النعم و اللذائذ الالهیة لا تنحصر بالمادیات بل تشمل المعنویات ایضاً و التي یری الکثیرون ان لذتها أشد راحة للنفس من النعم المادیات.
و العرفاء و الصلحاء یتلذذون بالنعم المعنویة الالهیة غالباً، فانهم باقتصارهم علی الحد الادنی من المادیات و افادتهم من المعنویات، استطاعوا الوصول الی درجات علیا في العرفان و العلم والتقوی.
و حین تذکر التعالیم الدینیة ان النعم الدنیویة قد خلقت للمؤمنین، فان نفس هذه التعالیم تقول ایضاً اعلموا ان الحیاة الدنیا لیست الا لعب و لهو و زینة، و هي لیست الا متاع الغرور. و یقول إمام العارفین أمیر المؤمنین علي “ع” ایضاً في وصفه المتقین ان حاجاتهم من الدنیا خفیفة، و بناءً علی هذا فان الانسان کلما تقدم في العلم و المعرفة صغرت لذائذ الدنیا في عینه. و العلماء الصالحون قد و رثوا هذه البساطة في العیش من إمام المتقین علي “ع” ، و هو الذي اکتفی من لباسه بطمریة و من طعامه بقرصیه مع تمکنه من النعم الدنیویة.
و من البدیهي ان یؤثر سلوک الاشخاص الذین یراهم الناس قدوة لهم في مجتمعهم بل حتی في مناطق سکناهم، کما هو المشاهد علی مدی التاریخ.
لاجل الفهم الصحیح للآیة المستند الیها في السؤال، من الضروري الالتفات الی عدة أمور:
- کما نعلم فان الحلال هو العمل الذي لم ینه الشارع المقدس عن فعله و ارتکابه، سواء کان ذلک من المأکولات أم المشروبات أم الافعال. و لا یعني ذلک ان عدم النهي الشرعي عنه کاشف عن وجوب ذلک الفعل حتما.
- ان التنعم و الافادة من حلال الله له مراتب، فربما کان النوم في اللیل و هو من حلال الله وسیلة لراحة بدن الانسان و روحه.[1] و لکن الیقظة و المناجاة مع الله اکثر راحة لدی الکثیرین.
- و کذلک فان النعم و اللذائذ لا تنحصر في المادیات بل تشمل المعنویات ایضاً و التي یری الکثیرون ان لذتها اکثر من المادیات.
4- و کما نعلم فانه لا ینبغي ملاحظة تعالیم القرآن من زاویة واحدة و استنادا الی آیة واحدة فقط، بل لابد من الانطلاق من فکرة أن القرآن یفسر بعضه بعضاً[2] یجب ملاحظة الآیات الاخری و البحث عن الروایات المتعلقة بها و شأن نزولها و من ثم اصدار الحکم النهائي.
5- اذا ورد في التعالیم الدینیة ان النعم الدنیویة قد خلقت للمؤمنین، فان نفس هذه التعالیم تقول ایضاً ان علی کل المؤمنین الاکتفاء بالحد الادنی من متاع الدنیا کما في قوله تعالی: ”اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ وَ زينَةٌ وَ تَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَ تَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَ الْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً وَ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَديدٌ وَ مَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَ رِضْوانٌ وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ مَتاعُ الْغُرُورِ”[3].
6- یقول إمام العارفین علي”ع” في نهج البلاغة في اوصاف المتقین: “فالمتقون ....و حاجاتهم خفیفة”[4].
ان الانسان کلما تقدم في العلم والمعرفة صغرت لذائذ الدنیا في عینه، بینما تعظم لدیه اللذائذ المعنویة “ فَهُمْ وَ الْجَنَّةُ كَمَنْ قَدْ رَآهَا فَهُمْ فِيهَا مُنَعَّمُون”[5] و لذا فهم لا یعبأون بهذه اللذات المادیة العابرة.
7- ان العلماء الصالحین قد ورثوا هذه البساطة في العیش من سید المرسلین (ص) و من إمام المتقین علي”ع” وهو الذي اکتفی بالحد الادنی مع تمکنه من الامکانیات المادیة[6]، و هو “ع” الذي یقول "إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ عَلَى أَئِمَّةِ الْعَدْلِ أَنْ يُقَدِّرُوا أَنْفُسَهُمْ بِضَعَفَةِ النَّاسِ كَيْلَا يَتَبَيَّغَ بِالْفَقِيرِ فَقْرُهُ”[7].
8- و من البدیهي ان یؤثر سلوک الاشخاص الذین یراهم الناس قدوة لهم في مجتمعهم بل حتی في مناطق سکناهم، کما هو المشاهد علی مدی التاریخ.
[1] الفرقان: 47 (وَ هُوَ الَّذي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً وَ النَّوْمَ سُباتاً وَ جَعَلَ النَّهارَ نُشُورا).
[2] المجلسي، محمد باقر، بحار الانوار، ج29، ص352، مؤسسة الوفاء، بیروت، 1409ق.
[3] الحدید: 20.
[4] نهج البلاغة، خ المتقین.
[5] نفس المصدر.
[6] نهج البلاغة، کتاب: 45( کتابه الی عثمان بن حنیف).
[7] نهج البلاغة، ص324، کلمة: 209.