من المواضيع التي یبحث عنها في علم الأخلاق، موضوع "الغفلة". لقد تناول علماء الأخلاق، في آثارهم وكتبهم، هذا الموضوع بالتفصيل. ومن الفصول التي نوقشت في هذا الشأن هي أسباب وعوامل ایجاد الغفلة في الإنسان.
الغفلة كما ورد في تعريفها؛ اختفاء الشيء من الذهن بعد الانتباه إليه: «الْغَفْلَةُ السَّهْوُ عَنِ الشَّيْءِ».[1] الغفلة عبارة عن وقوع حجاب علی عقل الإنسان وقلبه يبعده عن الواقع. وقد جاء في القرآن الكريم في هذا الصدد: «... لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَ لَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَ لَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ .... هُمُ الْغافِلُون».[2]
قد يكون المراد من الغفلة هنا اعم من الغفلة عن ذکر الله، أو الغفلة عن آیاته، أو الغفلة عن الآخرة، او بتعبير آخر، الغفلة عن كل ما يقود الإنسان إلى الكمال: «وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ».[3]
مع هذه المقدمة، ينبغي أن يقال؛ انّ أهم أسباب ایجاد الغلفة التی اشیر الیها في الآيات والأحاديث هی:
- المیل الی الدنیا: يعتبر القرآن الكريم المیل الی الدنیا والاهتمام الشديد بها من أسباب الغفلة ويقول في هذا الصدد: «إِنَّ الَّذينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَ رَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَ اطْمَأَنُّوا بِها وَ الَّذينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُون».[4]
قال الإمام الباقر(ع) لجابر: «يَا جَابِرُ إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَرْكَنَ وَ يَطْمَئِنَّ إِلَى زَهْرَةِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَ اعْلَمْ أَنَّ أَبْنَاءَ الدُّنْيَا هُمْ أَهْلُ غَفْلَة».[5]
- تسلط الشيطان: سبب آخر من اسباب الغفلة، هو تسلط الشيطان واستيلاؤه على الإنسان: «اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ...».[6]
انّ من أعمال الشيطان هو اخراج ذكر الله من ذهن الإنسان و فكره وابتلاؤه بالغفلة.
- اتباع الهوی: يقول الله تعالى في ما یتعلق باتباع الهوی والغفلة: «وَ لا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِکْرِنا وَ اتَّبَعَ هَواهُ وَ کانَ أَمْرُهُ فُرُطا».[7]
- طول الامل: سبب آخر من اسباب الغفلة هو الامال والرغبات الطویلة. لأن الأمال الطويلة تشغل جميع فكر الإنسان وعقله وتسبب له الغفلة عن أمور أخرى. يقول الإمام علي(ع) في هذا الصدد: «إِنَّ الْأَمَلَ يُسْهِي الْقَلْبَ وَ يُكْذِبُ الْوَعْدَ وَ يُكْثِرُ الْغَفْلَة».[8]
- النظرة السطحية: تعتبر التعاليم الدينية النظرة السطحية تجاه حياة الدنیا أحد أسباب الغفلة: «يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ هُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ».[9]
انّ مظاهر الدنیا ربما تکون، من ناحية، سببا للغفلة، ومن ناحية أخرى، سببا لكمال الانسان؛ وهذا يعتمد على كيفية تعاملنا مع الدنیا. لان الإنسان إذا کان قد هیّأ لنفسه أرضية من قبل، فانه عندما یواجه أي مظهر من مظاهر الدنیا سوف یعتبر ذلک نعمة من الله؛ لذلك، فإنه ليس فقط لا یغفل بمجرد رؤیتها، بل يتذكر الله. و إذا كان الإنسان، في تعامله مع مظاهر الدنیا، منتبه للحرام و الحلال، وقام بالواجبات التي كلّفه الله بها، فلن تكون هذه الدنيا خادعة له ومضلة. ولكن إذا كان في حياته يهتم فقط بمظاهر الدنیا وأصبح مشغولا بالملذات المادية، فمن الواضح أن هذا المظهر سيجعله غافلا عن الآخرة والغرض من الخلق الذي هو الكمال والسعادة.
[1]. الطبرسي، الفضل بن الحسن، مجمع البيان في تفسير القرآن، ج 1، ص 280، ناصر خسرو، طهران، 1372ش؛ طريحي، فخر الدين، مجمع البحرين، ج 5، ص 435، طهران، كتابفروشى مرتضوى، 1375ش.
[2]. الأعراف، 179.
[3]. یونس، 92.
[4]. یونس، 7.
[5]. ابن شعبه الحراني، الحسن بن علي، تحف العقول، المحقق، المصحح، الغفارى، علي اكبر، النص، ص 287، قم، جامعه المدرسين، الطبعة الثانیة، 1404 ، 1363ق.
[6]. المجادله، 19.
[7]. الکهف، 28
[8]. الثقفي، ابراهيم بن محمد بن سعيد بن هلال، الغارات، المحقق، المصحح، الحسيني، عبدا لزهراء، ج 2، ص 436، قم، دار الكتاب الإسلامي، الطبعة الاولی، 1410ق.
[9]. الروم، 7.