لاشک أن جمیع الاحکام الالهیة تتوفر على فلسفة و علّة خاصة بها، و لکن لیس من الضروری البحث عن جمیع تلک العلل و الملاکات الموجودة فی الاحکام، فان الانسان المؤمن علیه التسلیم و الاذعان أمام الاوامر و النواهی الالهیة و علیه ان یتوفر على روحیة الایمان بحکمة الباری تعالى فی جمیع ما یصدر عنه عزّ شأنه. و مع ذلک قد أشار القرآن فی اکثر من موضع الى علة الحکم او حکمته. و کذلک اشار الائمة المعصومون (ع) الى هذه الحکم و العلل الکامنة فی الاحکام، و التی جمعها العلماء فی مصنفات خاصة تحت عنوان علل الشرائع، و اسرار النیّة و التشهد و الرکوع و السجود و التسلیم و....
لاشک أن جمیع الاحکام الالهیة تتوفر على فلسفة و علّة خاصة بها، و لکن لیس من الضروری البحث عن جمیع تلک العلل و الملاکات الموجودة فی الاحکام، فان الانسان المؤمن علیه التسلیم و الاذعان أمام الاوامر و النواهی الالهیة و علیه ان یتوفر على روحیة الایمان بحکمة الباری تعالى فی جمیع ما یصدر عنه عزّ شأنه، ثم ان الغایة من بعض الاحکام الالهیة الامتحان و الاختبار الروحی و معرفة درجة التسلیم و الاذعان التی تکمن فی قلب الانسان المؤمن، من قبیل الأمر الالهی لإبراهیم فی ذبح ولده اسماعیل (علیهما السلام).
و ما یمکن ذکره فی هذه المختصر هو: ان الاحکام الالهیة و النظام العبادی ینطوی على علل و فلسفة خاصة، و الدیل على ذلک.
الاول: مئات الآیات و الروایات التی تحث الناس على التعقل و التفکر و التأمل.[1]
الثانی: من الانتقادات التی وجهها القرآن الکریم للمشرکین و عبدة الاوثان تقلیدهم الاعمى للآباء و الاجداد بلا دلیل او برهان.[2]
الثالث: أشار القرآن فی اکثر من موضع الى علة الحکم او حکمته.[3] و کذلک اشار الائمة المعصومون (ع) الى هذه الحکم و العلل الکامنة فی الاحکام، و التی جمعها العلماء فی مصنفات خاصة تحت عنوان علل الشرائع.
و من هنا یمکن القول:
1. لیس من الضروری معرفة جمیع العلل و الفلسفات على نحو التفصیل، بل تکفی المعرفة الاجمالیة.
2. من غیر الصحیح فی البحث عن فلسفة الاحکام البحث عن الفوائد و المنافع المادیة کالبعد الاقتصادی و الصحی و... بل من الضروری الالتفات الى البعد المعنوی و الروحی و الاخروی الکامن فی تلک الاحکام و التشریعات.
3. لا ینبغی لمن آمن بحکمة الباری تعالى و أنّ ما یصدر منه من قوانین و دساتیر تنطلق من الحکمة الالهیة، البحثُ عن العلل و الفلسفات، بل ینبغی له ترک الامر الى الله تعالى.
و لکن مع ذلک کله نجد ان الصلاة و اجزاءها کالقراءة و النیة و التشهد و الرکوع و السجود و التسلیم و... قد ذکرت لها اسرار و علل کثیرة، نحاول هنا الاشارة الى نماذج منها:
الصلاة تنهى عن المنکر
قال تعالى فی کتابه الکریم مشیراً الى هذه الثمرة الکبیرة فی الصلاة : " إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْکَر".[4]
الصلاة تقضی على الغفلة
" فَاعْبُدْنی وَ أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِکْری".[5]
الصلاة عامل اطمئنان و سکینة
قال تعالى: " الَّذینَ آمَنُوا وَ تَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِکْرِ اللَّهِ أَلا بِذِکْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوب"[6]
الصلاة تقضی على الکبریاء
عندما یتوجه المصلی الى مصدر القوة المطلقة و یستمد قواه من تلک العظمة الربانیة التی لا یقارن بها أی عظیم و کبیر مهما کان، فحینئذ تحصل لدى المصلی حالة من التواضع و التنزه عن التکبر و الغرور الکاذب. و بعبارة أخرى: النظر الى القدرة الالهی یقضی على الغرور و التکبر و العنجهیة التی قد یتصف بها الانسان؛ و ذلک لانه عندما یکرر خلال الرکعات السبعة عشر التی یؤدیها یومیاً، وضعَ جبهته على الارض مرتین فی کل رکعة، لا یرى نفسه شیئا مقابل تلک العظمة الالهیة، و بهذا یزیح ستار التکبر و الغرور عنها، و من هنا نجد أمیر المؤمنین (ع) یصرح بهذه الثمرة الکبیرة للصلاة عندما قال: " فَرَضَ اللَّهُ الْإِیمَانَ تَطْهِیراً مِنَ الشِّرْکِ وَ الصَّلَاةَ تَنْزِیهاً عَنِ الْکِبْر".[7]
تقویة روح الانضباط
لاریب ان الصلاة تخلق لدى المصلی روح الانضباط و حبَّ النظام؛ و ذلک لما یعتاده من الالتزام بالوقت و اداء العبادة فی اوقاتها المحددة و بطریقة ایقاعیة مرتبة کالنیة و القیام و القراءة و الرکوع و السجود و القعود و..، بحیث یعد الاخلال العمدی بها مبطلا لها، و الالتزام کاشفاً عن روحیة منضبطة و نفس متکاملة.
التذکیر بالمعاد
عندما یردد المصلی فی صلاته قوله تعالى "مالک یوم الدین" یتذکر ذلک الیوم و أهواله و ما یقرع القلوب فیه، ثم یدرک بانه سیقف یوماً ما ذلک الموقف الرهیب فعلیه ان یعد العدة لیوم معاده و حشره.
التولی و التبری
و من الامور التی تنطوی علیها الصلاة و الفلسفات التی تکمن فی آیات سورة الحمد هی قضیة التولی و التبری، و هذا ما یدرکه المصلی من خلال تردیده لقوله تعالى " ایاک نعبد و ایاک نستعین، اهدنا الصراط المستقیم صراط الذین انعمت علیهم"[8] فیحبُّ الله تعالى و یتولاه و کذلک یتولى رسوله الکریم و الصدیقین و الشهداء و الصالحین و یتبرأ من الاتجاه المعاکس للخط الالهی "المغضوب علیهم و الضالین".
و فی الختام نقول: إن بعض الروایات أشارت الى علل أساسیة من علل الصلاة فعن محمد بن سنان أن أبا الحسن علی بن موسى الرضا (ع) کتب إلیه فیما کتب من جواب مسائله: أن علة الصلاة إنها إقرار بالربوبیة لله عز و جل و خلع الأنداد، و قیام بین یدی الجبار جل جلاله بالذل و المسکنة و الخضوع و الاعتراف و الطلب للإقالة من سالف الذنوب، و وضع الوجه على الأرض کل یوم خمس مرات إعظاما لله عز و جل و أن یکون ذاکرا غیر ناس و لا بَطِر و یکون خاشعا متذللا راغبا طالبا للزیادة فی الدین و الدنیا مع ما فیه من الانزجار و المداومة على ذکر الله عز و جل باللیل و النهار لئلا ینسى العبد سیده و مدبره و خالقه فیبطر و یطغى و یکون فی ذکره لربه و قیامه بین یدیه زاجرا له عن المعاصی و مانعا من أنواع الفساد.[9]
هذه نماذج من الآیات و الروایات التی تعرضت لبیان الآثار و الحکم المترتبة على الاحکام الالهیة عامّة و الصلاة خاصّة.
و فی الختام نرى من الضروری الاشارة الى بعض الکتب المصنفة فی هذه المجال، من قبیل:
علل الشرایع، للشیخ الصدوق.
سرالصلاة، و آداب الصلاة، للامام الخمینی.
فلسفه اسرار الحکم، محمد وحیدی
پرتوی از اسرار نماز= قبس من اسرار الصلاة، محسن قرائتی
و انظر الابحاث التالیة:
معنی الصلاة و آثارها، 5394 (الموقع: 5664).
فلسفه الاوقات الصلاة الخمسة، 3837 (الموقع: 4101).
فلسفة التشهد و التسلیم، 13141 (الموقع: 12808).
الآثار و البرکات المعنویة و المادیة للصلاة، 15375 (الموقع: 15088).
[1] انظر: النحل، 44؛ آل عمران، 191.
[2] الاعراف، 173.
[3] العنکبوت، 45؛ البقرة، 183.
[4]العنکبوت، 45.
[5]ظه، 14.
[6]الرعد، 28.
[7] نهج البلاغة، الحکمة 252.
[8]انظر سورة الفاتحة.
[9] الشیخ الصدوق، من لایحضره الفقیه، ج 1، ص 214، جماعه المدرسین، قم، الطبعة الثانیة، 1404ق؛ الشیخ الصدوق، علل الشرائع، ج 2، ص 317، مکتبة الداوری، قم، الطبعة الاولی.