یحدثنا التأریخ أن الامام (ع) رمى بدمائه الطاهرة و دماء ولده عبد الله الرضیع الى السماء بعد اصابته بنبل فی نحره الشریف. و لعل فلسفة ذلک أن الامام (ع) أراد بعمله هذا أن یؤصل نداء ثورته الى البشریة على مر الدهور و الاعصار عبر تلک الدماء الزاکیة، و انه (ع) أراد لثورته ان تتضمخ بدماء الشهادة لیدونها التاریخ بذلک اللون القانی الذی یجعلها راسخة فی ضمیر الانسانیة الى یوم القیامة.
روى الطبری عن هشام، عن عمرو بن شمر، عن جابر الجعفی، قال: عطش الحسین حتى اشتد علیه العطش، فدنا لیشرب من الماء، فرماه حصین بن تمیم بسهم، فوقع فی فمه، فجعل یتلقى الدم من فمه، و یرمى به الى السماء، ثم حمد الله و اثنى علیه، ثم جمع یدیه فقال: اللهم احصهم عددا، و اقتلهم بددا، و لا تذر على الارض منهم أحدا.[1]
و قد تکرر منه (ع) ذلک عندما قتل ولده الرضیع عبد الله حیث رمّى الامام بدمه الطاهر الى السماء أیضاً.[2]
واما فلسفة عمل الامام (ع) هذا فیمکن القول فیه أن الامام أراد بعمله هذا أن یؤصل نداء ثورته المضمخة بالدماء الى البشریة على مر الدهور و الاعصار؛ و ذلک لانه کلما کثر دماء الشهداء المراقة، اتسعت رقعة النداء فی العالم، ففی یوم عاشوراء کان للدم أهمیته الخاصة و دوره الفاعل فی تحقیق الاهداف. و من هنا نرى الامام (ع) قد سمح للحر بن یزید الریاحی فی خوض المعرکة و سقوطه شهیداً بعد أن جاء الرجل تائبا و نادماً على ما صدر عنه، و الحال أن الامام (ع) یعلم أن دماء الحرّ رضوان الله علیه لا تغیّر من المعادلة العسکریة شیئاً و لم تمنع من قتل الامام و أهل بیته (ع) و لم تهزم الجیش المعادی الجرار، بل نرى الامام (ع) قد طلب و لاکثر من مرة النصرة و الالتحاق به لیوسع من رقعة الشهداء و الدماء المراقة فی طریق الحق، الأمر الذی یکشف عن کون الامام یعرف قیمة الدم فی تلک المعرکة و الرسالة التی یحملها و الدور الذی یلعبه فی تحقیق الاهداف و المساعدة فی تحقیق أهداف الثورة.
فالامام (ع) أراد لثورته ان تتضمخ بدماء الشهادة لیدونها التاریخ بذلک اللون القانی الذی یجعلها راسخة فی ضمیر الانسانیة الى یوم القیامة.
و على کل حال هذه الواقع المثیرة و المهیجة فی صحراء کربلاء هی التی حملت نداء الحسین (ع) الى البشریة على مر العصور و جعلته خالداً فی الوجدان البشری حتى یرث الله الارض و من علیها.[3]