علی الرغم من أن لبعض الذین نصروا الإمام الحسين(ع) واستشهدوا معه في النضال ضد اضطهاد يزيد، منزلة خاصة ومکانة متمیزة عند الله، ولن يصل أحد إلى تلک المنزلة والمکانة، لكن لا یمکننا ان نحکم بالسویة علی بعض الأشخاص الذين كانوا من أتباع هذا الإمام العظيم، ولكن لم یوفقوا للشهادة بین یدیه، لسبب ما؛ لان:
أولاً: لأن الإمام الحسين(ع) لیس فقط لم يُلزمهم بمرافقته في هذه الرحلة، بل حتی أنه جعل بعض أصحابه الذين رافقوه إلى كربلاء في حلّ من بیعته.[1]
ثانياً: على الرغم من أنّ استشهاد الإمام الحسين(ع) کان أمرا مسلّماً وحتمیا عند أتباعه بسبب إخبار النبي(ص) والإمام علي(ع)[2] عن ذلک، ولکن استشهاده(ع) في هذه الرحلة وقبل وصوله إلى الكوفة والاستیلاء علی السلطة، لم يكن امرا قطعیا، بل بالنظر الی بیعة الآلاف من الکوفیین، کان یبدوا هذا الامر بعیدا عن النظر.
ثالثًا: ان رفض الإمام الحسين(ع) البیعة ليزيد كان بداية صراع ولکن لم يتضح ذلک لجميع الشيوخ بأن هذه الخطوة ستؤدي إلى شهادة الإمام(ع) وأصحابه.
رابعاً: عندما غادر الإمام الحسين(ع) المدينة المنورة ودخل مكة، دعاه أهل الكوفة لقيادة شيعة تلك المنطقة. ولهذا الغرض، وقبل أن يرحل إلى تلک البلاد، أرسل مسلم بن عقيل إلى الكوفة ممثلاً له؛ فبایعه أهل الكوفة. بعد ذلک أرسل مسلم بن عقیل رسالة إلى الإمام(ع) بأن أهل الكوفة مستعدون لاستقبالكم؛ وهنا اقترح عبد الله بن عباس على الإمام(ع)، بأنه إذا قررت الخروج من مكة على أي حال، فاذهب إلى اليمن، حيث أن لأبیک بها شيعة کثیرة، ولاتقرب الكوفة، لأن أهلها لا وفاء لهم.[3]
على أي حال، قرر الإمام الحسين(ع) الذهاب إلى الكوفة، وبعد المرور عبر منطقتي "التنعيم"،[4] و "وادي العتيق"،[5] واصل سیره على عجل حتى وصل إلى "ذات عرق"،[6] ثم نزل في "الحاجز" من بطن الرمّة، وبعث قیس مع رسالة إلى مسلم بن عقیل لإعلام أهل الكوفة بمسیره الیهم، ثم انطلق[7] حتی وصل إلى الثعلبية، حيث اطلع هناک علی استشهاد مسلم بن عقیل وهاني بن عروة.[8] فاستمر في طريقه حتى وصل إلى منطقة "الزبالة".[9]
وفي ذلك المکان اطلع علی استشهاد عبد الله بن يقطر. ثم تحدّث مع أصحابه وأخبرهم باستشهاد مسلم بن عقیل وهاني بن عروة وقيس وعبد الله، وسمح لهم بالعودة.[10] فتفرق الناس عنه، ولم يبق معه سوى أهل بیته وأصحابه المنتجبین. ثم واصل سیره حتى مر ببطن "العقبة"[11] ثم وصل الی "شراف" فنزل بها وقضى الليل هناك.[12]
وفي الصباح عندما تحرک الامام(ع) نحو الکوفة بدا له جيش ابن زیاد من مسافة بعیدة. وهنا منع جيش ابن زیاد الإمام الحسين(ع) من دخول المدينة، لذلک ترک طریقه وواصل سیره عبر العذیب والقادسية، وهنا وصل کتاب من عبيد الله بن زیاد الی الحرّ بن یزید الریاحی یأمره بالضغط علی الإمام الحسين(ع)، وهکذا وصل الإمام الحسين(ع) إلى كربلاء في الثاني من محرم عام 61 وضرب هناک خیامه.[13] وهنا ایقن الإمام(ع) أن هذه الأرض هي موضع مصرعه ومصرع أصحابه.
وعندما كان الإمام الحسين(ع) في طريقه من مكة إلى كربلاء دعا بعض الشيوخ القاطنین في تلک النواحي الی مرافقته، فقال لهم: إما أن تنضموا إلي وإما أن تتنحوا و تبتعدوا عن قافلتي، لأنه إذا سمعتم ندائی يوم عاشوراء حین استنصرکم، فلم تبادروا الی نصرتي ستکونون آثمین.
بالإضافة إلى ذلك، حتى في ليلة عاشوراء، قال الامام الحسین(ع) لأصحابه أنه يمكنكم استغلال هذه الفرصة والعودة إلی منازلکم. لذلك، لو أن بعض الناس ودّعوا الإمام(ع) في ذلک الوقت وذهبوا الی منازلهم، لما ارتكبوا ذنبا. لکن بالنسبة الی يوم عاشوراء، فانه اذا کان هناک أحد قد سمع صوت الإمام حین يطلب المساعدة ولم یقم بمساعدته ونصرته، فإنه آثم، وبطبيعة الحال فان ابن عباس وعبد الله بن جعفر لم یکونا في هذه المنطقة حتی یسمعوا صوت استنصار الامام(ع).
[1]. راجع: الشیخ المفید، الإرشاد فی معرفة حجج الله علی العباد، ج ۲، ص ۹۱، مؤتمر الشیخ المفید، قم، الطبعة الأولی، 1413ق.
[2]. الشیخ الصدوق، الأمالی، ص ۱۳۴، الاعلمی، بیروت، الطبعة الخامسة، 1400ق.
[3]. الطبری، أبو جعفر محمد بن جریر، تاریخ الامم و الملوک(تاریخ الطبری)، تحقیق، ابراهیم، محمد أبو الفضل، ج 5، ص 383، دار التراث، بیروت، الطبعة الثانیة، 1387ق؛ المسعودی، ابو الحسن علی بن الحسین، مروج الذهب ومعادن الجوهر، تحقیق، داغر، اسعد، ج 3، ص 54، دار الهجرة، قم، الطبعة الثانیة، 1409ق.
[4]. الارشاد في معرفة حجج الله علی العباد، ج 2، ص 68
[5]. نفس المرجع
[6]. نفس المرجع، ص 69؛ اللهوف في قتلی الطفوف، ص 69.
[7]. الارشاد في معرفة حجج الله علی العباد، ج 2، ص 70؛ ابن شهر آشوب المازندرانی، مناقب آل أبی طالب(ع)، ج 4، ص 95، منشورات العلامة، قم، چاپ اول، 1379ق.
[8]. الطبرسی، فضل بن الحسن، اعلام الوری بأعلام الهدی، ج 1، ص 447، مؤسسه آل البیت(ع)، قم، الطبعة الأولی ، 1417ق.
[9]. الارشاد فی معرفة حجج الله علی العباد، ج 2، ص 75؛ البلاذری، احمد بن یحیی، انساب الاشراف، ج 3، ص 168، دار الفکر، بیروت، الطبعة الأولی، 1417ق.
[10]. الارشاد في معرفة حجج الله علی العباد، ج 2، ص 75 – 76؛ أنساب الأشراف، ج 3، ص 168 – 169.
[11]. الارشاد في معرفة حجج الله علی العباد، ج 2، ص 76؛ اعلام الوری بأعلام الهدی، ج 1، ص 447.
[12]. الارشاد في معرفة حجج الله علی العباد، ج 2، ص 76؛ أنساب الأشراف، ج 3، ص 169.
[13]. الارشاد في معرفة حجج الله علی العباد، ج 2، ص 80 – 83.