لو نظرنا إلی القرائن الموجودة فی الروایات یظهر أن قیام الإمام الحجة (عج) بالفرس و السیف نوع کنایة عن القوة و السلطة، کما أن القصد من " مِّن قُوَّةٍ وَ مِن رِّبَاطِ الْخَیْلِ " فی القرآن الکریم هو السلاح الذی یتقوّی به الإنسان علی الأعداء، سواء أکان رمحاً أم صاروخاً أم...، إذن لیس للفرس و السیف موضوعیة أو خصوصیة خاصة، حتی نتصوّر عدم إمکان وقوفها أمام الأسلحة المتطوّرة المعاصرة.
لأجل توضیح المسألة نری من الضروری أن نقوم بذکر الروایات التی تبین أن قیام الامام الحجة (عج) یکون بالفرس و السیف و دراستها و تحلیلها، حتی یمکن توجیه مقابلة الامام المهدی (عج) للأسلحة المتطوّرة.
عن أبی هارون بیّاع الأنماط قال: کنت عند أبی عبد الله (ع) جالساً فسأله معلی بن خنیس أ یسیر القائم (ع) بخلاف سیرة علی (ع)؟ قال: نعم، و ذلک أن علیاً (ع) سار بالمن و الکف و أن القائم إذا قام سار بالسیف.[1]
و عن أبی حمزه قال: قال ابو عبد الله (ع): إذا قام القائم صلوات الله علیه نزلت ملائکة بدر و هم خمسة آلاف ثلاث علی خیول شهب و ثلاث علی خیول بلق و ثلاث علی خیول حو. قلت: و ما الحو؟ قال: هی الحمر.[2]
لآن و بعد أن ذکرنا هذه الروایات نشیر الی بعض النکات الجدیدة بالدقة و التحقیق:
1ـ أن القیام بالسیف نظراً للقرائن الموجودة بالروایات لا یکون إلا بمعنی القوة و السلطة، کما یعبّر القرآن عن استعداد المسلمین مقابل الأعداء "وَ أَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَ مِن رِّبَاطِ الْخَیْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَ عَدُوَّکُمْ وَ ءَاخَرِینَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ یَعْلَمُهُمْ وَ مَا تُنفِقُواْ مِن شىَْءٍ فىِ سَبِیلِ اللَّهِ یُوَفَّ إِلَیْکُمْ وَ أَنتُمْ لَا تُظْلَمُون".[3]
و قد قال المفسّرون فی تفسیر "من قوّة": أن المراد منها کل سلاح یتقوّی به الإنسان علی الأعداء. سواءً أکان رمحاً أم صاروخاً أم... و لعل السبب فی استعمال کلمة (قوّة) خاصة، هو هذا المعنی لتشمل کل سلاح و قوة حربیة و دفاعیة تصنع إلی یوم القیامة، و بما أن أقوی مظهر و مصداق للقوة الحربیة حین نزول القرآن الکریم هی الخیول الحربیة لذلک صرّح بها القرآن.
فاستعمال کلمة الخیل فی قیام الإمام الحجة (عج)، یکون له معنیً کنائی أیضاً، و ذلک لان الروایة المنقولة عن الإمام الصادق (ع) جاء فیها أن الملائکة الذین نزلوا من السماء یوم بدر لنصرة النبی (ص) کانوا علی الخیول و المراد منها هنا القدرة الإلهیة.
2ـ من حیث أن الأنبیاء و الأولیاء الإلهیین مکلّفین فی إیصالهم للمعارف الإلهیة أن لا یکلّموا الناس إلّا علی حدّ فهم و عقولهم، لذلک جاءت الروایات فی قیام الإمام الحجة (عج) هکذا، أی رُوعی فیها مقدار فهم الناس عن الآلات الحربیة.
یقول الإمام الصادق (ع) فی هذا المجال: "ما کلم رسول الله (ص) العباد بکنه عقله قط. و قال: قال رسول الله (ص): إنّا معاشر الأنبیاء اٌمرنا أن نکلم الناس علی قدر عقولهم".[4] فبما أن الأسلحة فی ذلک الزمان کانت مقتصرة علی الخیل و السیف و لم تکتشف بعد الأسلحة الجدیدة المتطوّرة، و لم یکن أی تصوّر لها فی أذهان الناس آنذاک، لذلک جاء الوصف عن قیام الإمام الحجة (عج) هکذا.
مضافاً إلی أن الإمکانات التی أعطاها الله سبحانه للإمام الحجة (عج) طبقاً لما ورد فی المصادر الإسلامیة لا تنحصر بالخیل و السیف، حتی ترد هذه الشبهة و هی: کیف یمکنه الوقوف بهذه الإمکانات القلیلة أمام الأسلحة العصریة المتطوّرة. بل و نظراً للقرائن الموجودة فی الروایات لربّما تستعمل هذه الآلات العصریة فی إطار تحقیق أهدافه (ع)، فالإرادة الإلهیة قائمة علی هذا الأمر، حیث سیُقیم الإمام الحجة (عج) حکومة العدل فی کل أرجاء المعمورة و إذا أراد الله شیئاً هیأه و تکون أسبابه و مسبّباته متعلقة بأمور الناس العادیة.
3ـ و النکتة الأخیرة الجدیرة بالذکر أن ما نراه الیوم فی عالمنا المعاصر من أن الناس أصحبت کل الإختیارات العلمیة تحت متناول أیدیهم بسبب التطوّر العلمی. مع هذا نجد بعض المدن تستعمل الإمکانات الإبتدائیة لحد الآن کالخیل و السیف لأجل استتباب الأمن و نظم الأمر، و من هنا لا یبعد إستعمال الإمام الحجة (عج) للخیل و السیف بعنوانه رمز لأسلحة عصر النبی (ص) إلی جانب الأسلحة المتطوّرة.