كان الناس يعيشون في العصور القديمة حياة القبيلة عادة، لظروف و مقتضيات خاصة دعت الى ذلك، و لم تخرج الجزيرة العربية عن هذه القاعدة العامة حيث النظام القبلي هو الحاكم فيها، و كانت مدينة مكة المكرمة – على سبيل المثال- تعد من أهم مدن الجزيرة و كانت خاضعة لسطلة قريش المعروفة بعراقتها و كثرة فروعها.
و تشعبت قريش من كنانة، ثم انقسمت قريش فكان منها: جمح، و سهم، و عديّ، و مخزوم، و تيم، و زهرة، و عبد الدار، و أسد بن عبد العزى، و عبد مناف. و كان من عبد مناف: عبد شمس، و نوفل، و المطلب، و هاشم. و من هاشم: رسول الله (ص) و العباسيون. و من عبد شمس:بنو أمية.[1]
لكن التأريخ الاسلامي سلط الاضواء على طائفتي بني هاشم التي ينتمي اليها النبي الاكرم (ص)، و طائفة بني أمية التي ينتمي اليها أبو سفيان و معاوية و.... و ذلك للدور الكبير الذي لعبته الطائفتان في التاريخ الاسلامي إيجابا و سلبا. و قد أهمل التأريخ بني مخزوم مع الدور الخطير الذي لعبه رجالهم في مواجهة النبي الاكرم (ص) و الدعوة الاسلامية المباركة، فإن خصومة بني مخزوم للدعوة قبل الهجرة لا تقصر عن خصومة و عداء الامويين لها. نعم، كان لبعض رجالتها الدور الفاعل في اسناد الدعوة الاسلامية و مناصرتها قبل الهجرة و بعدها. و من القرائن التي تكشف عن مكانة بني مخزوم في الوسط المكي، أن احد ابواب المسجد الحرام كان يسمى بباب بني مخزوم او ان احد الاركان تسمى باسمهم.[2]
أبرز سخصيات بني مخزم
من أبرز شخصياتهم التي لعبت دوراً في التأريخ ايجاباً و سلبا، أم سلمة زوج النبي الاكرم (ص)[3]، و سلمة بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، القرشي المخزومي، كان من مهاجرة الحبشة، و كان من خيار الصحابة و فضلائهم، كانوا خمسة إخوة: أبو جهل، و الحارث، و سلمة، و العاص، و خالد. فأما أبو جهل و العاص فقتلا ببدر كافرين، و أسر خالد يومئذ، ثم فدّى، و مات كافرا. و أسلم الحارث و سلمة، و كانا من خيار المسلمين.[4] و أبو جهل الذي عرف بشدة عدائه للنبي الاكرم (ص) و الذي كان من قادة المشركين في معركة بدر التي قتل اثنائها.[5] و منهم الوليد بن المغيرة من كبير قبيلة بني مخزوم المعروف بثرائه و كثرة بنيه و هو الذي نزلت فيه الآيات 11 الى 25 من سورة المدثر.[6] و منهم خالد بن الوليد الذي عرف بعدائه للرسالة الاسلامية و كان له الدور البارز في انتصار المشركين في معركة أحد عندما استغل نزول الرماة من الجبل، و له موقف معروف مع مالك بن نويرة في فترة حكم الخليفة الاول، و إن وسمته السياسة بلقب سيف الله المسلول لاحقاً.[7]
[1] انظر:الزركلي، الأعلام،ج4،ص:218، بيروت، دار العلم للملايين، ط الثامنة، 1989. و انظر: البلعمي، تاريخنامه طبري، ج 3، ص 27، تحقيق محمد روشن، سروش، طهران، 1378ش؛ و ابن فضل الله العمري، شهاب الدين احمد بن يحيى بن فضل الله، مسالك الابصار في ممالك الامصار، ج 4، ص 368، المجمع الثقافي، ابو ظبي، الطبعة الاولى، 1423ق.
[2] أبو الفداء اسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي، البداية و النهاية، ج 6، ص 163، بيروت، دار الفكر، 1407/ 1986.
[3] أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر، الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج 4، ص 1939، تحقيق علي محمد البجاوي، بيروت، دار الجيل، الطبعة الاولى، 1412ق
[4] أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر (م 463)، الاستيعاب،ج2،ص:643، رقم الترجمة 1032، تحقيق علي محمد البجاوي، بيروت، دار الجيل، ط الأولى، 1412/1992.
[5] انظر: عبد الملك بن هشام الحميري المعافري، السيرة النبوية، ج 1، ص 710، تحقيق مصطفى السقا و ابراهيم الأبياري و عبد الحفيظ شلبي، بيروت، دار المعرفة، بلا تاريخ.
[6] الطباطبائي، سید محمد حسین، المیزان في تفسیر القرآن، ج 20 ص 86، مكتب الاعلام الاسلامي، قم، الطبعة الخامسة، 1417ق.
[7] انظر: عز الدين بن الأثير أبو الحسن علي بن محمد الجزري، أسد الغابة في معرفة الصحابة ج1 ص 586، بيروت، دار الفكر، 1409ق.