیزیاء هی بمعنی الطبیعیات و هی ما یقابل الإلهیّات و الریاضیات، و المیتافیزیک هو بمعنی الفلسفة المعاصرة أی العلم الذی یبحث حول الموجود بما هو موجود و "الترانس فیزیک" أو ماوراء الطبیعة هو العلم الذی یبحث حول الله و الموجودات الماورائیة. و أما العلاقة بین الطبیعة و ماوراء الطبیعة فهی علاقة الجزء بالکل و العلاقة بینها و بین الترانس فیزیک هی علاقة العلة بمعلولها.

الجواب التفصيلي

معنی الطبیعة و ماوراء الطبیعة

استعملت لفظة الفیزیاء قدیماً و حدیثاً فی اصطلاحات مختلفة، نبحث عنها باختصار فی هذا المقال:

تطلق کلمة فیزیاء علی العلم الذی یبحث عن ظواهر الطبیعة المادیة من قبیل الحرکة و الثقل و الضغط و الحرارة و الضوء و الصوت و الکهرباء و ...، و البحث فی هذه المواضیع غیر البحث فی موضوع ترکیب الأجسام، لأن ترکیب الأجسام و التغییرات الحاصلة لها یبحث عنه فی علم الکیمیاء فقط. و لکن العلماء المعاصرین یجعلون علمی الفیزیاء و الکیمیاء تحت عنوان واحد (العلوم الفیزیاویة) و العلوم الفیزیاویة هی فی مقابل العلوم الطبیعیة و الحیاتیة التی تبحث فی الموجودات الحیة. و الفیزیاویة هی المنسوبة الی الفیزیاء و تطلق علی الامور المتعلقة بظواهر الطبیعة المادیة. و هذا الاصطلاح هو فی مقابل الامور الغیبیة، لأن الأمر الغیبی یتعلّق بالظواهر التی لا ترتبط بدائرة الحس و التجربة، بل ترتبط بشیء هو فوق هذه الظواهر. و أیضاً فإن هذا الاصطلاح فی مقابل "الروحی"، لأن الفیزیاء کما قیل تتعلّق بالظواهر المادیة التی تکون تابعة لقانون الحتمیة و الجبر العلمی، و أما الروحی فهو یتعلّق بالظواهر النفسانیة التی تتصف بالحریة.

و کذلک فإن الفیزیاء هی فی مقابل الریاضیات أو النظریات لأن الفیزیاء تتعلّق بظواهر الأجسام الحقیقیة، و الریاضیات أو النظریات تتعلّق بالمعانی المجردة.[1]

و ارسطو هو أول من اکتشف وجود مجموعة من المسائل التی لا تندرج فی أی من العلوم الطبیعیة و الریاضیة و الأخلاقیة أو الاجتماعیة، فقد شخّص أن المحور الذی جمع هذه المسائل باعتبارها عوارض و حالات له هو "الموجود بما هو موجود" و لکن ارسطو لم یضع لهذا العلم أی إسم، و لکن حین جمعت آثاره فی مجموعة واحدة من دائرة المعارف جعل هذا القسم فی الترتیب بعد قسم الطبیعیات "الفیزیاء" و لکن حیث لم یکن له إسم خاص فقد عرف بالمیتافیزیک "أی ما بعد الفیزیاء" و ترجمته العربیة "ما بعد الطبیعة".

و بمرور الزمان نسی کون سبب تسمیة هذا العلم هو وقوعه بعد بحوث الطبیعیّات فاعتقد البعض أن سبب هذه التسمیة لهذا العلم بهذا الإسم هو کون مسائل هذا العلم أو علی الأقل بعض مسائله مثل: الله و العقول المجردة هی خارجة عن الطبیعة، و لهذا حصلت شبهة لدی بعض الأشخاص مثل إبن سینا الذی کان یری أن هذا العلم ینبغی أن یسمی بـ "ما قبل الطبیعة" لأن الله و العقول المجردة هی من ناحیة رتبة الوجود قبل الطبیعة و لا بعدها.

و قد انجرّ هذا الاشتباه اللفظی و الذی کان بسبب الترجمة الی اشتباه معنوی عند بعض المتفلسفین الجدد، فقد ظن جماعة کبیرة من الاوروبیین أن کلمة ماوراء الطبیعة تعادل "ما بعد الطبیعة" و ظنوا أن موضوع هذا العلم هو الامور الخارجة عن الطبیعة، و الحال أن موضوع هذا العلم یشمل الطبیعة و ماوراء الطبیعة و کل ما کان موجوداً.

و قد عرف هؤلاء المیتافیزیک کما یلی: المیتافیزیک هو العلم الذی یبحث حول الله و الامور المجردة عن المادة فقط.[2]

و لفهم هذین المصطلحین إذن یجب أن تذکر أقسام الحکمة: "الحکمة تنقسم الی قسمین نظریة و عملیة، الحکمة النظریة و هی التی تتعلّق بالعلوم التی تشمل الطبیعیات و الریاضیات و الإلهیات. و الطبیعیات تشمل علم الفلک و الجیلوجیا و علم الحیوان و النبات. و تنقسم الریاضیات الی الهندسة و الحساب و الهیئة و الموسیقی، و تنقسم الإلهیات الی قسمین الإلهیات بالمعنی الأعم "البحوث المرتبطة بأصل الوجود" و الإلهیات بالمعنی الأخص و هی المباحث المرتبطة بمعرفة الله، و یسمی هذان القسمان م الإلهیات بالمیتافیزیک".[3]

و قد اتضح بما تقدّم إن المراد بالفیزیاء هو علم الطبیعیات و المراد بالمیتافیزیک هو الإلهیات.

 

العلاقة بین علم الفیزیاء و علم المیتافیزیک:

بناء علی القول الصحیح فإن جعل مصطلحی ماوراء الطبیعة و ما بعد الطبیعة مترادفین هو خطأ یرتکبه بعض الأشخاص غیر المطّلعین، حیث إن التسمیة بما بعد الطبیعة کانت علی أساس محلّ ذکر هذا العلم فی کتاب أرسطو و هو ما بعد مبحث الطبیعیات، و إن التسمیة بماوراء الطبیعة هی علی أساس وجود مضامین ما ورائیة فی نفس العلم، و بناء علی هذا فالعلاقة بین الفیزیاء "الطبیعیات" و المیتافیزیک "ما بعد الطبیعة" فی العلوم هی أن المیتافیزیک یتکفل إثبات موضوع علم الطبیعیات، و إن کثیراً من الاصول الموضوعیة فی العلوم یتم إثباتها فی هذا العلم و هو یساعد الفلسفة فی مقابل العلوم الاخری –فی إثبات بعض مقدمات البراهین الفلسفیة.

العلاقة بین عالم الفیزیاء و عالم المیتافیزیک:

و العلاقة بین عالم الفیزیاء و عالم المیتافیزیک فی عالم الخارج هی علاقة الجزء بالکل و النسبة بینهما هی العموم و الخصوص المطلق، أی أن موضوع علم الفیزیاء هو جزء من موضوع المیتافیزیک، لأن موضوع علم الفیزیاء هو المادیات و موضوع المیتافیزیک هو مطلق الوجود الذی یشتمل علی المادیات "الطبیعة" و علی ماوراء الطبیعة.

العلاقة بین الفیزیاء و الترانس فیزیک:

العلاقة بین هذین الاثنین (أی العلاقة بین الطبیعة"الفیزیاء" و ماوراء الطبیعة"ترانس فیزیک") فی الفلسفة الإسلامیة هی علاقة العلة و المعلول، أی أن الموجودات الماورائیة هی العلل الوجودیة لهذا العلم المادی. فالمادیات کلها محدودة و لا توجد هذه المحدودیة بهذا الوسع فی عالم ماوراء الطبیعة. و کذلک فإن العلاقة بین المادة و ماوراء المادة تعتبر أیضاً هی علاقة الحقیقة و الرقیقة.

و یذکر أن افلاطون و أتباعه قد جسّدوا نظام الخلقة فی المثل. فقد قسّم العالم الی قسمین:

الفیزیاء و المیتافیزیک، و عالم ماوراء الطبیعة هو الأصل و عالم الطبیعة هو ظلّ لعالم الماوراء و عالم الماوراء هو عالم أرباب الأنواع، و هو یری أن مثل الأمثال یقع فی قمة الهرم و إن عالم الأجسام یقع فی قاعدته، و هذه الخلقة الهرمیة الشکل التی یمکن تصوّر نظام خلقتها بشکل هرمی بحیث یکون مثل الأمثال و رب الأرباب[4] قد أوجده ذات المبدأ الأول ثم تکثّر الفیض بالتدریج و تکثّرت أرباب الأنواع أو الأمثال الی عالم الأجسام الذی هو قاعدة ذلک الهرم. و عالم المثل عالم مستقر و عالم الأنواع الجسمانیة غیر مستقر و هو فی معرض الکون و الفساد.[5]



[1] جمیل صلیبا، المعجم الفلسفی، منوچهر صانعی دره بیدی، ص 507، الطبعة الاولی، منشورات الحکمة، طهران 1366 هـ ش.

[2] مطهری، مرتضی، التعرف علی العلوم الإسلامیة، ج 1، ص 94، الطبعة الجدیدة، مکتب النشر الإسلامی، قم 1362 ش، بتخلیص؛ مصباح الیزدی، محمد تقی، تعلیم الفلسفة، ج 1، ص 69، الطبعة الثانیة، منظمة الإعلام الإسلامی، القسم الثقافی، طهران 1326 ش.

[3] غرویان، محسن، نظرة الی تعلیم الفلسفة للاستاذ مصباح الیزدی، ص 33، الطبعة الثالثة، منشورات شفق، 1373 ش.

[4] مجمع البحوث الإسلامیة، شرح المصطلحات الفلسفیة، ص 355، مجمع البحوث الإسلامیة، مشهد، الطبعة الاولی، 1414 هـ ق.

[5] السجادی، السید جعفر، معجم المصطلحات الفلسفیة الملاصدرا، ص 317، وزارة الثقافة و الإرشاد الإسلامی، طهران، الطبعة الاولی، 1379 هـ ش.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

التصنیف الموضوعی

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279359 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    256906 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128057 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    112877 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88919 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59629 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59354 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56811 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49386 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47111 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...