لما کان بدن الحیوانات قد رکب بطریقة یتفسخ مع انفصال الروح عنه، حیث یتعفن البدن و تتفکک اعضاؤه و خلایاها، و هذا هو القانون الطبیعی على الاجسام الحیوانیة، و من هنا یکون من المستبعد – و لیس من المستحیل- بقاء الاجسام فترة طویلة فی منأى و مأمن من التفسخ و التحلل، و لکن لما کانت القدرة الالهیة اللامتناهیة هی الحاکمة أیضا على الکون و لا یعزب عنها مثقال ذرة فی الارض و لا فی السماء[1]، فحینئذ لیس من المستغرب أن تشاء الارادة الربانیة بقاء تلک الاجسام سالمة ، و لا یتصور الانسان أن تلک العملیة من الامور المحالة عقلا، فهذا هو البشر تمکن بعلمة الناقص من حفظ الاجسام من التعفن و هذا ما وقع فعلا على ید الحضارة المصریة القدیمة و عن طریق تحنیط الاجسام المعروف "بالمومیا".
ثم إن القرآن الکریم قد اشار الى مثل هذه القضیة فی قصة العزیر الذی أماته الله مائة عام و لم یتعفن جسده و لم تتفکک اعضاء بدنه بل لم تتغیر رائحة طعامه الذی کانه معه، و هذا ما اشارت الیه الآیة المبارکة: " أَوْ کَالَّذی مَرَّ عَلى قَرْیَةٍ وَ هِیَ خاوِیَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى یُحْیی هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قالَ کَمْ لَبِثْتَ قالَ لَبِثْتُ یَوْماً أَوْ بَعْضَ یَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ فَانْظُرْ إِلى طَعامِکَ وَ شَرابِکَ لَمْ یَتَسَنَّهْ وَ انْظُرْ إِلى حِمارِکَ وَ لِنَجْعَلَکَ آیَةً لِلنَّاسِ وَ انْظُرْ إِلَى الْعِظامِ کَیْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَکْسُوها لَحْماً فَلَمَّا تَبَیَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلى کُلِّ شَیْءٍ قَدیر" .[2]
کذلک ورد فی الروایات من أدمن غسل الجمعة لم یأکل القبر بدنه.[3] و قد ثبت ذلک سواء عن طریق النقل الشفاهی أم فی المصادر التی دونت ذلک، أن المؤمن الفلانی بعد أن نبش قبره وجد بدنه سالما لم یتغیر.
من هنا نقول: صحیح أن الحالة الطبیعیة للابدان التفسخ و التفکک بعد الموت و لکن هذه القاعدة قابلة للاستثناء بقدرة الله تعالى، و لیس من المستغرب ان تجد بعض اجساد الشهداء بقیت سالمة مع مرور السنین على دفنها و ذلک للمشیئة الالهیة التی قدرت ذلک و لاسباب یعلمها الباری تعالى.