التجأ رسول الله (ص) إلی غار ثور في أطراف مکة مدة من الزمن عند هجرته إلی المدینة، [1] حتی یتخلّص من مشرکي مکة الذین کانوا یبحثون عنه. و قد تخلّص النبي الأکرم (ص) في هذا الغار بالمعجزة و بعد أن بقي فیه ثلاثة أیام توجّه إلی المدینة سالكاً الطريق غير المألوف. و قد اشار القرآن أیضاً إلی هذه الحادثة و بیّن أنه سبحانه قد أنزل السکینة القلبیة علی قلب النبي (ص) و نصره "فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَ أَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا". [2]
نفهم من هذه الآیة أن النبي (ص) لم یکن وحده في الغار بل کان معه شخص آخر عبّر عنه القرآن بـ "صاحبه". [3] و بالطبع لم یکن إنزال السکینة الإلهیة متعلّق بذلك الشخص، بل کان خاصا برسول الله (ص) و هذا المعنی تُبیّنه الآیة "إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكينَتَهُ عَلَيْهِ وَ أَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَ جَعَلَ كَلِمَةَ الَّذينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيا وَ اللَّهُ عَزيزٌ حَكيمٌ"[4] حتی أنها تبیّن بشکل واضح و دقیق إن السکینة الإلهیة لم تنزل إلا علی النبي محمد (ص) و هو –ص- الوحید الذي نصره الله سبحانه بجیوش من الغیب. أما فیما یخص هذا الصاحب في الغار و هویته، فهناک اختلاف في الأمر و أکثر المصادر الإسلامیة تنص علی أنه أبو بکر لا غیر. [5]
صحبة النبي (ص)، في هذا المکان و الزمان الحساس و إن کانت لها قیمة و تعتبر کالحضور الذي لا یطاق، في جبهات القتال، لکن لا یمکن أن نفهم من هذه الصحبة إثبات خلافة رسول الله (ص) له أو نؤیّد حقانیته بها.
[1] الفخر الرازي، أبو عبد الله، مفاتیح الغیب، ج 16، ص 50، دار احیاء التراث العربي، الطبعة الثالثة، سنة 1420 ق.
[2] التوبة، 40.
[3] هذا التعبیر لا یعني التساوي بین شخصین في الفضیلة و ... بل حتی قد یُفهم منه معنیً معاکساً. ففي الآیة 34 من سورة الکهف استعملت کلمة «لصاحبه» في شخصین کانوا من طرفین معاکسین، فواحد منهم کان من أصحاب الجنة و الآخر من أصحاب النار.
[4] التوبة، 40.
[5] مکارم الشیرازي، ناصر، تفسیر الأمثل، ج 6، ص 57، مدرسة الإمام علي بن أبي طالب (ع)، قم، 1421 ق؛ مفاتیح الغیب، ج 16، ص 50؛ العلام المجلسي، بحار الأنوار، ج 19، ص 33، مؤسسة الوفاء، بیروت، 1404 ق؛ أبو الفداء اسماعیل بن عمر بن کثیر الدمشقي (إبن کثیر)، البدایة و النهایة، ج 3، ص 184، بیروت، دار الفکر، 1407 ق.