Please Wait
الزيارة
6868
محدثة عن: 2012/01/28
کد سایت fa14340 کد بایگانی 21152
گروه التفسیر
خلاصة السؤال
معنى معرفة الذات من زاویة الرؤیة القرآنیة؟
السؤال
معنى معرفة الذات من زاویة الرؤیة القرآنیة؟ مع التفصیل بالاجابة.
الجواب الإجمالي

معرفة الذات فی القرآن الکریم بمعنى اکتشاف حقیقتها من خلال تنمیة الاستعدادات الذاتیة و الفطریة و احیاء القدرات و القوى الکامنة فیها، ثم ادراک حقائق الوجود و الاسماء و الصفات الالهیة إدراکا قلبیا. و لا تنحصر معرفة الذات فی مرتبة خاصة، بل لها مراتب متعددة منها المعرفة الفطریة و الکونیة و اکمل تلک المراتب هی مرتبة المعرفة العرفانیة المرتبطة بمعرفته بواقعیته و حقیقته المتمثلة فی خلافة الله تعالى.

الجواب التفصيلي

معرفة الذات فی القرآن الکریم بمعنى اکتشاف حقیقتها من خلال تنمیة الاستعدادات الذاتیة و الفطریة و احیاء القدرات و القوى الکامنة فیها، ثم ادراک حقائق الوجود و الاسماء و الصفات الالهیة إدراکا قلبیا. إذن اکتشاف الذات و معرفة جوهرها[1] یمنحها العشق و الحب الفطری.

من هنا، لا تنحصر معرفة الذات فی مرتبة خاصة، بل لها مراتب متعددة[2] اکملها مرتبة المعرفة العرفانیة المرتبطة بمعرفته بواقعیته و حقیقته المتمثلة فی خلافة الله تعالى.

و سنحاول هنا الاشارة الى أهم تلک المراتب بصورة اجمالیة:

1) معرفة الذات الفطریة

لا یندرج هذا النوع من المعرفة ضمن العلم الحصولی و لا یعد نوعا من التأمل و التفکیر[3]، بل هو نوع صحوة و علم حضوری. و المراد من العلم الحضوی هنا، ان العبد یعلم بذاته و استعداداته و قدراته و هی حاضرة عنده. و هذا النوع من المعرفة بالذات یتصف بالاصالة و الواقعیة و أنه عین الشخصیة، حیث یدرک الانسان شیئا اسمه "الانا" الذی هو عین معرفة شخصیته.[4]

علما، ان الانسان لا یتمکن فی هذه الظاهرة من الاشراف المباشر على "الانا" بل لابد ان یسبق ذلک معرفة بالاستعدادات الذاتیة و القدرات الکامنة فی الباطن أولا، ثم الانطلاق منها لمعرفة "الانا" معرفة حضوریة.[5]

من هنا عندما تحدث القرآن الکریم عن مراحل خلقة الانسان ختمها بالاشارة إلى آخر مرحلة - و التی تعتبر فی الحقیقة أهمّ مرحلة فی خلق البشر- بعبارة عمیقة و ذات معنى کبیر "ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ و فَتَبارَکَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِینَ"[6] و[7] و فیها اشارة الى حقیقة تبدل اللاشعور الى الجوهر الروحی الشعوری[8]. و بعبارة أخرى أن ما أنشأه الله أخیراً و هو الإنسان الذی له حیاة و علم و قدرة فإن ما له من جوهر الذات و هو الذی نحکی عنه "بأنا"، لم یسبق من سنخه فی المراحل السابق.[9]

2) الرؤیة الذاتیة الکونیة

و یراد منها هنا معرفة الذات و ادراکها ضمن المجموعة الکونیة: من أین؟ و این؟ و الى أین اسیر؟ ففی هذه المعرفة یدرک الانسان انه جزء من منظومة عالمیة "الکل" اسمها الکون، فیرى نفسه تابعة لهذه المنظومة و یتحرک فی اطارها من دون أیّة استقلالیة هنا؛ بمعنى انه لم یأت من قبل ذاته و لم یکن وجوده و لا حیاته و لارحیله عن هذا العالم باختیاره و بارادة منه؛ فیحاول اکتشاف مکانته و تشخیص موقعه ضمن هذا "الکل"[10]، و قد اشار أمیر المؤمنین (ع) فی کلامه الى هذه الحقیقة حینما قال:" رحم اللّه امرأ أعد لنفسه، و استعد لرمسه، و عرف من أین و فی أین و الى أین".[11]

و عندما نرجع الى القرآن الکریم نجده یتحدث بکثرة عن المعاد و بعث الانسان و یدعو الانسان الى الصحوة و الیقظة لیعرف حقیقة حیاته و یعرف مکانته فی الدنیا و الآخرة، کما فی قوله تعالى: "انا لله و انا الیه راجعون".[12]و قوله عزّ من قائل: "ُوَ الَّذی خَلَقَکُمْ مِنْ طینٍ ثُمَّ قَضى‏ أَجَلاً وَ أَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُون".[13]و قوله سبحانه: "اللَّهُ الَّذی خَلَقَکُمْ ثُمَّ رَزَقَکُمْ ثُمَّ یُمیتُکُمْ ثُمَّ یُحْییکُمْ...".[14]

3) معرفة الذات العرفانیة

الرؤیة العرفانیة للذات یعنی اکتشاف و معرفة علاقة الذات مع خالقها تعالى، و هذه العلاقة لا تمثل نوع آصرة تربط بین موجودین فی عرض واحد، بل هی من قبیل ربط الفرع بالاصل، و المجاز بالحقیقة الاحدیة (الحق تعالى)، و من نوع علاقة المقیّد بالمطلق؛ و أن مشکلة العارف و علته باطنیة تنبع من حاجته الفطریة.[15]

ثم ان العارف یرى أن لا واقعیة "للانا" و بالتالی لیست معرفتها من قبیل معرفة "الانا" و انما معرفة مظهر من مظاهر الذات الالهیة؛ و کلما فنى العارف فی الذات الالهی و حطم قیود التعینات، لم یبق آثر للروح و النفس و حینها یکون قد وصل الى المعرفة الحقیقیة.[16]

فاذا تمکن الانسان من تنمیة المعرفة الفطریة و الکونیة و انکشف له حقیقة الخلافة الالهیة یکون قد وضع قدمه فی مسیرة المعرفة العرفانیة و ادراک العلاقة العرفانیة بینه و بین خالقه، و حینها یستشعر العشق و الحب الالهی فی قبله "یحبهم و یحبونه".[17]

فالمعرفة العرفانیة ولیدة المعرفة الفطریة و الکونیة.

و من هنا جاءت آیات الذکر الحکیم لتؤکد ان نسیان الذات إنما هو فی الحقیقة ولید نسیان الله تعالى و محذرة من هذه الظاهرة الخطیرة " وَ لا تَکُونُوا کَالَّذینَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولئِکَ هُمُ الْفاسِقُون"[18]و التی تعنی أن سبب نسیان النفس نسیان الله تعالى إذ بنسیانه تعالى تنسى أسماؤه الحسنى و صفاته العلیا التی ترتبط بها صفات الإنسان الذاتیة من الذلة و الفقر و الحاجة فیتوهم الإنسان نفسه مستقلة فی الوجود و یخیل إلیه أن له لنفسه حیاة و قدرة و علما و سائر ما یتراءى له من الکمال و نظراؤه فی الاستقلال سائر الأسباب الکونیة الظاهریة تؤثر فیه و تتأثر عنه.

و عند ذلک یعتمد على نفسه و کان علیه أن یعتمد على ربه و یرجو و یخاف الأسباب الظاهریة و کان علیه أن یرجو و یخاف ربه، یطمئن إلى غیر ربه و کان علیه أن یطمئن إلى ربه.

و بالجملة ینسى ربّه و الرجوع إلیه و یعرض عنه بالإقبال إلى غیره، و یتفرع علیه أن ینسى نفسه فإن الذی یخیل إلیه من نفسه أنه موجود مستقل الوجود یملک ما ظهر فیه من کمالات الوجود و إلیه تدبیر أمره مستمدا مما حوله من الأسباب الکونیة و لیس هذا هو الإنسان بل الإنسان موجود متعلق الوجود جهل کله عجز کله ذلة کله فقر کله و هکذا.[19]



[1] المطهری، مرتضی، مجموعة الآثار، ج 2، ص 304 و 308، انتشارات صدرا.

[2]انظر: مجموعة الآثار، ج 2، ص 308 – 326.

[3]خلافا لعلماء النفس حیث یقصدون من معرفة الذات المعرفة الحصولیة الذهنیة.( مجموعة الآثار، ج 2، ص 309)

[4] مجموعة الآثار، ج 2، ص 308، بتصرف.

[5]انظر: الجعفری، محمد تقی، ترجمه و تفسیر نهج البلاغة، ج 6، ص 262، و ج 26، ص 61 و 62، دفتر نشر الثقافة الاسلامیة، طهران، الطبعة السابعة، 1376ش.

[6]المؤمنون،14.

[7]مکارم الشیرازی، ناصر،الأمثل فی تفسیر کتاب الله المنزل، ج‏10، ص: 429، مدرسة الامام علی بن ابی طالب (ع)، قم، الطبعة الاولى، 1421هـ.

[8] مجموعة الآثار، ج 2، ص 309.

[9] الطباطبایی، سید محمد حسین، ‏المیزان فی تفسیر القرآن، ج 15، ص 20، دفتر النتشر الاسلامی، قم، الطبعة الخامسة، 1417ق.

[10] مجموعة الآثار، ج 2، ص 310.

[11] ‏مغنیة، محمد جواد، فی ظلال نهج البلاغة، ج 1، ص 22، دارالعلم للملایین، بیروت، الطبعة الثالثة، 1358ش؛ نقوی قاینی خراسانی، سید محمد تقی، مفتاح السعادة فی شرح نهج البلاغة، ج 5، ص 128، مکتبة المصطفوی، طهران.

[12]البقرة،156.

[13]الانعام، 2.

[14]الروم، 40.

[15] مجموعة الآثار، ج 2، ص 319 و 320.

[16] مجموعة الآثار، ج 2، ص 321.

[17]المائدة، 54.

[18]الحشر، 19.

[19] المیزان فی تفسیر القرآن، ج 19، ص 219 و 220.