للخجل نتائج سلبیة وخیمة، حیث یعد من الموانع التی تقف سدا أمام وصول الإنسان إلى النجاح فی مسیرة حیاته.
لکن یستطیع الإنسان أن یتغلب على هذه الحالة المرضیّة النفسیة و یعالجها، کغیرها من الصفات السیئة.
و من العلاجات الناجعة لهذا المرض النفسی عند الأطفال الصغار هو إشراکهم فی الحوارات، و تشجیعهم على التواجد فی المجتمع و الحیاة الاجتماعیة.
و هناک أمور مؤثرة فی التغلب على الخجل عند الشباب المبتلین بهذا المرض یمکن أن نذکر منها ما یلی: تقویة الثقة بالنفس، التدریب على الشعور بالأمل، عدم التخوف من سخریة الآخرین، الاختلاط بالمجتمع، تلاوة الآیات 25 إلى 28 من سورة طه: «رَبِّ اشْرَحْ لی صَدْری و یسّر لی أمری وَ احْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانی یَفْقَهُوا قَوْلی».
قبل الإجابة عن السؤال ینبغی أن یقال: الخجل مرض یمنع تقدم الإنسان و تطوره، و یؤدی إلى أن تصدر منه تصرفات غیر مدروسة و ردود فعل غیر ملائمة، بل یؤدی إلى الهروب من النشاطات، و ضعف الشخصیة، و یسبب مشاکل فی إنشاء علاقات الصداقة و التعرف على الأصدقاء، و کذلک یعرض سلامة الجسد و النفس للمخاطر. الخجول یعیش حالة من القلق عندما یقابل أشخاصا لم یتعرف علیهم سابقا، و یصعب علیه الدخول إلى أماکن جدیدة، و العمل فی أجواء لم یعهدها من قبل، فینتهی الأمر بالشخص الخجول إلى الانزواء و الإحساس بالعجز مع أنه یمتلک القدرات الکافیة.
الخجل عدو باطنی یؤثر فی الشخص کالعدو الخارجی. و نذکر مثالا لذلک: التلمیذ الخجول لا یستطیع أن یطرح السؤال الذی یدور فی خلده، و ینتظر دائما غیره لیطرح ذلک السؤال الذی یشغل باله.
الخجل لا یعدو کونه إحساسا لا غیر، أی هو وهم باطل لیس إلا و لا یستند إلى أی حقائق. و الإنسان الخجول یعتقد انه لیس له أی أهمیة اجتماعیة، و یتصور أن الآخرین لا یعتبرونه شیئا مهماً، بینما قد یکون هذا الأمر لا حقیقة له أصلا. و مادام هذا التصور فی مخیلة الإنسان، فلا یمکن التخلص من آثاره السلبیة.
ان الأشخاص الخجولین لیس لدیهم أدنى ثقة بالأفکار التی یحملونها، و تنمو لدیهم عقدة الحقارة. فعندما یکتبون موضوعا أو یتحدثون بحدیث أو یکتشفون قضیة ما، فإنهم یتصورون أن معلوماتهم عدیمة القیمة، و لا تستحق الإفصاح عنها، و یعتقدون أن أی شخص یعلم بما لدیهم من معلومات فلذلک نراهم یمتنعون عن الکشف عما فی نفوسهم، فقلما یستطیعون إجبار أنفسهم على التحدث، و إذا تکلموا فسرعان ما یسری إلیهم الارتباک، فینسون ما أرادوا أن یتحدثوا عنه، فیکشفوا ضعفهم للآخرین. و یؤدی هذا الأسلوب الخاطئ من التصور و التفکیر بالإنسان إلى الانطواء على نفسه.[1]
طرق علاج "الخجل"
الالتفات إلى الآثار السیئة للخجل یحث الإنسان إلى أن یسعى للحصول على العلاج المساعدللتغلب علیه، لکن قبل کل شیء یجب أن یُعلم؛ أولا: أن الخجل حالة نفسیة یمکن علاجها، حالها حال الکثیر من الصفات النفسیة السیئة. و ثانیا: یمکن أن تعود جذور هذا المرض إلى مرحلة الطفولة أو الشباب.
و لأجل علاج هذا المرض فی مرحلة الطفولة یجب إتباع ما یلی:
ینبغی أن نربی الأطفال تربیة اجتماعیة، و أن نصطحبهم معنا لزیارة الأصدقاء، و کذلک ندعو الأصدقاء لزیارة منزلنا، و نمتدح الطفل بحضور الضیوف، و کذلک نطلب من الطفل أن یتحدث أمام الآخرین.
و من الأسالیب المؤثرة فی جعل الأطفال اجتماعیین و علاج حالة الخجل عند الأطفال أن یطرح الکبار أسئلة تحفز الصغار على التفکیر و الإجابة عنها. و من الأفضل فی هذا المجال أن نشرکهم مع الکبار لکی لا یبتلی الطفل بالخجل، و یستطیع بذلک أن یظهر قدراته الشخصیة التی یتمتع بها أمام الآخرین دون أن یصاب بالوقاحة و الصلف، و سبیل تحقیق هذا الهدف هو أن نفسح له المجال للمشارکة فی النشاطات الاجتماعیة و التحدث مع الآخرین، و ینبغی تشجیع الطفل عندما یتکلم فی مختلف المواضیع، و إذا أخطأ نقوم بإصلاح أخطائه بأسلوب مرن و لطیف.
و من الأسالیب التی تنمی شخصیة الطفل و تبعده عن الخجل إشراکه فی النقاشات، و مشاورته، و منحه الفرصة للتحدث عن ذکریاته، و کذلک إیکال بعض المسؤولیات البسیطة إلیه فإن کل ذلک یحول دون وقوعه فی الخجل و الانطواء على نفسه و الخوف من الولوج فی المجتمع.
و لکن لا ینبغی الغفلة عن أمر هام هو أن لا ندع الطفل یصاب بالوقاحة فی إبداء آراءه و إظهار شخصیته، فینبغی أن نعلمه کیف یحترم الأشخاص الآخرین و یقدر آراءهم. و إذا تعرضت شخصیته و کرامته للإهانة ینبغی أن یدافع عن حقه بأدب و صراحة.
و لأجل علاج هذا المرض فی مرحلة الشباب ینبغی أن نتبع الخطوات التالیة:
1. الإیحاء:
وفقا لرأی علماء النفس؛ ینفع الإیحاء فی علاج الکثیر من الأمراض النفسیة و الجسدیة. مثلا: کرر هذه الجملة بشکل مستمر "أنا أستطیع أن أنجز هذه الأعمال"، فأنا أستطیع أن أتحدث أمام الآخرین، و بما أن الخجل علامة للخوف من الفشل و ناتج عن الخوف من التعامل مع الآخرین، فلا یزول هذا الضعف النفسی بالهروب من التعایش مع الآخرین. فیلزم تکرار هذه الجملة فی اللیل عندما یستقر الإنسان و یأوی إلى فراشه: أنا مثل الآخرین أمتلک القدرات، و القابلیات و قد کشف النبی (ص) النقاب عن هذه الحقیقة بقوله: "النَّاسُ مَعَادِنُ کَمَعَادِنِ الذَّهَبِ وَ الْفِضَّة"[2] و أنا أستطیع أن أتکلم بکل ما أرید. أنا لا أخاف من الآخرین. أنا سوف أستطیع أن أکون کما أحب.
2. الثقة بالنفس:
لکی یوفر الإنسان السعادة لنفسه یجب علیه أن یعتمد على نفسه و یثق بنوایاه و أعماله و أن یصدق أنه قادر على أن یخطو بنفسه نحو سلم التطور و التکامل[3]. و عندما یتأمل بتفکر و یزن الحقائق بشکل سلیم ستتضح له حقیقة أن الله سبحانه رحیم، و قد خلقه کسائر عباده و منحه عقلا و جسما سلیمین، و منحه قابلیات جیده و عندها سیتوصل الى أنه لا ینقصه شیء عن الآخرین. و عندما یفهم الإنسان ذلک سوف یقتنع أنه یجب علیه أن یعیش مثلهم و أن لا یخجل من أن یعاشر الناس و لا من التحدث أمامهم.
و قد أودع الله تعالى فی الإنسان قوة الإرادة و لو استثمرها الإنسان لکان قادرا على إزالة العقبات التی تقف أمامه.
فلو توکل الإنسان على الله فسوف یتمتع بالثقة بالنفس، و لا یضعف فی سبیل الوصول إلى أهدافه الإنسانیة. ترتبط سعادة الإنسان بالعقائد التی یؤمن بها و الأعمال التی یؤدیها، و شقاءه ناشئ من أفعاله السیئة. الشخص الذی یعمل و لا یصغی لوساوس أعدائه أو أصدقائه الحمقى، و یبذل جهده للوصول إلى أهدافه سوف یحصل یقتطف ثمار عمله بسرعة، و سوف یزداد رجاءه یوما بعد یوم. و الشخص یتوقف عن العمل أو یصاب بالیأس لمجرد نظرة احتقار موجهة إلیه سیصاب بالخمول و الکآبة، و تزداد حالته سوءا یوما بعد یوم.
3. التمرین
لأجل التخلص من العادات السیئة یحتاج الإنسان إلى التمرین المستمر، و ذلک بالمشارکة فی النقاشات العامة، و الانضمام إلى مجامیع اجتماعیة و التعاون مع أعضائها، و طرح الآراء الشخصیة و التطلع فی عین المخاطبین أثناء التحدث إلیهم؛ و من الطبیعی أن کل المتکلمین یعانون بادئ الأمر و بنحو ما من مشاکل لا تختلف کثیرا عن المشاکل التی یواجهها، فهم أیضا کانوا یعانون من الضعف فی نطق الکلام، لکن بالممارسة و التمرین و الصبر یتغلبون على نقاط ضعفهم، و شیئا فشیئا یتغلبون على خجلهم بشکل تام.
4. الأمل:
امتلاک الأمل و الیقین و اتخاذ قرارات جازمة و امتلاک إرادة حدیدیة یمکنها أن تقضی على مشکلة الخجل بشکل نهائی.
موسى (ع) کان عنده عقدة فی لسانه، لکنه اتکل على الله سبحانه و استطاع النجاح فی حیاته الاجتماعیة لمستوى أن ألد أعدائه لم یستطیعوا أن یتخذوا هذا الأمر نقطة ضعف ضده، و لم یتمکنوا من أن یجبروه على الانطواء.
لأجل الخلاص من الیأس توجد العدید من الطرق، منها التوکل على الله. و یستطیع الإنسان بالثقة بخالق الوجود و التوکل علیه أن یتخلص من کابوس الوحدة و الیأس و ضعف الإرادة.
5 . عدم الخوف من سخریة الآخرین:
لا یوجد شخص فی الدنیا خال من العیوب. فالإنسان العاقل هو الذی یسیر فی طریق التخلص من عیوبه، لا أنه یتأذى من سماع عیوبه و یخشى من انتقاد الآخرین له.
قال الإمام جعفر الصادق (ع): «أَحَبُّ إِخْوَانِی إِلَیَّ مَنْ أَهْدَى عُیُوبِی إِلَی».[4]
فعندما یکون النقص فینا واضحا و یأتی من ینبهنا إلیه، فلا ینبغی أن ننزعج من ذلک، بل یجب علینا أن نشعر بالارتیاح و نشکره، و نسارع بالتفکیر فی علاج ذلک النقص. و من هنا فلا یجب الخوف من التحدث خشیة أن نخطأ فی کلامنا، بل یجب الانطلاق بالتکلم بکل جرأة.
6. المخالطة الاجتماعیة و عدم الانزواء:
لأجل التخلص من الخجل یلزم أن یکون الشخص اجتماعیا و یتحقق هذا الأمر بمراعاة النقاط التالیة:
أ . مبادرة الآخرین بالسلام. ب. سؤال الآخرین عن أحوالهم بعد السلام و ذلک باستخدام العبارات المتداولة و عدم الانفصال السریع عن الشخص المقابل.
ج. السعی للمشارکة فی النشاطات الاجتماعیة، سواء فی أجواء البیت، أو المدرسة و الجامعة و أمثال ذلک، کالمشارکة فی المعسکرات الکشفیة، و الألعاب الجماعیة.
د. أن لا یرکز الشخص المتکلم اهتمامه على أعضاء جسمه (الید، الرجل، أسلوب الکلام و...) بل یرکز على الموضوع الذی یرید أن یتحدث عنه أمام الآخرین. هـ – إنشاء علاقات صداقة مع الأشخاص الجیدین النشطاء الناجحین الذین لا یشعرون بالخجل.
7. تلاوة الآیات 25 إلى 28 من سورة طه: «رَبِّ اشْرَحْ لی صَدْری و یسّر لی أمری وَ احْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانی یَفْقَهُوا قَوْلی».
أول شروط النجاح هو سعة الصدر فی کل عمل. فبدلا من أن یخشى الإنسان المسؤولیة و یهرب منها، یجب علیه أن یوفر المقدمات و الإمکانات اللازمة لنجاحها و یتوکل على الله سبحانه. و هذه الآیة الکریمة: "رب اشرح لی صدری"، تتحدث عن قصة النبی موسى (ع) حیث لیس فقط لم یخش من المسؤولیة العظمى التی أوکلها الله إلیه، بل استقبلها بصدر رحب، غایته أن دعا من الله أن یوفر له أسباب النجاح فیها، و بما أن أول أسباب التفوق و النجاح هو امتلاک الروح الکبیرة، و الفکر الشامخ و العقل القدیر. و بعبارة أخرى، سعة الصدر، طلب موسى (ع) من ربه أن یشرح له صدره، و بما أن طریقه کان ملیئا بالعقبات و لا یوجد من یستطیع أن یذللها سوى الله فقد طلب موسى (ع) مرة أخرى من الله أن ییسر له أمره، و بعدها طلب من الله أن یحلل عقدة من لسانه لکی یفهموا کلامه.
و مع أن شأن نزول هذه الآیة هو التحدث أمام الآخرین، لکن یمکن الاستفادة منها فی موارد الخجل الأخرى، فنستفید منها دروسا فی التوکل على الله، و عدم الخوف من العقبات الاجتماعیة و عدم التأثر باستهزاء الآخرین و...، و بتلاوة هذه الآیة الشریفة أثناء شعورنا بالخجل سوف نتذکر کل هذه الدروس و العبر و نتغلب على الخجل بإذن الله.
[1] - لأجل الاطلاع على جذور و أسباب الخجل، راجع: عنوان جذور و أسباب الخجل، السؤال 3581، (الموقع: 4204).
[2] - بحارالأنوار، ج 58، ص 65.
[3] وقد ورد فی القرآن الکریم قوله تعالى: "إن الله لا یغیر ما بقوم حتى یغیروا ما بأنفسهم"، الرعد، 11.
[4] بحار الأنوار، ج71، ص282.