Please Wait
الزيارة
7088
محدثة عن: 2012/08/13
کد سایت fa22756 کد بایگانی 27821
گروه التفسیر
خلاصة السؤال
ما المراد من الخسران في الأعمال؟
السؤال
ما المراد من الخسران في الأعمال؟ أرجو بيان ذلك مع ذكر مصاديق ذلك.
الجواب الإجمالي

الخسران من المواضيع التي سلّط القرآن الكريم عليها الأضواء عدة مراّت، حيث وردت مادة "خسر" 56 مرة بمشتقاتها المختلفة في هذا الكتاب المقدس. و كما أن الخسران هو أمر نسبي في الأمور المادية، لذلك يتراءى لمن أفلس بالكامل أنه خاسر كما يتراءى لمن حصل على ربح أقل من المتوقع، و هذا الامر يجري في الأمور المعنوية كذلك. لذلك نجد أولياء الله يعتبرون أنفسهم من الخاسرين و يضعون أنفسهم موضع التقريع الشديد على تقصيرهم في تحصيل الفائدة الكاملة مع توفر الظروف المناسبة لذلك، و في نفس الوقت يوجد أفراد يزيد خسرانهم بمراتب عن هؤلاء فإنهم ليسوا قد حرموا من الفائدة فحسب، بل قد إبتلوا باضرار و خسارات جسيمة أثقلت كاهلهم.

على كل حال، قد ذكر القرآن و كذلك روايات أهل البيت (ع) مصاديق مختلفة للخاسرين، منها: "قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً*الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيهُمْ في الحْياةِ الدُّنْيَا وَ هُمْ يحَسَبُونَ أَنهَّمْ يحُسِنُونَ صُنْعًا* أُوْلَئكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِايَاتِ رَبِّهِمْ وَ لِقَائهِ فحَبطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لهَمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا* ذَالِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُواْ وَ اتخَّذُواْ ءَايَاتيِ وَ رُسُليِ هُزُوًا".[1]

فهذه الآيات من القرآن الكريم تبين أن أخسر الناس هم الذين يقترفون المعاصي ظناٌ منهم أنهم يحسنون صنعاً. فالشيطان يلقي هذا الظنّ و الواهم في أذهانهم و يزيّن لهم أعمالهم القبيحة بوسوسته و بسوء إستفادته من فطرة الإنسان المحبة للخير الطالبه له.[2]

أما لماذا عبّر عنهم القرآن بالأخسرين إعمالا؟ فقد ذكر المفسّرون نكاتاً و ملاحظات جميلة، نشير الى بعض منها كما جاء في أحد التفاسير:[3] "نلاحظ في حياتنا و حياة الآخرين، أن الإنسان عندما يقوم بعمل خاطئ و يعتقد أنه صحيح، فإن جهله المركب هذا لا يدوم أكثر من لحظة أو موقف أو حتى سنّة، أما أن يدوم على امتداد عمره فذلك هو سوء الحظ و هو الخسران المبين. لهذا وجدنا القرآن الكريم يسمّي مثل هؤلاء الأشخاص بالأخسرين، لأن الذي يرتكب الذنب و هو يعلم بذلك، فإنه سيضع حدّاً لما هو فيه و يعوّض عن الذنب بالتوبة و العمل الصالح، أما أولئك الذين يظنّون – طوال حياتهم- أن ذنوبهم عبادة و أعمالهم السيئة أعمالاً صالحة، و إنحرافهم استقامة، فإن مثل هؤلاء لا يستطيعون التعويض عن ذنوبهم و جبران الخلل الذي وقعوا فيه، بل يستمرّون فيما هم عليه إلى نقطة النهاية، فيصدق بحقهم التعبير القرآني: "بالأخسرين أعمالا".

و قد وردت في الروايات تفاسير مختلفة لـ "الأخسرين أعمالا" و كل منها تشير إلى مصداق بيّن لهذا المفهوم الواسع، من غير أن تحده و تعينه.

ورد في حديث عن الأصبغ بن نباته أن شخصاً جاء لأمير المؤمنين (ع) يسأله عن تفسير هذه الآية فقال: "كفرة أهل اليهود و النصارى فقد كانوا على الحق فابتدعوا في أديانهم "و هم يحسبون أنهم يحسنون صنعا" ثم نزل عن المنبر و ضرب بيده على منكب إبن الكوّاء ثم قال: يا إبن الكوّاء و ما أهل النهروان منهم ببعيد![4] و توجد في حديث آخر إشارة إلى الرهبان (تاركي الدنيا من الرجال و النساء) و أهل البدع من المسلمين.[5]

بعد هذا الكلام نطرح هذا السؤال و هو: ما هو منشأ هذه الحالة الإنحرافية؟ من المسلم به أن التعصّبات الشديدة و الغرور و التكبّر و الأنانية و حبّ الذات تعتبر من أهم عوامل ظهور هذه الظنون الخاطئة.

و قد يكون سبب ظهورها هو التزلّف و المداهنة و الإنزواء، و قد يكون السبب هو الشعور بالغرور و الإفتخار و المباهاة بهذه الأعمال القبيحة بدلاً عن الخجل من اقترافها و التنفر منها.

 


[1]  الكهف، 106 ـ 103.

[2]  الأنعام، 43، الأنفال، 48، النمل 24، العنكبوت 38، ...

[3]  مكارم الشيرازي، ناصر، تفسير الأمثل، ج 9، ص 380، مدرسة الإمام علي بن أبي طالب (ع)، قم، 1421 ق.

[4]  المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج 10، ص 122، مؤسسة الوفاء، بيروت، 1404 ق.

[5]  نفس المصدر، ج 2، ص 298.