قبل الدخول في الجواب، لا بد من التذكير بأن موضوع السؤال ينطلق من عبارتين من الخطبة المعروفة بالخطبة الفدكية للسيدة الزهراء (س) بنت النبي الأكرم محمد (ص) و هذه الخطبة ألقتها عندما وصل إليها خبر تصميم الخليفة الأول على إسترجاع فدك منها.[1] و هذه الخطبة مروية في المصادر الروائية و التاريخية للشيعة و السنّة و بأسناد متعددة و لكن بقليل من الإختلاف في النص.[2]
فالسيدة الزهراء (س) في هذه الخطبة و بعد الحمد و الثناء و بيان النعم الإلهية تعرضت لفلسفة الخلق و كذلك فلسفة الأحكام الشرعية الإلهية حيث قالت:
1ـ "و طاعتنا نظاماً للملة"،[3] فهذه الجملة و الجملة التي بعدها عطف على عبارة "فجعل الله الإيمان ...." التي وردت في هذه الخطبة. فيكون المعنى أن الله سبحانه و تعالى جعل طاعتنا سبباً للنظم في الدين الإسلامي.
و من الواضح الذي لا غبار عليه أن طاعة أهل البيت (ع) سبب لنظم الدين، و ذلك لأن هذه الطاعة تجمع كل أفرادها حول محور الدين و هذا المحور يبينه الإمام الذي هو الأعلم و الأتقى و الجامع لكل الكمالات. و لاريب أهل البيت (ع) هم أكثر الناس علما بحقائق القرآن و أكثرهم إطلاعاً بها، لأن علمهم متصل بمبدأ الوحي فمن الطبيعي يحصل الإنسجام و التوحيد في المسائل الدينية بحكم طاعتهم.
2ـ "و إمامتنا أماناً من الفرقة (للفرقة)"
فقد طرحت السيدة الزهراء (س) هنا مسألة الإمامة و تعني بذلك تنبيه الخليفة و الناس بأن الإمامة و خلافة النبي محمد (ص) هي من شؤونهم، و قد أعطاها الله سبحانه لهم للحد من فرقة الناس و لجمعهم حول محور واحد. و بتعبير آخر، إن الله جعل الإمامة، لكي لا تفترق الأمة الإسلامية و لكي لا يذهب كل إلى جهة، و جعلها محوراً يقرّه العقل. فلو كان لشخص الرجحان على باقي البشر في كل النواحي، العلمية و التقوائية و في التدبير و العدالة و في إرتباطه بالله سبحانه و غير ذلك، فمن الطبيعي يتحتم على الجميع الإلتفاف حوله، عندها لا تحصل أي فرقة و لا تشتت. و هذا الكلام مستلهم من حديث الثقلين[4] و قد ذكرته السيدة الزهراء (ع) في خطبتها الفدكية. فعندما يقول النبي (ص)، إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبداً.
فهاتان العبارتان في الحقيقة بيان لمضمون واحد و هو أن نظام الدين الإسلامي و بقاءه و صيانته من التفرقة و التشتت، لا يكون إلا في ظل قيادة أهل البيت (ع). و مما يجدر قوله إن بعض المحققين[5] فسّر "الملة" هنا "بالأمة" و لا منافاة بين هذا المعنى و المعنى الذي بيّناه.
و من البديهي أن لكل مجتمع قطب فكر لنظامه و بقائه، و لا يكون هذا القطب إلا على رأس الهرم ليمكنه جذب كل الأفكار و الآراء إليه و ليملأ و يسدّ الفراغ الموجود من هذه الناحية، و عندها لا تبقى أرضية لأي إختلاف.
إن الشريعة الإسلامية و المجتمع الإسلامي أيضاً يتطلبان إتباع أهل البيت (ع) و طاعتهم لحفظهما من كل إختلاف و تفرقة في جميع الأبعاد، لأنهم و باتصالهم بالمصدر الحيوي و بعالم الغيب، يؤمّنون الرشد الفكري للبشرية في جميع الجهات، بدءاً من الإقتصاد و مرورا بالحقوق و الأحكام و إنتهاء بالسياسة و نظم الأمر.
[1] راجعوا: إبن أبي طاهر، أحمد، بلاغات النساء، ص 23 ـ 31، الشريف الرضي، قم، الطبعة الأولى، بي تا، الطبري، الآملي لصغير، محمد بن جرير بن رستم، دلائل الإمامة، ص 109 ـ 125، البعثة، قم، الطبعة الأولى، 1413 ق، العروسي الحويزي، عبد علي بن جمعة، تفسير نور الثقلين، تحقيق، الرسولي المحلاتي، سيد هاشم، ج 1، ص 450، إنتشارات إسماعيليان، قم، الطبعة الرابعة، 1415 ق.
[2] الجواهري البصري، احمد بن عبد العزيز، السقيفة و فدك، المحقق و المصحح: الأميني، محمد هادي، ص 137 ـ 145، مكتبة نينوى الحديثة، طهران، بي تا، الطبرسي، احمد بن علي، الإحتجاج، ج 1، ص 97 ـ 108، المحقق و المصحح: الخرسان، محمد باقر، نشر المرتضى، مشهد، الطبعة الأولى، 1403 ق، بلاغات النساء، ص 26 ـ 31، إبن حاتم، الشاملي، جمال الدين يوسف، الدر النظيم في مناقب الأئمة اللهاميم، ص 465 ـ 478، مؤسسة النشر الإسلامي، قم، الطبعة الأولى، 1420 ق.
[3] السقيفة و فدك، ص 139، الإحتجاج، ج 1، ص 99.
[4] راجعوا المواضيع: دلائل الإعتقاد بالإمامة و الأئمة، 1362، الصحيح البخاري و حديث الثقلين، 11097.
[5] راجعوا: الحسيني الزنجاني، سيد عز الدين، شرح خطبة السيدة الزهراء (س)، ص 365، بستان الكتاب، قم، الطبعة العاشرة، 1387 ش.