نعم، هناک بعض الادیان غیر الالهیة کالبوذیة مثلا حیث تذهب بعض التحلیلات و دراسات الادیان الى نفی صفة الإلهیة عن هذه الدیانة.
نعم، توجد أدیان لا یکون المنشأ لها و المصدر الذی تنطلق منه إلهیاً. و الجدیر بالذکر هنا أن دراسات الادیان تشیر الى کون جذور هکذا ادیان فی الحقیقة یعود الى رؤیة أو نظرة فلسفیة طرحها صاحبها فی حینه و لکن لاسباب ما تحولت تلک النظرة الفلسفیة للحیاة الى دین یدین بها اتباع ذلک الفیلسوف، فعلى سبییل المثال نجد الکونفوشیوسیة فی الصین و بالرغم من کون البعض من الباحثین الصینیین و اتباع تلک الدیانة یتعتقدون بان جذورها تعود الى الدیانة البوذیة فهی فرع من تلک الدیانة، و لکن الحقیقة تشیر الى خلاف ذلک فان الرجل (کونفوشیوس) لم یکن نبیاً و لم یکن تابعا لبوذا و انما صاحب رؤیة عقلیة و نوع من النظرة الفلسفیة للحیاة، و لکن مع ذلک تدرج الکونفوشیوسیة ضمن الادیان التی تبحث عند دراسة تاریخ الادیان. و هکذا الکلام بالنسبة للدیانة الطاویة أحدى الدیانات الشرقیة فانها لیست دینا بالمعنى الحقیقی للدین، و هناک الکثیر من الادیان لا تمتلک رؤیة ما ورائیة فلا تؤمن بوجود إله وراء المادة، بل هذا الأمر یصدق على الدیانة البوذیة وفقا لبعض التفسیرات، و ذلک لان الموقف التحلیلی للدیانة البوذیة انشطر الى عدة اتجاهات و رؤى، تذهب الاولى منها الى إیمان بوذا بوجود الإله لکنه فی الوقت نفسه لا یرى لذلک الإله دوراً فی حیاة الانسان و من هنا وضع الایمان بالله جانباً فلم یتجد له فی الفکر البوذی أی أثر فی الحیاة، و الرؤیة الثانیة تنفی من الاساس إیمان بوذا بوجود الله.
نعم، هناک رؤیة ثالثة یستند اصحابها الى بعض الروایات تذهب الى القول بأن بوذا کان نبیّاً و مرسلا من الله تعالى برسالة و لکن رسالته حرفت على مر التأریخ، و هذا ما یذهب الیه بعض المحققین و یصر على تبنّیه. و لکن الرأی المشهور بین الباحثین هو عدم کون البوذیة دیانة إلهیة.
و أما الادیان الثلاثة المعروفة (الاسلام، المسیحیة، الیهودیة) فکلها أدیان ذات منشئ و منطلق إلهی على اختلاف فی تفسیر معنى الاله و کیفیة الارتباط به و ما هو الاسلوب الامثل للتکامل البشری و... فالجمیع تشترک بکونها دیانات إلهیة. نعم، هناک دیانات إلهیة أخرى لکنها لیست بمستوى الدیانات الثلاثة شهرة و اتباعاً کالصابئة التی جاء ذکرها فی القرآن الکریم، فان اتباع هذا الدین موجودون الآن رغم قلتهم و ینسبون دینهم الى النبی یحیى المعمدان و هذا فی الحقیقة انتساب الى نبّی إلهیّ، و هناک أدیان إلهیة أخرى لکنها انقرضت على مر التأریخ فلم یبق من إتباعها أحد، و هناک من یدعی أن بعض الادیان القومیة و القبائلیة هی الأخرى ذات منشئ إلهی! و على هذا التفسیر عندما ننظر الى الدین نرى فی الواقع أن الله تعالى الذی خلق الانسان و الذی یعرف مبدأه و منتهاه و یعلم حاجته الى بامور لابد أن تتوفر للانسان لیتمکن من الوصول الى الغایة التی یروم الرصول الیها و قد تکفل العقل بتحمل مسؤولیة توفیر بعض تلک المستلزمات و کما ورد فی الروایات "إن لله على الناس حجتین" أی ما یمکن الاستدلال به طریقان الاول طریق الانبیاء و العقل، فالحجة الظاهریة هی حجة الانبیاء و کلام الوحی و الحجة الثانیة باطنیة تتمثل فی العقل، و من هنا وهب الله تعالى للانسان العقل الذی هو شعاع من النور الذی لو توفر للانسان لاستطاع من خلاله تأمین جانباً کبیراً مما یحتاج الیه فی حرکته التکاملیة، و بالاضافة الى العقل منح الله تعالى الانسانَ غریزة المیل نحو التدین و نحو القیم و المفاهیم السامیة؛ بمعنى أن الانسان لم یخلق و هو یحمل میلا واحداً یتجه باتجاه المادیات فقط و لم یخلق مجرداً عن المیول و الغرائز کافة، بل خلق و هو یحمل بالاضافة الى المیول المادیة میلا نحو التدین و المفاهیم المعنویة و هذا ما اشارت الیه الآیة المبارکة "فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْها" [1] و هذه الفطرة متوفرة لدى جمیع ابناء النوع الانسانی، کالعقل الذی یتوفر لدى إبناء النوع الانسانی الا فی موارد نادرة لا تضر بتلک العمومیة، فالانسان یتوفر على العقل من جهة و على میل نحو المعنویات و القیم العالیة و ما وراء الطبیعة من جهة أخرى، ثم زوده بالحجة الثانیة التی ازاحت الستار عن عالم آخر و هذه الحجة تتمثل بالانبیاء و الرسل و هو ما عبرت عنه الروایة "بالحجة الظاهرة"، و من هنا جاء الانبیاء و هم یحملون رسالة السماء التی تحمل فی طیاتها ما لا یدرکه العقل البشری عادة و هذا ما أشار الیه القرآن الکریم بقوله "وَ یُعَلِّمُکُمْ ما لَمْ تَکُونُوا تَعْلَمُونَ"[2] ؛ بمعنى أن الحجة الظاهرة تأتی بما یعجز العقل عن العلم به مطلقا او أنه بحاجة الى طری مرحلة معرفیة طویلة تستغرق عدة قرون لادراک تلک المفاهیم و هذا فی الواقع فاصلة کبیرة جداً یحرم خلالها من الانتفاع بتلک المعارف السامیة.
من هنا لابد من الوحی لیأخذ بید الانسان نحو تلک المعارف التی هو بحاجة ماسة الیها و بهذا تکتمل الحلقة و یتوفر للانسان العناصر الادراکیة التی تساعده فی تحقیق الهدف المنشود من وراء الخلق و المتمثل فی قوله تعالى "وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلاَّ لِیَعْبُدُون"[3] و لاریب و کما یقول صدر المتألهین رحمه الله: لکی نعبد لابد من توفر المعرفة حیث تتناسب العبادة طردیا مع المعرفة فکل یعبد بحسب ما هو علیه من معرفة و إدراک - و ان لم یصل الى الحد المطلوب- من هنا لابد من المعرفة التی تخلق الایمان الذی یجعل من الانسان انساناً حقیقة.
تحصل أن الانسان و منذ أن وطأت قدماه الارض لم یخل من عنصر الحجة سواء کانت الحجة الباطنیة او الظاهریة و قد تجتمع الحجتان معا و هذا ما توفر مع سلسلة الانبیاء الالهیین الذین تحدث القرآن الکریم عن الکثیر منهم کنماذج تربویة و اخلاقیة و ترک الکثیر منهم لعدم مساس الحاجة لتتعرض لهم و هذا ما اشارت الیه الآیة المبارکة "وَ رُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَیْکَ مِنْ قَبْلُ وَ رُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَیْکَ وَ کَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَکْلیما".[4]