يقول الله تعالی في كيفية مواجهة الأعداء (التكتيكات العسكرية) في ساحات القتال: «فَإِذا لَقيتُمُ الَّذينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَ إِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ذلِكَ وَ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ وَ لكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَ الَّذينَ قُتِلُوا في سَبيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُم».[1] نعم هذه هي الخطة.
من الواضح أنه في خضم المعركة، لا يوجد شيء سوى القتال والقتل. ولن يكون من الحكمة ان نظن أن هناک مدرسة تنصح بتجنب أي ضرر للعدو في ذروة المعركة!
ومعنى الآية هو أنه إذا أصر أعداء الله على الكفر والعداوة، ودارت معركة بينكم وبينهم، فلا تكونوا رحماء ومشفقین في خضم المعركة اکثر من اللازم، بل قاتلوهم حتى يستسلموا لكم.
لذلك فإن المقصود من "اللقاء" في عبارة «فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ»، هو مواجهة الكفار في ساحة المعركة. وإذا قال «ضرب الرقاب» یعنی اضربوا أعناقهم؛ لأن أسهل وأسرع طریقة لقتل العدو في ذلك الوقت كانت ضرب أعناقهم.
«حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ»، إن کلمة الاثخان بمعنی اکثار القتل فی العدو، والغلبة والسیطرة علیهم. ولذلک یقال: «اثخنه المرض»، یعنی اشتد مرضه علیه و «اثخنته الجراح» یعنی اشدت وکثرت جروحه العمیقة.[2]
«الوَثاق» بفتح الواو، و کذلک«الوِثاق» بكسر الواو، كلاهما اسمان لما یشد ویربط به الشیء.[3]
وبكلمة "حتى" يتضح أن معنى هذا الجزء من الآية هو أن حاربوا الكفار حتى تكثر قتلاهم لدرجة أن یتغیر توازن المعركة لصالحكم، وبعد ذلك تأسروا الأعداء وتشدوا ایدیهم وارجلهم بإحكام. لذلك، فإن معنى «شد الوثاق» هو أسرهم وربطهم وشدهم بإحكام.
ینبغی أن یقال، إذا كان الله قد جعل في هذه الآية الأسر بعد "الاثخان"، فان ذلک في الواقع لاجل تبیین معنى الآية، «ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ».[4]
تحدد هذه العبارة من الآیة الکریمة «فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَ إِمَّا فِداءً»، مصير الأسارى بعد انتهاء المعركة وتعلن أنه بعد القبض عليهم إما أن تمنوا علیهم وتطلقوا سراحهم دون قيد أو شرط أو تُطلقوا سراحهم مقابل عوض؛ أي، تطلقوا سراحهم مقابل مال أو مقابل تحرير أسراکم الذین عندهم.
«حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها»، «اوزار الحرب» يعني أعباء الحرب، أی الأسلحة التي يحملها والمقصود من وضعها علی الارض کنایة عن انتهاء الحرب.[5]
التفسير الآخر هو أن المراد من ذلک(تضع الحرب) بيان لانتهاء ضرب الرّقاب وشدّ الوثاق يعنى انّ ضرب الرّقاب وأسر الرّجال ليس الّا ما دامت الحرب قائمة فاذا انقضت الحرب فلا تتعرّضوا لهم. [6]
علی ای حال، ان هذا الحكم ينطبق على ساحة المعركة. لأن کلمة «لقيتم» من مادة «اللقاء» في مثل هذه الحالات تعني الحرب. وفي نفس هذه الآية شواهد وقرائن عدیدة على هذا المعنى؛ مثل «حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها»، فإن الأسر والاستشهاد في سبيل الله، الوارد في ذیل الآية، شاهد و دلیل على هذا المعنى.
من البدیهی، أن الإنسان عندما يواجه عدوه في ساحة المعركة، إذا لم يکبده ضربات شدیدة وقاسیة وحاسمة بأكبر قدر ممكن من القوة، سیتم هلاکه، وهذا أمر منطقي تمامًا. إذن، لو أن مدرسة اقترحت أسهل الطرق لقتل الاعداء، وبعد الانتصار النسبي، أوصت بوقف القتل ثم أسر الأعداء حتى يمكن إطلاق سراحهم لاحقًا بعوض أو بغیر عوض، فسيعتبر اقتراحها إنسانيًا تمامًا.[7]
[1]. محمد، 4.
[2]. الطبرسي، الفضل بن الحسن، مجمع البیان فی تفسیر القرآن، مقدمه، البلاغي، محمد جواد، ج 9، ص 147، طهران، ناصر خسرو، الطبعة الثالثة، 1372ش.
[3]. الراغب الأصفهانی، الحسین بن محمد، المفردات فی غریب القرآن، تحقیق، الداودي، صفوان عدنان، ص 853، دمشق، بیروت، دارالقلم، الدار الشامیة، الطبعة الاولی، 1412ق.
[4]. انفال، 67.
[5]. الطباطبائي، السید محمد حسین، المیزان في تفسیر القرآن، ج 18، ص 224- 225، قم، مکتب النشر الاسلامی، الطبعة الخامسة، 1417ق..
[6]. الگنابادي، سلطان محمد، تفسیر بیان السعادة فی مقامات العبادة، ج 4، ص 82، بیروت، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، الطبعة الثانیة، 1408ق.
[7]. للمزید من المعلومات حول هذا الموضوع راجع الإجابة ۷۳۳۲۹ .