1- إن العذاب الإلهی یکون على أنعکاسا لأعمال الإنسان الاختیاریة فی حال عدم استفادته من أسباب الهدایة و إعراضه عن نداء الرسول الباطنی و الرسول الخارجی.
2- إن علم الله بمصیر الموجودات و طریقة تعاملها و کیفیة سلوکها لا یوجب إجبارها على ارتکاب الأخطاء و الذنوب، و إنّ واقع الأمر هو، أن علم الله کاشف لأعمال الموجودات.
2- إن خلق أهل الشقاء من الضرورات، فلابد من وجود الشیطان، و ذلک من أجل إیجاد بیئة ملائمة لتکامل الإنسان و رشده.
4- مع أن خلق شیاطین الجن و الإنس من الضرورات، و لکن من یلعب هذا الدور یلعبه باختیاره و إرادته دونما جبر من قبل الله تعالى.
مسألة (السر فی خلق أهل الشقاء و عذابهم) ترجع إلى البحث المعروف (الجبر و الاختیار) و یقال فی ذلک:
إن الله یعلم منذ البدایة بمصیر الموجودات، فلماذا خلقهم؟ أ لیس هذا الخلق من باب الإجبار، و إنه خارج تماماً عن إرادة الإنسان و حریته؟! و من جهة أخرى فلو أن هذا المخلوق لا ینجر إلى العصیان و الطغیان، فإن ذلک یعنی إیجاد التناقض بالنسبة لعلم الله المبنی على أساس أن هذا المخلوق سوف یعصی و یطغى، إذن فهذا الموجود مجبور، و لابد له من أن یطغى و یخرج عن الطریق، و لیس بإمکانه أن یکون بشکل آخر، و هذا نوع آخر من أنواع الجبر.
و لذلک سوف نبدأ الکلام بإیضاح عدد من النقاط ذات الارتباط بـ (علم الله) أو (اختیار العباد و إجبارهم):
1- علم الله بمصیر المخلوقات و کیفیة تعاملها و سلوکها لا یوجب إجبارها على فعل الخطأ و العصیان، فمثلاً: لو فرضنا أنک تراقب الطریقة التی یقود بها صاحبک سیارته و أنت واقف على مکان مرتفع، حیث ترى أن هذا اللون من القیادة سوف ینتهی بصاحبه إلى الهاویة نتیجة لسلوکه و عمله اللامنضبط و اللاعقلائی، فإذا کنت على علم کامل بذلک، و إن صاحبک وصل إلى مصیره المحتوم بعد دقائق نتیجةً لعمله فهل إنک مقصر بحقه؟! و هل کنت السبب و الباعث على سقوطه و هویه فی الوادی؟ و هل لعلمک دخل باختیاره (لهذه الطریقة فی القیادة) و له دور فی إجباره علیها؟
و هل أن المهندسین و صانعی السیارات الذین یعلمون علماً یقیناً أن الکثیر من الحوادث تقع بسبب سوء الاستفادة من السیارات و عدم الانضباط فی القیادة لهم دخل فی إجبار الناس على المخالفة و تسبب الحوادث؟
إن الله سبحانه لم یقدر مصیر الإنسان (على المعصیة و الذنب) إطلاقاً، و قد نقل المحدثون و الرواة حدیثاً عن الرسول الأکرم (ص): «لعنت القدریة على لسان سبعین نبیاً. قیل: و من القدریة یا رسول الله؟ فقال: «قوم یزعمون أن الله قدر علیهم المعاصی و عذبهم علیها».[1]
2- و من الأفضل أن نقول إن الله سبحانه علم بمن یأخذ بأسباب الهدایة و الرشاد و یستفید من الأرضیة الصالحة لذلک، کما أنه یعلم بمن یعرض عنها و لا یستفید منها. و إن ما یصیب الناس من عذاب إنما هو انعکاس لأعمالهم الاختیاریة و عدم استفادتهم من أسباب الهدایة، تماماً کما هو الأمر بالنسبة إلى المعلم عندما یشرع ببیان الدرس لطلابه، فإنه یوفر عوامل الموفقیة و النجاح للجمیع، و لکنه یعلم مَنْ من طلابه سوف یستفید من هذه العوامل و من منهم لا یعیرها اهتماماً، و من الطبیعی أن تکون الدرجة و النجاح من نصیب أصحابها، و أما الإخفاق و الفشل فهو من نصیب أهله الذین اختاروا لأنفسهم هذا الطریق. فعلم المعلم کاشف لسلوک الطلاب، و لیس عاملاً من عوامل إجبارهم على الکسل و الفشل.
و الخلاصة: إن الله یعلم بطاعة العبادة و معصیتهم، و إن هذا العلم کاشف و تابع[2] لسلوک العباد».[3]
3- جمیع هذه الاعتراضات یمکن أن تکون موجهة و مقبولة فیما لو لم یرسل الله رسولاً أو یجعل سبباً للهدایة، و مع ذلک یرید الهدایة من الناس، و لکن عندما یزود الإنسان بالرسول الباطن (العقل) و یرسل إلیه الرسول الظاهر (الأنبیاء و الرسل) فمن هو المقصر یا ترى؟ الذی لدیه مائة مصباح و یظل الطریق، أم یلام المتخلف بسبب کسره لمصباحه؟
4- الحیاة فی هذه الدنیا هی حیاة مدرسة الإرادة، و سعادة و شقاوة کل انسان بیده.
و الإنسان هو الذی ینبغی علیه أن یتحرک من جانب و یطلب الهدایة و التوفیق من الله من جانب آخر.
5- إن الله خلق الانسان و اراد له التکامل و لکن هذا التکامل یحصل من خلال عدة اسباب منها الصراع بین الخیر و الشر، فلابد من وجود دور الشیطان حتى یهیأ المحیط الملائم للتکامل و الترقی، و لکنه یلعب هذا الدور بارادته و اختیاره فوجود الشیطان لیس مضراً بالنسبة للذین یؤمنون بالله و یختارون السیر على طریق الحق، و إنما هو وسیلة من وسائل التقدم و الترقی، و ذلک لأن التکامل و التقدم و الرقی لا یکون إلا فی معترک التضاد و التدافع.[4]
6- مع أن الدور الذی یلعبه شیاطین الجن و الإنس ضروری، إلاّ أن الذی یلعب هذا الدور لا یکون مجبراً علیه، و إنما یمارسه باختیاره و إرادته، و لا وجود لأی جبر من جانب الله سبحانه و تعالى.
إن الله سبحانه لم یخلق الشیطان شیطاناً، و الدلیل على ذلک ما کان علیه من العبادة و الطاعة (6 آلاف عام)[5] جنباً إلى جنب مع الملائکة و أهل العبادة، و لکنه ابتعد عن رحمة الله سبب طغیانه و تکبره و باختیاره و لذلک طرد و أبعد.
و کذلک العمل الذی قام به یزید بن معاویة فإنه عمل اختیاری أقدم علیه بکامل إرادته، و لذلک لیس لیزید أن یقول: إلهی لم خلقتنی لأن الله سوف یجیبه: إن خلق دورک کان ضروریا، و إذا تسائل قائلاً: و لماذا أنا الذی أقوم بتأدیة هذا الدور، فإن الله سبحانه یجیبه بالقول: إنک اخترت هذا الدور بنفسک، و کان بإمکانک ألا تکون یزیدَ الحالی، فلا تؤاخذ و لا تعاقب.
و بعبارة أخرى، إن فی النظام الحالی لابد من وجود أناس سیئین حتى یصل أناس آخرون إلى الکمال من خلال التعامل معهم. و کمثال لذلک لابد من وجود یزید حتى یکون الحسین (ع) و یکون معنىً للعمل الذی قام به، و فی هذا الإطار لابد أن یصل الحسین (ع) إلى مقام الشهادة السامی و ینال أعلى الدرجات، و لکن الله لم یجبر أحداً على أن یکون مصداقاً لیزید، و إن الإنسان نفسه هو الذی یضع نفسه فی هذا الموقع باختیاره و لذلک لیس بإمکانه أن یقابل ربه بالسؤال و یقول لماذا یجب علی أن ألعب دور یزید فی هذه الحیاة؟ و ذلک لأنه لا وجود له (یجب) فی البین، و کان بإمکانه أن لا یکون کذلک.
7- إن أصل خلق الإنسان لطف من الله تعالى بحق الإنسان کمثل شخص یعد مائدةً و یدعو عدداً من الناس لتناول الطعام، و عند الحضور یوجد بینهم من یختار عدم الاستفادة من الطعام المعد، و على أثر عمله هذا یصاب ببعض العوارض المدمّرة، و من هذه الجهة فلا لوم على المضیف و لیس بالإمکان مؤاخذته بسبب دعوته لهذا الشخص. و إنما لو لم یوجه له الدعوة (لعلمه أنه لم یأکل من هذا الطعام) فمن الممکن أن یعاتبه بالقول: إنه لماذا لم توجه لی الدعوة، و لو أنک دعوتنی لکنت تناولت من هذا الطعام.
[1] أنه (ص) قال: «لعنت القدریة على لسان سبعین نبیاً». قیل: و من القدریة یا رسول الله؟ فقال: «قوم یزعمون أن الله قدر علیهم المعاصی و عذبهم علیها». بحار الأنوار، ج 5، ص 47.
[2]قال: و هو تابع بمعنى أصالة موازیه فی التطابق.
أقول: اعلم أن التابع یطلق على ما یکون متأخرا عن المتبوع و على ما یکون مستفادا منه و هما غیر مرادین فی قولنا العلم تابع للمعلوم فإن العلم قد یتقدم المعلوم زمانا و قد یفید وجوده کالعلم الفعلی و إنما المراد هنا کون العلم و المعلوم متطابقین بحیث إذا تصورهما العقل حکم بأصالة المعلوم فی هیئة التطابق و أن العلم تابع له و حکایة عنه و أن ما علیه العلم فرع على ما علیه المعلوم و على هذا التقدیر یجوز تأخر المعلوم الذی هو الأصل عن تابعه فإن العقل یجوز تقدم الحکایة على المحکی. کشفالمراد، ص 231.
[3] الخواجه نصیر الدین الطوسی، کشف المراد،ص 230.
[4] البسیونی، محمد، شناسی از دیدگاه قرآن کریم "معرفة الشیطان فی نظر القرآن الکریم"، ص 17.
[5] نهج البلاغة، الخطبة القاصعة، ش 234.