السؤال هو أن فی الآیة المبارکة (أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ یَعْلَمُ ما فِی السَّماواتِ و ما فِی الْأَرْضِ ما یَکُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رابِعُهُمْ و لا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سادِسُهُمْ و لا أَدْنى مِنْ ذلِکَ و لا أَکْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُم...)[1] لماذا لم یقل الله ما من نجوى اثنین إلا و هو ثالثهم، و إنما خص عدد الأربعة. الجواب هو أنه:
قد تکون الأرقام المذکورة فی هذه الآیة على سبیل ذکر المثال و حسب، و لیس لها خصوصیة و لهذا یقول سبحانه فی ذیل الآیة: (وَ لا أَدْنى مِنْ ذلِکَ و لا أَکْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَیْنَ ما کانُوا).
و لکن مع هذا یعتقد بعض المفسرین أن هذه الأرقام لا تخلوا عن أغراض.
1. قال البعض أن سبب ذکر عدد الثلاثة و الخمسة هو أن هذه الأرقام تمثل عدد المناجین فی الواقع.[2] نقل بعض المفسرین شأن نزول هذه الآیة عن ابن عباس بأنه نزلت فی حق ثلاثة باسم ربیعة و حبیب و صفوان، فکانوا یتحدثون و یتناجون معا فقال أحدهم: هل یعلم الله ما نقول؟ فأجاب أحدهم یعلم بعضا و یجهل بعضا! فنزلت هذه الآیة لتبین أن الله عالم بکل نجوى و یعلم ما فی السماوات و ما فی الأرض، لیفیق هؤلاء العمی عن غفلتهم و یزیل التباسهم. کما قد یرتبط شأن نزول الآیة بخمسة أشخاص.
2. و یعتقد البعض أن من لطائف سیاق هذه الآیة هو أن الله قد راعى بذکر عدد الثلاثة و الأربعة و الخمسة و الستة، ترتیب الأرقام دون أن یکرر أحدهم، إذ کان یمکن له أن یقول: "ما من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم و ما من نجوى أربعة إلا هو خامسهم و ما من نجوى خمسة إلا هو سادسهم.[3] ففی هذا التعبیر بلاغة لطیفة و هی عدم تکرار الأرقام؛[4] فلو کان قد قال " ما من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم و ما من نجوى أربعة إلا هو خامسهم" لتکرر الأربعة و هذا بعید عن البلاغة.[5]
[1]. المجادلة، ۷.
[2]. شریف لاهیجی، محمد بن علی، تفسیر شریف لاهیجی، ج 4، ص 49، نشر داد، طهران، 1373ش.
[3]. الطباطبائی، سید محمد حسین، المیزان فى تفسیر القرآن، ج 19، ص 184، دفتر انتشارات اسلامى، قم، الطبعة الخامسة، 1417ق.
[4]. مترجمان، تفسیر هدایت، ج 15، ص 180، مرکز الدراسات الإسلامیة للعتبة الرضویة المقدسة، مشهد، الطبعة الأولى، 1377ش.
[5]. ناصر مکارم شیرازی، الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج 18، ص 116.