الشر هو عبارة عن الشيء الذي یتجنبه الجمیع، کما ان الخیرهو ما یرغب فیه الجمیع. و القوم الاشرار هم الناس المثیرون للفتن. و قد فسر البعض ایضاً الشر بانه نقیض الخیر، أي انه هو السوء و الفساد و الظلم. و أما لفظ (الفجور) فهو في الاصل بمعنی الشق الواسع في داخل الشيء، و یطلق الفجور ایضاً علی الذنوب، لانها تتسبب في انحراف و انشقاق غطاء دین الانسان و ستاره. و قد استعمل هذان اللفظان بصورة مترادفة ایضاً في القرآن و الروایات.
ورد في روایة عن أمیر المؤمنین (ع) أنه قال: "مجالسة الاشرار تورث سوء الظن بالاخیار..." فقد جعل الاشرار في قبال الاخیار، و الابرار في قبال الفجار. و بناء علی هذا فنحن نتعرض اولاً الی توضیح معاني هذه الالفاظ و مصادیق موارد استعمالاتها ثم نذکر الفرق بینها.
الاشرار جمع شریر و هي صفة مشبهة من الشر. و قد وردت هذه اللفظة في القرآن مع مشتقاتها 31 مرة، منها 29 مرة مشتقة من کلمة (الشر) و موردان منها من (الشرر) و (الاشرار). و بناءًعلی قول الراغب في المفردات فان الشر عبارة عن الشيء الذي یتجنبه الجمیع، کما ان الخیر هو الذي یرغب فیه الجمیع. و القوم الاشرار هم الناس المثیرون للفتن.[1] و فی مجمع البحرین فسر الشر بانه نقیض الخیر أي هو السوء و الفساد و الظلم.[2]
و أما لفظة (الفجور) فقد ورد في القرآن مع مشتقاتها 24 مرة و هي في الاصل بمعنی الشق الواسع في داخل الشيء. و یری الراغب ان الفجور یطلق علی الذنوب ایضاً، لانها تتسبب في انحراف و انشقاق غطاء دین الانسان و ستاره.[3]
و قد استعملت هذه الکلمة في القران الکریم في معناها الحقیقي و الالتزامي، و من موارد ذلک ما یلي:
مصادیق استعمال الفجور في المعنی الحقیقي:
1- "وَ فَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً" [4].
2- "وَ فَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَرا"[5].
3- "فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْنا"[6].
مصادیق معنی الفجور في المعنی الالتزامي:
1- "أَمْ نَجْعَلُ الَّذينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقينَ كَالْفُجَّارِ" [7].
2- "إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَ لا يَلِدُوا إِلاَّ فاجِراً كَفَّاراً".
3- "بَلْ يُريدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَه"[8].
و قال بعض المفسرین في تفسیر الآیة المبارکة "ان کتاب الفجار لفي سجین":. إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ جمع فاجر، و هو العاصي للّه سبحانه، سواء كان بالكفر أو الإثم، و المراد بكتابهم ما أدرج فيه أسماؤهم و خصوصياتهم لَفِي سِجِّينٍ و هو السجل على جهة التخليد فيه، يعني أنه قرر لهم السجن الأبدي، و هكذا سجل أسماؤهم بأنهم في سجين[9]. و قد استعملت کلمة الاشرار و الفجار في الروایات ایضاً في المعنیین (الکفار و العصاة)[10].
و اما الحدیث الذي ورد في السؤال فاننا نورد النص الکامل له ثم نقوم بتوضیحه:
نقل المرحوم الصدوق هذه الروایة بالنحو التالي:عن محمد بن قيس، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر، عن أبيه، عن جده ( علیهم السلام) قال: قال أمير المؤمنين (ع): مجالسة الأشرار تورث سوء الظن بالأخيار و مجالسة الأخيار تلحق الأشرار بالأخيار، و مجالسة الفجار للأبرار تلحق الفجار بالأبرار، فمن اشتبه عليكم أمره و لم تعرفوا دينه فانظروا إلى خلطائه فإن كانوا أهل دين الله فهو على دين الله و إن كانوا على غير دين الله فلا حظ له في دين الله، إن رسول الله (ص) كان يقول من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فلا يؤاخين كافراً و لا يخالطن فاجراً، و من آخى كافراً أو خالط فاجراً كان كافراً فاجراً[11].
إن استعمال الکلمات المتشابهة أمر شائع في کلام المعصومین (ع) و في ذلک یوجد احتمالان:
- ان یکون الاستعمال لاجل التأکید، و بناءً علی هذا فمن الممکن ان تکون الکلمتان (الاشرار و الفجار) مترادفتین.یقول أمیر المؤمنین علي (ع) في حدیث: " إن الأخيار يقتلون الأشرار و الأشرار يقتلون الأخيار، فويل لمن قتله الأخيار، و طوبى لمن قتله الأشرار و الكفار" [12].
ففي هذا الحدیث ذکر الاشرار و الکفار جنب الی جنب مع ان هناک فرقاً في المعنی بین هاتین الکلمتین.
2- ان کلمة الفجار و إن استعملت مترادفة مع کلمة الاشرار، و لکن ربما کان المراد من الاشرار هم الذین اشتهروا بهذا الاسم بسبب کثرة اعمالهم الشریرة، و أما الفاجر فهو من لم تصل مخالفاته الی تلک الدرجة، و یصدق عنوان الفاجر علی مطلق مرتکبي المعاصي و لو لم تصل معاصیهم الی حد الاشتهار. و المراد بسوء الظن بالابرار بسبب مجالستهم للفجار في الروایة مورد البحث، هو انهم بسبب هذه المعاشرة و المجالسة فانهم سیکونون بنظر الناس من المشهورین بالسوء. و أما في الحالة المعاکسة " مجالسة الاشرار مع الابرار" و التحاقهم بالاخیار فانه سیلحقهم بالاخیار، و في الغالب یکون الامر کذلک، فان تأثیر الاخیار علی غیرهم اکثر. و ربما کان الحاق الفجار بالابرار ایضاً هو بسبب ان الفجار لیسوا کالاشرار من جهة التلوث بالذنوب، و لهذا تؤدي مجالستهم للابرار الی الابتعاد عن الفجور و الالتحاق بالابرار.
[1] الراغب الاصفهاني،الحسین بن محمد، المفردات فی غریب القرآن، ص448، دار العلم والدار الشامیة، دمشق، بیروت، 1412ق.
[2] الطریحي، فخر الدین، مجمع الببحرین، ج3، ص344، مکتبة المرتضوي، طهران، 1375ش.
[3] المفردات، ص448.
[4] القمر: 12.
[5] الکهف: 33.
[6] البقرة: 60.
[7] ص: 28.
[8] القیامة: 5.
[9] الحسیني الشیرازي، السید محمد، تقریب القرآن الی الاذهان، ج5، ص636، دار العلوم، بیروت، 1424ق.
[10] لاحظ: المجلسي، محمد باقر، بحار الانوار، ج73، ص214، مؤسسة الوفاء، بیروت، 1404ق، الکلیني، محمد بن یعقوب، الکافي، ج8، ص12، دار الکتب الاسلامیة، طهران، 1365ش.
[11] الشیخ الصدوق، صفات الشیعة، ص5، منشورات الاعلمي، طهران.
[12] الاربلي، علی بن عیسی، کشف الغمة، ج1، ص208، مکتبة بني هاشمي، تبریز، 1381ش.