اتفقت كلمة المفسرين الى حد ما على أن الآية المذكورة[1]، نزلت في بني النضير، و ذلك أن النبي (ص) لما قدم المدينة صالحه بنو النضير على أن لا يقاتلوه و لا يقاتلوا معه، و قبل رسول الله (ص) منهم، فلما غزا رسول الله (ص) بدرا وظهر على المشركين قالت بنو النضير: و الله إنه النبي الذي وجدنا نعته في التوراة لا ترد له راية، فلما غزا أحدا و هزم المسلمون نقضوا العهد و أظهروا العداوة لرسول الله (ص) و المؤمنين، فحاصرهم (ص) ثم صالحهم عن الجلاء من المدينة.
و قيل انّه (ص) أتاهم يسلفهم دية رجلين قتلهما رجل من أصحابه غيلة يعني يستقرض و كان قصد كعب بن الأشرف فلمّا دخل على كعب قال مرحبا يا أبا القاسم و اهلًا و قام كأنه يصنع له الطّعام و حدث نفسه ان يقتل رسول اللَّه (ص) و يتبع أصحابه فنزل جبرئيل فأخبره بذلك فرجع رسول اللَّه (ص) الى المدينة و قال لمحمّد بن مسيلمة الانصَاري اذهب الى بني النّضير فأخبرهم انّ اللَّه تعالى قد اخبرني بما هممتم به من الغدر فامّا ان تخرجوا من بلدنا و امّا ان تأذنوا بحرب فقالوا نخرج من بلادكم.[2]
و الجدير بالذكر أن روايات اسباب النزول مع اهميتها الا ان المشكلة فيها عدم الغربلة و التصفية لها حيث يوجد الكثير منها لا ينسجم مع الواقع التأريخي و لا يتماشى مع الثوابت العقائدية، فمن غير الصحيح الاطمئنان لها دائماً، و قد اشار بعض المفسرين الى هذه الحقيقة بقوله: نحن لا نعتمد روايات أسباب النزول إلا القليل البالغ حد اليقين أو الاطمئنان، لأن العلماء لم يهتموا بغربلتها و تمحيصها، كما فعلوا بأحاديث الأحكام، فبقيت على سقمها و عللها.[3]
[1] " هُوَ الَّذي أَخْرَجَ الَّذينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَ قَذَفَ في قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْديهِمْ وَ أَيْدِي الْمُؤْمِنينَ فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ". الحشر،2.
[2] الواحدي النیشابوري، اسباب النزول، ج 1، ص 221؛ طيب، سيد عبد الحسين، اطيب البيان في تفسير القرآن، ج 12، ص 467 و 468، الطبعة الثانية، انتشارات اسلام، طهران، 1378 ش؛ مكارم شيرازى، ناصر، تفسير نمونه، ج 23، ص 488-493، دار الكتب الإسلامية، طهران، 1374 ش؛ الطباطبائي، سيد محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، ج 19، ص 201، مكتب الاعلام الاسلامي، قم، الطبعة الخامسة، 1417 ق؛ حسيني همداني، سيد محمد حسين، انوار درخشان، تحقيق، البهبودي، محمد باقر، ج 16، ص 250، مكتبة لطفي، طهران، الطبعة الاولى، 1404 ق.
[3] مغنية، محمد جواد، تفسير الكاشف، ج1، ص: 227، دار الكتب الإسلامية، طهران، الطبعة الاولى، 1424 ق.