تعد الغيبة من الذنوب الكبيرة التي حذر الاسلام منها و حرمتها المصادر الاسلامية قرآنا و سنة. و لكن مع ذلك توجد بعض المستثنيات و الحالات التي سمح الشارع المقدس بها و لم يعتبرها من مصاديق الغيبة المحرمة، و قد اشار الى الاستثناءات كل من القرآن و السنة، كقوله تعالى: " لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ وَ كانَ اللَّهُ سَميعاً عَليماً".[1] و هذه الآية تسمح للمظلوم بان يجهر بمظلوميته لاسترداد حقه الذي سلب، و ليكون الآخرون عونا للمظلوم بعد معرفة مظلوميته.
و قد ورد في ذيل الآية المذكورة حديث يشير الى مصداق من مصاديق الظلم الاجتماعي: "عن الامام الصادق (ع) أنه قال: مَنْ أَضَافَ قوماً فأَساءَ ضيافتهم فهو ممَّنْ ظلَمَ فلا جُناح عليهم فيما قالوا فيه".[2]
و هذه الرواية و ان تحدثت عن مصداق خاص، لكن من الممكن تسرية الحكم الى الحالات المشابهة التي تشترك في لحوق الظلم و الاجحاف بالآخرين.
و مع ذلك لابد من أخذ اقصى درجات الاحتياط في هذه القضية فلا يظنن الشخص بأنه من مصاديق قوله تعالى " الا من ظلم" فيطبق الآية في أي مورد شاء و حينئذ يقع في الحرام من دون أن يشعر.
و لاريب ان العفو عن ذنوب الآخرين و التجاوز عن اخطائهم يوفر الارضية المناسبة لنيل العفو الالهي يوم القيامة كما قال سبحانه و تعالى: " وَ لْيَعْفُوا وَ لْيَصْفَحُوا أَ لا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَحيمٌ".[3] أضف الى ذلك أن عدم الرضى بنشر فضائح أعمال الناس، نابع من حقيقة أنّ اللّه هو ستار العيوب، فلا يجب أن يقوم عباده بكشف سيئات الآخرين من أمثالهم أو الإساءة إلى سمعتهم، و ممّا لا يخفى على أحد هو أنّ لكل إنسان نقاط ضعف خفية، و لو انكشفت هذه العيوب لساد المجتمع جو من سوء الظن بين أفراده، فيصعب عندئذ قيام التعاون بين هؤلاء الأفراد، لذلك منع الإسلام و حرّم التحدث عن نقائص أو فضائح أعمال الآخرين دون وجود هدف سليم، لتبقى الأواصر الاجتماعية قوية مستحكمة، و رعاية للجوانب الإنسانية الأخرى في هذا المجال.[4] ثم ان الاحتياط يقضي بان لا يقدم الانسان على عمل من هذا القبيل؛ و ذلك لان سوء الظن هو الحاكم في الكثير من الحالات التي نقيّم فيها الآخرين و مواقفهم اتجاهنا، بل حتى اذا كان ظننا منطلقاً من حقائق ثابتة لكن قد تكون ردة الفعل شديدة و تتجاوز الحد فتخرج صاحبها من المظلومية الى الظالمية، و قد اشار الامام الصادق (ع) الى هذا المعنى فيما روي عنه: " إِنَّ الْعَبْدَ لَيَكُونُ مَظْلُوماً فَمَا يَزَالُ يَدْعُو حَتَّى يَكُونَ ظَالِماً".[5]
لمزيد الاطلاع انظر:
الغیبة و مستثنیاتها، 5594 (الموقع: ar5894).
إغتياب من يسيء الى الآخرين، 11962 (الموقع: 14055).
لا یوجد جواب تفصیلي
[1] النساء، 148.
[2] الشیخ الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 12، ص 289، مؤسسه آل البيت (ع)، قم، 1409 ق.
[3] النور،22.
[4] مكارم الشيرازي، ناصر، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج3، ص: 508، نشر مدرسة الإمام علي بن أبي طالب (ع)، قم، الطبعة الاولى، 1421هـ.
[5] الکلیني، محمد بن یعقوب، الکافي، ج 2، ص 333، ح 17، دار الکتب الإسلامیة، طهران، 1365 هـ ش.