الاسماء التي اطلقتها الاديان و الثقافات المختلفة على الذات الاحدية كلها تشير الى حقيقة واحدة، الا ان الانحرافات التي اصابت الاديان و الثقافات الاخرى ، أدت الى الميل عن النفطرة و الاختلاف في فهم الاله الواحد و معرفته و ظهور الكثير من المعتقدات و الرؤى المتفاوتة في هذا المجال. فان جميع الاديان و ان كانت تشير الى حقيقة واحدة باسماء مختلفة حسب تعدد الشعوب و الاقوام و اختلاف السنتهم، و لكنهم لمّا خاضوا في بيان صفات تلك الذات المقدسة و ما هي صفاته؟ و ما هو الطريق الموصل اليه؟ و ما هو الاعتقاد الصحيح الذي ينبغي اعتماده؟ حصل الاختلاف.
فاذا اذا نظرنا الى القضية من زاوية الفطرة الانسانية فحينئذ و مهما اختلف الاسماء و الالفاظ يبقى الجميع يشير الى تلك الحقيقة "الله الاحد". و لكن لو نظرنا اليها من زاوية الواقع الموضوعي و التاريخي الموجود، و درسنا القضية انطلاقا من النظريات الكلامية المطروحة نجد "الله" في الاسلام يختلف عن "الله" المقصود في الفكر المسيحي؛ فعندما تؤمن المسيحية بالثالثوث الاقدس ( التثليث)، فحينئذ كلما أطلق لفظ (God) يقصد به على اقل تقدير أحد الاقانيم الثلاثة و هو " الله الابن" و الذي يقصد به السيد المسيح (ع) عندهم، و اما الانسان المسلم فلا يتبادر الى ذهنه من لفظ " الله" الا تلك الذات المقدسة المنزهة عن الشريك و المثل و التي لا تدركها الابصار و المنزهة عن كل نقص او عيب و الجامعة لكل صفات الكمال.
و ان افضل التعاريف و التوصيفات قد اطلقت على الله تعالى في آيات الذكر الحكيم و كلمات النبي الاكرم و العترة الطاهرة (ص): " قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى".
مصطلح الله
اما كلمة الله فقد بحث العلماء في اصل اشتقاقها حيث تعددت النظريات و الآراء في هذا المجال، المهم منها قولان:
1. اللّه: أصله إله فحذفت همزته، و أدخل عليها الألف و اللام، فخصّ بالباري تعالى.[1]
روى المنذري عن أَبي الهيثم أَنه سأَله عن اشتقاق اسم الله تعالى في اللغة فقال: كان حقه إلاهٌ، أُدخلت الأَلف و اللام تعريفاً، فقيل أَلإِلاهُ، ثم حذفت العرب الهمزة استثقالًا لها، فلما تركوا الهمزة حَوَّلوا كسرتها في اللام التي هي لام التعريف، و ذهبت الهمزة أَصلًا فقالوا أَلِلاهٌ، فحرَّكوا لام التعريف التي لا تكون إلَّا ساكنة، ثم التقى لامان متحركتان فأَدغموا الأُولى في الثانية، فقالوا الله، كما قال الله عز و جل: لكنا هو الله ربي؛ معناه لكنْ أَنا.[2]
2. و قيل: أصله من: لاه يلوه لياها، أي:احتجب. قالوا: و ذلك إشارة إلى ما قال تعالى:لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ، و المشار إليه بالباطن في قوله:وَ الظَّاهِرُ وَ الْباطِنُ. و قيل: أصله لاه مصدر لاه يليه إذا احتجب و ارتفع لأنه محجوب عن البصر و مرتفع عن كلّ شيء. و قيل أصله لاها بالسريانية فعرّب بحذف الألف الأخيرة و إدخال لام التعريف في أوّله [3] و قال سیبویه: " أصله الكلمة لاه، فدخلت الألف واللام للتعظيم".[4] و الملاحظ في هذا القول انه لا يحتاج الى التخفيف الذي هو خلاف الاصل. و لاه يليه ليها: تستر.[5]
إذن "لاه" مضاف اليها الف و لام التعريف تعني: الله المعروف الذي تستر بالغيب. و هذا المعنى ينسجم مع الكلام الاسلامي و المعارف القرآنية. فالله يعني الذّات الواحدة الجامعة لصفات الكمال، إنّه خالق عالم الوجود المحتجب بستار الغيب و الذي "لا تدکه الابصار و هو یدرک الابصار".[6]
مصطلح God
معرفة الجذور اللغوية لهذه المفردة تحتاج الى تبحر في اللغة اللاتينية و مراجعة مفرداتها و اشتقاقها، و لكن يبدو أن افضل حمل لها يمكن من خلال ارجاعها الى كلمةgood و التي تعني الجيد، و لما كان الله تعالى يتصف بكل صفات الحسن و الجيد من هنا اطلق عليه هذا اللفظ.
الله في الاسلام و المسيحية
الاسماء التي اطلقتها الاديان و الثقافات المختلفة على الذات الاحدية كلها تشير الى حقيقة واحدة، الا ان الانحرافات التي اصابت الاديان و الثقافات الاخرى أدت الى الاختلاف في فهم الاله الواحد و معرفته و ظهور الكثير من المعتقدات و الرؤى المتفاوتة في هذا المجال. و ان جميع الاديان و ان كانت تشير الى حقيقة واحدة باسماء مختلفة حسب تعدد الشعوب و الاقوام و اختلاف السنتهم، و لكنهم لمّا خاضوا في بيان صفات تلك الذات المقدسة و ما هي صفاته؟ و ما هو الطريق الموصل اليه؟ و ما هو الاعتقاد الصحيح الذي ينبغي اعتماده؟ حصل الاختلاف.
و على هذا الاساس ان البحث اللغوي حول مفردة "الله" و إن لم يبتعد عن الابحاث الدينية في هذا المجال، و لكن الاختلاف فيه يعد أمراً طبيعيا فان كل قوم يشيرون الى تلك الحقيقة بلغتم الخاصة فالشعب الانجليزي يطلق عليه لفظة God و الفارسي يطلق عليه لفظة خدا او آهورا، و العربي لفظة إله و الله و...
و لكن المهم هنا هل الله في الفكر المسيحي الموجود الآن هو نفس الله في الفكر الاسلامي؟ و هذه صورة اخرى للسؤال: هل الله في الفكر الاسلامي هو نفس God في الفكر المسيحي؟
و الجواب عن ذلك ينطلق من زاويتن:
الاولى: اذا نظرنا الى القضية من زاوية الفطرة الانسانية فحينئذ و مهما اختلف الاسماء و الالفاظ يبقى الجميع يشير الى تلك الحقيقة "الله الاحد".
الثانية: اذا نظرنا الى القضية من زاوية الواقع الموضوعي و التاريخي الموجود و درسنا القضية انطلاقا من النظريات الكلامية المطروحة نجد "الله" في الاسلام يختلف عن "الله" المقصود في الفكر المسيحي؛ فعندما تؤمن المسيحية بالثالثوث الاقدس ( التثليث)، فكلما أطلق لفظ (God) يقصد به على اقل تقدير أحد الاقانيم الثلاثة و هو " الله الابن" و الذي يقصد به السيد المسيح (ع) عندهم، و اما الانسان المسلم فلا يتبادر الى ذهنه من لفظ " الله" الا تلك الذات المقدسة المنزهة عن الشريك و المثل و التي لا تدركها الابصار و المنزهة عن كل نقص او عيب و الجامعة لكل صفات الكمال.
إذن، و ان كان الاديان كافة بل جميع البشرية يشتركون بالايمان – فطرة- باله واحد، لكن يبقى الاختلاف في الاوصاف و التفرعيات، و لكن يبقى البحث في: أي دين منهم هو الموفق في ذلك و الصحيح في معتقداته؟ و أي دين سلك الطريق الصحيح الموصل الى الله تعالى؟ هنا لابد من التأمل في الادلة و البراهين و النظريات التي تطرحها تلك الاديان و عقد ابحاث مقارنة بينها لنرى الحق منها.
و عندما نرجع الى التراث الاسلامي نجد افضل التعاريف و التوصيفات قد اطلقت على الله تعالى في آيات الذكر الحكيم و كلمات النبي الاكرم و العترة الطاهرة صلوات الله عليهم، حيث اعتبرت كلمة "الله" من الاسماء الخاصة بالذات المقدسة و التي لا يمكن اطلاقها على غير تلك الذات، قال تعالى في كتابه الكريم: " قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى".[7]
لمزيد الاطلاع انظر:
معنی کلمة الله، 4665 (الموقع: 4665).
[1] الراغب الاصفهاني، المفردات من غریب القرآن، ج1، ص 82، مفردة الله.
[2] ابن منظور، لسان العرب، ج 13، ص 467، مفردة اله.
[3] المفردات من غریب القرآن، ج1، ص 83؛ مجموعه رسائل فلسفي صدر المتالهین، ص 414، انتشارات حکمت؛ کشاف اصطلاحات الفنون، ج 1، ص 251، مکتبه لبنان ناشرون.
[4] ابن کثیر، تفسیر القرآن العظیم، ج 1، ص 123، دار الكتب العلمية، بیروت.
[5] مجمع البحرین، ج 6، ص 361، ذیل مفردة "لیه".
[6] الانعام، 103.
[7] الاسراء، 110.