وردت الروايات المذكورة في المصادر التاريخية بالنحو التالي: كان رسول الله (ص) بعث الى زينب ابنته من يقدم بها من مكة، فعرض لها نفر من قريش فيهم هبار، فنخس بها، و قرع ظهرها بالرمح، و كانت حاملا فاسقطت فردت الى بيوت بنى عبد مناف و كان هبار بن الأسود عظيم الجرم في الاسلام، فاهدر دمه رسول الله (ص).[1]
و لكن هل قتل هبّار أو لا؟ هنا اختلفت كلمة المحققين و المؤرخين فمنهم من ذهب الى القول بان الرجل ندم في نهاية المطاف و جاء معتذراً الى الرسول (ص) مما اقترفه من جناية، فقال له رسول الله (ص): قد عفوت عنك، و قد احسن الله بك حيث هداك للإسلام، و الاسلام يجب ما قبله.[2]
و الجدير بالذكر أن الحادثة نقلت في المصادر الرجالية و التأريخية المعتبرة، لكن الحري بالتأمل في مثل هذه الحوادث أنها اتخذت ذريعة للنيل من الاسلام و من قيمه السامية و اظهار النبي الاكرم (ص) إنساناً منفعلا يلاحق المجرمين على الحوادث الجزئية، من هنا لابد من الالتفات الى أن النبي الاكرم (ص) و إن كان مظهراً للرحمة الالهية و العطف الرباني[3] لكنه في القضايا الاجتماعية و حقوق الناس؛ من قبيل القضية المطروحة و لاجل إرساء الأمن في المجتمع و قطع يد المجريم و الاشرار، لا يتردد (ص)في التصدي لهم و الضرب على أيديهم بيد من حديد، ليعيش الناس حياة آمنة مستقرة و ليكون المجرمون عبرة لغيرهم.
علما أن هذه القضية لا تختص بالاسلام فقط، فان كافة المجتمعات البشرية و التشريعيات و الدساتير، ترى إشهار السلاح بوجه المواطنين و إثارة الرعب في الاوساط العامة يعد جريمة لاتغتفر يعاقب عليها القانون باشد المجازاة، سواء كان هؤلاء الناس الذين تعرضوا للاعتداء من المقربين من رجال السلطة أم لا، فان على الحكومة الدفاع عنهم و إرساء الأمن في اوساطهم، و ما نسب الى النبي الاكرم (ص) في تلك الواقعة من هدر دم الرجل ينطبق تماما مع الاعراف و القوانين المعمول بها عند كافة الشعوب.
[1] ابن عبد البر، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد، الاستیعاب في معرفة الأصحاب، تحقيق: البجاوي، على محمد، ج 4، ص 1536، دار الجيل، بیروت، ط الأولى، 1412/1992؛ ابن اثير الجزري، أبو الحسن علي بن محمد، أسد الغابة في معرفة الصحابة، ج 4، ص 608، دار الفكر، بيروت، 1409/1989؛ التميمي السمعاني، أبو سعيد عبد الكريم بن محمد بن منصور، الانساب، تحقيق: المعلمي اليماني، عبد الرحمن بن يحيى، ج 10، ص 535، مجلس دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد، ط الأولى، 1382/1962؛ الذهبي، شمس الدين محمد بن احمد، تاریخ الاسلام و وفيات المشاهير و الأعلام، تحقيق: التدمري، عمر عبد السلام، ج 3، ص 102، دار الكتاب العربي، بيروت، ط الثانية، 1413/1993؛ الطبري، أبو جعفر محمد بن جرير، تاريخ الأمم و الملوك (تاریخ الطبري)، تحقيق: ابراهيم، محمد أبو الفضل، ج 11، ص 594 و 595، دار التراث، بیروت، ط الثانية، 1387/1967؛ البيهقي، ابو بكر احمد بن الحسين، دلائل النبوة و معرفة أحوال صاحب الشريعة، تحقيق: قلعجي، عبد المعطي، بيروت، دار الكتب العلمية، ط الأولى، 1405/1985. ج 3، ص 156، دار الكتب العلمية،بیروت، ط الأولى، 1405/1985.
[2] تاريخ الطبري مصدر سابق؛ و البلعمي، تاریخنامه طبري، تحقيق: روشن، محمد، ج 5، ص 1499، جلد 1و2 سروش، طهران، الطبعة الثانیة، 1378ش، جلد 3،4،5 البرز، چ 3، 1373ش.
[3] الکلیني، الکافي، ج 1، ص 527؛ ج 3، ص 422، دارالکتب الاسلامیة، طهران، 1365ش؛ الشیخ الطوسي، التهذیب، ج 4، ص 305، دارالکتب الاسلامیة، طهران، 1365ش. "بعث الله تعالی محمداً الی خلقه رحمةً للعالمین".