هذا النص موجود في كتب الحديث[1]. و لكن هل الحديث منقول عن المعصوم أم إنه مثل من الأمثال؟، هذا ما لم يتضح تماماً، و الذي يغلب الظن، أن هذا الكلام من قبيل ضرب الأمثال، إلا إنه اكتسب سمة الحديث بسبب كثرة الاستعمال، كما ورد في كشف الغمة حين ذكر الحديث قوله: (كما ورد في الحديث و المثل)[2].
على كل حال هذا الكلام يشير إلى واقعية إجتماعية، و هو أن طبقات الدنيا في المجمع ـ من غير العلماء ـ أكثر تأثراً من العلماء و النخب المثقفة وذلك بسبب الجهل و عدم المعرفة، و بذلك تكون هذه الشرائح بمثابة الوسائل و الأدوات بيد الحكام و الملوك، فالحكام و الملوك يملكون من الوسائل و الإمكانات الإعلامية و الدعائية ما يجعلهم يصورون للناس أن ما يلقون عليهم هو الصحيح، و ذلك ما يعزز قوتهم و يحكم سيطرتهم.
و الناس يتلقون ما يقوله هؤلاء و كأنه الحقيقة فينظمون حياتهم و سلوكهم على أساس ما يفرضه الحكام عليهم من معتقدات و قيم.
و قد أشار القرآن الكريم إلى هذه المسألة، حيث قال: ( و برزوا لله جميعاً فقال الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعاً فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء)[3].
و قوله تعالى: ( و إذ يتحاجون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعاً فهل أنتم مغنون عنا نصيباً من النار..)[4].
و المراد بالضعفاء من ليس له علم و لا استقلال فكري، حيث يسير خلف القادة و الحكام دون أن يفتح سمعه و بصره، و هذا الاتباع غير الواعي و التقليد الأعمى يلقي بأصحابه في أودية الضلال[5].
و على أي حال فإن هذا الكلام ـ سواء كان حديثاً أو مثلاً ـ فإنه ينسجم مع تعاليم القرآن، و ليس له أي دلالة على الجبر، لأن هذه الشرائح تطيع الحكام باختيارها و بسبب الجهل و عدم المعرفة.
[1] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج102، ص7، مؤسسة الوفاء، بيروت، 1404 ق؛ الأربلي، علي بن عيسى، كشف الغمة، ج2، ص21، مكتبة الهاشمي، تبريز، 1381ق.
[2] إربلي، علي بن عيسى، كشف الغمة في معرفة الأئمة، ج2، ص21، مكتبة بني هاشمي، تبريز، 1381 هـ .ق.
[3] إبراهيم، 21.
[4] غافر، 47.
[5] مكارم، ناصر، التفسير الأمثل، ج20، ص123، دار الكتب الإسلامية، طهران.