بحث متقدم
الزيارة
9786
محدثة عن: 2011/08/07
خلاصة السؤال
ما هو الاعتکاف؟
السؤال
ما هو الاعتکاف؟
الجواب الإجمالي

الاعتکاف فی اللغة یعنی الإقامة و المکوث فی المکان و ملازمة الشیء. و فی الشرع الإسلامی یعنی الإقامة فی مکان مقدس بعلة التقرب إلى الله تعالى، و الاعتکاف لا یختص بالدین الإسلامی وحده، و إنما یوجد فی الأدیان الإلهیة الأخرى، و کذلک استمر فی الإسلام، مع أنه یمکن القول أن بعض خصوصیاته و أحکامه و شروطه تغیرت فی الشرع الإسلامی، و الاعتکاف غیر محدد بوقت خاص من حیث البعد الزمانی، و لکن من لوازم الإعتکاف و شروطه أن یکون مصحوباً بالصوم، و علیه ففی کل وقت یکون الصوم فیه صحیحاً فالاعتکاف صحیح، و لکن أفضل وقت للاعتکاف العشر الأواخر من أیام شهر رمضان المبارک و الأیام البیض فی شهر رجب، و الاعتکاف محدد بمکان خاص من جهة بعده المکانی. و النظریة المعروفة أن الاعتکاف غیر جائز إلا فی المساجد الأربعة (المسجد الحرام، مسجد النبی، مسجد الکوفة، و مسجد البصرة) و لکنّ جمعاً من الفقهاء یذهب إلى جواز الاعتکاف فی المسجد الجامع لکل مدینة.پ

الجواب التفصيلي

الاعتکاف فی اللغة یعنی الإقامة و المکوث فی المکان و ملازمة الشیء، و لکن فی الشرع الإسلامی المقدس یعنی الإقامة فی مکان مقدس بعلة التقرب إلى الله تعالى و الاعتکاف فرصة مناسبة جداً للإنسان الغارق و المنهمک فی بحر المادیات فی هذه الدنیا لیعود إلى ذاته و ینتشل نفسه من أغلال المادة و الدخول فی عالم المعنویات و القیم، و یضع نفسه بین یدی ربّه و یطلب منه أن یثبته على الصراط المستقیم حتى یتمکن من الاتصال ببحر رحمته و عطائه و مغفرته اللامحدود و یستظل بظل عفوه و رحمته.

تاریخ الاعتکاف:

الاعتکاف لا یختص بالدین الإسلامی وحده، و إنما کان موجوداً فی الأدیان السماویة الأخرى، و لکنه استمر فی الدین الإسلامی مع أنه یمکن القول أن بعض خصوصیاته و شروطه و أحکامه تغیرت فی الشرع الإسلامی الحنیف.

و منذ أن علم رسول الله المسلمین الاعتکاف، لقیت هذه السنة رواجاً بین المسلمین.

و فی عصرنا الحاضر تخظى مراسم الاعتکاف باهتمام خاص و تقام بکل عظمة و جلال فی العشر الأواخر من شهر رمضان المبارک فی بعض الدول الإسلامیة، منها العربیة السعودیة خصوصاً فی مکة المکرمة، ففی کل عام یتوجه سیل عظیم من المسلمین باتجاه المسجد الحرام و فیهم عدد لافت من الشباب للاعتکاف فی جوار بیت الله الحرام، حتى أن الکثیر من زوار بیت الله الحرام یختار العشر الأواخر من شهر رمضان لأداء العمرة المفردة حتى یدرک فضیلة الاعتکاف فی هذه الأیام المبارکة و کذلک تقام مراسم مماثلة فی مسجد النبی فی المدینة المنورة و إلى جانب مرقده المطهر، و کذلک کان مسجد الکوفة فی العراق محلاً للاعتکاف لسنوات طویلة فی العشر الأواخر من شهر رمضان المبارک. حیث یقیم مراسم الاعتکاف جمع غفیر من الشیعة أتباع أهل البیت (ع) فی هذا المسجد المقدس، و کان الکثیر من العلماء الکبار یشارکون جموع المؤمنین فی هذا الاعتکاف.

 

القیمة المعنویة للاعتکاف:

إن الانقطاع عن المادیات و المشاغل الدنیویة و ملازمة المسجد و إدامة الذکر و العبادة لله له قیمة کبرى و أهمیة کبیرة حتى من دون الاعتکاف، و قد وردت آیات و روایات و أحادیث کثیرة تؤکد هذا المضمون، أما بالنسبة للاعتکاف بشکلٍ خاص فقد جاء التأکید علیه فی القرآن و الروایات.

زمان الاعتکاف:

من جهة البعد الزمانی لا یوجد زمان خاص للاعتکاف إلا من جهة کون الصوم من لوازم الاعتکاف و شروطه، و علیه فلا بد من أن یکون الصوم جائزاً شرعاً حتى یتم الاعتکاف. إذن کل وقت یکون فیه الصوم صحیحاً یکون الاعتکاف صحیحاً کذلک. و لکن أفضل وقت للاعتکاف العشر الأواخر من شهر رمضان المبارک، و الأیام البیض من شهر رجب، و الاعتکاف فی العشر الأواخر من شهر رمضان المبارک له صلة بمسألة دراک لیلة القدر العظیمة و الاستفادة من فیوضاتها و برکاتها الکثیرة. و فی بلدنا یلقى الاعتکاف فی الأیام الثلاث من شهر رجب رواجاً و یأتی قبل العشر الأواخر من شهر رمضان المبارک و هذه الأیام الثلاث تکتسب أهمیة بلحاظ عدة أمور.

أولاً: إن شهر رجب حرام و قد وردت الروایات أن الاعتکاف فی الأشهر الحرم أفضل منه فی غیرها.

ثانیاً: إن للصوم فضلاً خاصاً فی شهر رجب، لأن شهر رجب شهر عظیم، و کانت حرمته و عظمته معروفة و مرعیة حتى لدى الناس فی زمن الجاهلیة. و جاء الإسلام فزاد فی حرمته و فضله[1]، و الظاهر أن هذه المکانة و المنزلة لشهر رجب بقیت بین الناس من سنن الأدیان المتقدمة.

مکان الاعتکاف:

للاعتکاف مکان مخصوص من جهة البعد المکانی، و النظریة المعروفة أن الاعتکاف لا یصح إلا فی المساجد الأربعة (المسجد الحرا، مسجد النبی، مسجد الکوفة، و مسجد البصرة) یقول الإمام الرضا (ع): "اعتکاف لیلة فی مسجد الرسول و عند قبره یعدل حجة و عمرة"[2]، و لکن عدداً من الفقهاء یذهب إلى جواز الاعتکاف فی المسجد الجامع فی کل مدینة.[3].

و البعض یرى أن الاعتکاف فی المسجد الجامع لا بد أن یکون برجاء المطلوبیة لدى الله تعالى[4]. أما الاعتکاف فی جمیع المساجد فی کل مدینة و منطقة فلا یجیزه إلى القلیل من فقهاء الشیعة[5] و المراد بالمسجد الجامع للمدینة أو المحلة هو المسجد الذی یجتمع فیه الناس عادة أکثر من غیره[6]. و بعبارة أخرى هو المسجد الذی یتواجد فیه الناس غالباً أکثر من غیره[7].

و یأتی السؤال هنا على النحو التالی: نظراً للآثار و المعطیات التی یترکها الاعتکاف على الإنسان، أ لیس من الأفضل أن یکون الاعتکاف جائزاً فی کل مسجد لیتمکن الجمیع و بسهولة من إقامة هذه السنة و أداء هذه الفریضة؟

و لا بد أن یقال فی الجواب: العبادات فی الإسلام توقیفیة تماماً. بمعنى لزوم تلقی کیفیاتها و شروطها من نصوص الشرع الإسلامی، فإذا جاء الدلیل على أن الاعتکاف مشروط فی المسجد الجامع، فلیس لأحد أن یحکم ذوقه و سلیقته فی إعمال الحکم و إجرائه و توسیع موضوعه.

و هناک عدد من العبادات محددة بأماکن خاصة و مشخصة کما هو الحال بالنسبة لإقامة مراسم الحج، فإنها لا بد و أن تقام فی أماکن محددة و معینة. و علیه فإن إقامة مراسم الحج فی أماکن أخرى عمل غیر صحیح.

و هکذا الأمر بالنسبة للاعتکاف، فإذا جاءت الأدلة على أن المسجد الجامع هو محل الاعتکاف، نفهم من ذلک أن الشارع المقدس یریدها فی هذا المکان المحدد، و من الأکید أن هذا الحکم أخذ فیه اعتبار المصلحة التی یحتمل ألا تدرکها عقولنا بشکل یقینی، فمن المحتمل أن الإسلام فرض الاعتکاف فی الجامع لإعمال السیطرة على هذا الاجتماع، إضافة إلى وجود بعض المعطیات الأخرى کالوحدة الأهداف و اتحاد القلوب و النوایا و غیر ذلک.[8] ، [9].



[1]الشیخ الصدوق، فضائل الأشهر الثلاثة، ص 24، الروایة 12.

[2]بحار الأنوار، ج 98، ص151.

[3]السید محمد کاظم الطباطبائی، العروة الوثقى، کتاب الاعتکاف، ص399.

[4]الإمام الخمینی (ره)، تحریر الوسیلة، ج1، ص305.

[5]الشیخ محمد حسن النجفی، جواهر الکلام، ج17، ص170.

[6]المصدر نفسه، ص171.

[7]آیة الله الکلبایکانی، مجمع المسائل، ج1، ص154.

[8]بحار الأنوار، ج33، ص542.

[9] مقتبس من موقع الحوزة نت.

س ترجمات بلغات أخرى
التعليقات
عدد التعليقات 0
يرجى إدخال القيمة
مثال : Yourname@YourDomane.ext
يرجى إدخال القيمة
يرجى إدخال القيمة

أسئلة عشوائية

الأكثر مشاهدة

  • ما هي أحكام و شروط العقيقة و مستحباتها؟
    279435 العملیة 2012/08/13
    العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم أسبوعه، و الافضل ان تكون من الضأن، و يجزي البقر و الابل عنها. كذلك من الافضل تساوي جنس الحيوانات المذبوح مع المولود المعق عنه في الذكورة و الانوثة، و يجزي عدم المماثلة، و الافضل أيضاً أن تجتمع فيها شرائط ...
  • كيف تتم الإستخارة بالقرآن الكريم؟ و كيف ندرك مدلول الآيات أثناء الإستخارة؟
    257233 التفسیر 2015/05/04
    1. من أشهر الإستخارات الرائجة في الوسط المتشرعي الإستخارة بالقرآن الكريم، و التي تتم بطرق مختلفة، منها: الطريقة الأولى: إِذا أَردت أَنْ تَتَفَأَّلَ بكتاب اللَّه عزَّ و جلَّ فاقرأْ سورةَ الإِخلاص ثلاث مرَّاتٍ ثمَّ صلِّ على النَّبيِّ و آله ثلاثاً ثمَّ قل: "اللَّهُمَّ تفأَّلتُ بكتابكَ و توكّلتُ عليكَ ...
  • ماهي أسباب سوء الظن؟ و ما هي طرق علاجه؟
    128139 العملیة 2012/03/12
    يطلق في تعاليمنا الدينية علی الشخص الذي يظن بالآخرين سوءً، سيء الظن، و من هنا نحاول دراسة هذه الصفه بما جاء في النصوص الإسلامية. فسوء الظن و سوء التخيّل بمعنى الخيال و الفكر السيء نسبة لشخص ما. و بعبارة أخرى، سيء الظن، هو الإنسان الذي يتخيّل و ...
  • كم مرّة ورد إسم النبي (ص) في القرآن؟ و ما هو السبب؟
    113238 علوم القرآن 2012/03/12
    ورد إسم النبي محمد (ص) أربع مرّات في القرآن الکریم، و في السور الآتية: 1ـ آل عمران، الآية 144: "وَ مَا محُمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِيْن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلىَ أَعْقَابِكُمْ وَ مَن يَنقَلِبْ عَلىَ‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضرُّ اللَّهَ ...
  • ما الحكمة من وجود العادة الشهرية عند النساء؟
    88995 التفسیر 2012/05/15
    إن منشأ دم الحيض مرتبط باحتقان عروق الرحم و تقشّر مخاطه ما يؤدي إلى نزيف الدم. إن نزيف دم الحيض و العادة النسوية مقتضى عمل أجهزة المرأة السالمة، و إن خروجه بالرغم من الألم و الأذى و المعاناة التي تعاني منها المرأة يمثل أحد ألطاف الله الرحيم ...
  • هل يستر الله ذنوب عباده عن أبصار الآخرين يوم القيامة كما يستر عيوب و معاصي عباده في الدنيا، فيما لو ندم المرء عن ذنبه و تاب عنه؟
    59835 الکلام القدیم 2012/09/20
    ما تؤكده علينا التعاليم الدينية دائماً أن الله "ستار العيوب"، أي يستر العيب و يخفيه عن أنظار الآخرين. و المراد من العيوب هنا الذنوب و الخطايا التي تصدر من العباد. روي عن النبي محمد (ص) أنه قال: " سألت الله أن يجعل حساب أمتي إليّ لئلا تفتضح ...
  • ما هو النسناس و أي موجود هو؟
    59548 الکلام القدیم 2012/11/17
    لقد عرف "النسناس" بتعاريف مختلفة و نظراً إلى ما في بعض الروايات، فهي موجودات كانت قبل خلقة آدم (ع). نعم، بناء على مجموعة أخرى من الروايات، هم مجموعة من البشر عدّوا من مصاديق النسناس بسبب كثرة ذنوبهم و تقوية الجانب الحيواني فيهم و إبتعادهم عن ...
  • لماذا يستجاب الدعاء أكثر عند نزول المطر؟
    56854 الفلسفة الاخلاق 2012/05/17
    وقت نزول الأمطار من الأزمنة التي يوصى عندها بالدعاء، أما الدليل العام على ذلك فهو كما جاء في الآيات و الروايات، حيث يمكن اعتبار المطر مظهراً من مظاهر الرحمة الإلهية فوقت نزوله يُعتبر من أوقات فتح أبواب الرحمة، فلذلك يزداد الأمل باستجابة الدعاء حینئذ. ...
  • ما هو الذنب الذي ارتكبه النبي يونس؟ أ ليس الانبياء مصونين عن الخطأ و المعصية؟
    49726 التفسیر 2012/11/17
    عاش يونس (ع) بين قومه سنين طويلة في منطقة يقال لها الموصل من ارض العراق، و لبث في قومه داعيا لهم الى الايمان بالله، الا أن مساعيه التبليغية و الارشادة واجهت عناداً و ردت فعل عنيفة من قبل قومه فلم يؤمن بدعوته الا رجلان من قومه طوال ...
  • ما هي آثار القناعة في الحياة و كيف نميز بينها و بين البخل في الحياة؟
    47164 العملیة 2012/09/13
    القناعة في اللغة بمعنى الاكتفاء بالمقدار القليل من اللوازم و الاحتياجات و رضا الإنسان بنصيبه. و في الروايات أحيانا جاء لفظ القناعة تعبيرا عن مطلق الرضا. أما بالنسبة إلى الفرق بين القناعة و البخل نقول: إن محل القناعة، في الأخلاق الفردية، و هي ترتبط بالاستخدام المقتَصَد لإمكانات ...