صحیح أنه لایعد الاحتفال بالمولد من السنن الاسلامیة بالمعنى الخاص؛ بمعنى أنه لم یرد فیه دلیل خاص (مباشر) من الشرع المقدس بحث یمکن القول بانه توجد آیة أو روایة خاصة تصرح باستحباب الاحتفاء بالذکرى السنویة لولادة الطفل. و لکن هذا لا یعنی بحال من الاحوال ان کل جدید حرام، و کل ما لم ینص علیه الشرع نصا مباشرا خارج عن اطار الشریعة، بل یمکن التمسک بالعمومات لاثبات کون الامر مباحا، و مجرد کون الشعوب الاخرى تفعل ذلک لایعد مبررا للقول بمنعه.
من هنا یمکن ادراج القضیة تحت المباحات العامة بل تحت بعض العناوین المحبذة شرعا کشکر المنعم على کل نعم أنعم بها على العبد، وقد وردت فی هذا المجال آیات و روایات کثیرة، فالاحتفاء شکرا و سرورا لا مانع منه بشرط ان لا یشتمل الاحتفال المذکور على محرمات جانبیة کالغناء و الاسراف و ما شابه ذلک، و من هنا اجاب سماحة السید الخوئی (ره) عن السؤال التالی:
ما حکم إقامة أعیاد المیلاد التی تقام بمرور ذکری مدة معیّنة تمر من عمر الإنسان کسنة مثلا، أو أکثر و یجمع فیها الأهل و الأصدقاء و توزع الهدایا و المرطّبات الى غیر ذلک، و هل ان هذا یعدّ من التشبّه المحرّم للکافر؟ و مع فرض أنها تقام بهذه الصورة المتقدّمة و لکن یستغل إحیاءها بقراءة مولد النبی (ص) و إنشاء المقطوعات الدینیّة فی مدح أهل البیت (ع) و نحوها، فهل یختلف الحکم حینئذ؟
(الخوئی:) لا بأس بما ذکر، و لو لم ینضم بما ذکر، ما لم یستلزم الحرام.
صحیح أنه لا یعد الاحتفال بالمولد من السنن الاسلامیة بالمعنى الخاص؛ بمعنى أنه لم یرد فیه دلیل خاص (مباشر) من الشرع المقدس بحث یمکن القول بانه توجد آیة أو روایة خاصة تصرح باستحباب الاحتفاء بالذکرى السنویة لولادة الطفل..
نعم، تحدث القرآن الکریم عن ولادة رسولین من رسله و هما موسى (ع) حینما قال عز من قائل : " وَ أَوْحَیْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعیهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَیْهِ فَأَلْقیهِ فِی الْیَمِّ وَ لا تَخافی وَ لا تَحْزَنی إِنَّا رَادُّوهُ إِلَیْکِ وَ جاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلینَ * فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِیَکُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَ حَزَنا"[1] و الآخر عیسى (ع) فی قوله تعالى: " فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَکاناً قَصِیًّا * فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ قالَتْ یا لَیْتَنی مِتُّ قَبْلَ هذا وَ کُنْتُ نَسْیاً مَنْسِیًّا * فَناداها مِنْ تَحْتِها أَلاَّ تَحْزَنی قَدْ جَعَلَ رَبُّکِ تَحْتَکِ سَرِیًّا " الى قوله " فَأَشارَتْ إِلَیْهِ قالُوا کَیْفَ نُکَلِّمُ مَنْ کانَ فِی الْمَهْدِ صَبِیًّا * قالَ إِنِّی عَبْدُ اللَّهِ آتانِیَ الْکِتابَ وَ جَعَلَنی نَبِیًّا".[2] و لا یمکن الاستناد الى تلک الایات للقول بوجود نص خاص یدل على وجوب او استحباب احتفال الانسان بیوم ولادته او ولادة ابنه مثلا.
و لکن هذا لا یعنی بحال من الاحوال ان کل جدید حرام، و کل ما لم ینص علیه الشرع نصا مباشرا خارج عن اطار الشریعة، بل یمکن التمسک بالعمومات لاثبات کون الامر مباحا، و مجرد کون الشعوب الاخرى تفعل ذلک لایعد مبررا للقول بمنعه.
من هنا لابد من النظر الى القضیة نظرة موضوعیة، و من زاویتین:
الاولى: اننا عندما نرجع الى المصادر الاسلامیة نجدها تؤکد على الاحتفال بالمولد فی بعد الولادة مباشرة، فقد حدثنا التاریخ القطعی بان الرسول الاکرم (ص) احتفى بولادة الحسنین (ع) فعن أَسْمَاءَ بنت عُمَیْسٍ قالت: لَمَّا وَلَدَتْ فَاطِمَةُ الْحَسَنَ جَاءَ النَّبِیُّ (ص) فَقَالَ یَا أَسْمَاءُ هَاتِی ابْنِی فَدَفَعْتُهُ إِلَیْهِ فِی خِرْقَةٍ صَفْرَاءَ فَرَمَى بِهَا، و قَال: أَ لَمْ أَعْهَدْ إِلَیْکُمْ أَنْ لا تَلُفُّوا الْمَوْلُودَ فِی خِرْقَةٍ صَفْرَاءَ، وَ دَعَا بِخِرْقَةٍ بَیْضَاءَ فَلَفَّهُ فِیهَا ثُمَّ أَذَّنَ فِی أُذُنِهِ الْیُمْنَى وَ أَقَامَ فِی الْیُسْرَى، ثُمَّ ذکرت فی الحسین مثل ذلک إِلى أَنْ قَالَت: فلمَّا کان یوم سَابِعِهِ جَاءَنِی النَّبِیُّ (ص) فقال: هلُمِّی إِلَیَّ بِابْنِی فَفَعَلَ بِهِ کَمَا فَعَلَ بِالْحَسَنِ وَ عَقَّ عَنْهُ کَمَا عَقَّ عَنِ الْحَسَنِ کَبْشاً أَمْلَحَ وَ أَعْطَى الْقَابِلَةَ رِجْلًا وَ حَلَقَ رَأْسَهُ وَ تَصَدَّقَ بِوَزْنِ الشَّعْرِ وَرِقاً وَ طَلَى رَأْسَهُ بِالْخَلُوقِ قَالَ إِنَّ الدَّمَ مِنْ فِعْلِ الْجَاهِلِیَّة.[3]
إذن اصل الاحتفاء بقدوم المولود لا اشکال فیه و قد فعله النبی و الائمة المعصومون (ع) شکرا لله تعالى.
الثانیة: یحق للانسان ان یحدث لله شکرا فی أیّة مناسبة یتذکر فیها النعم التی انعم الله بها علیه، فعن أَبِی عبد اللَّه الصادق (ع) أنه قال: مکتُوبٌ فِی التَّوْرَاةِ اشْکُرْ مَنْ أَنْعَمَ عَلَیْکَ وَ أَنْعِمْ عَلَى مَنْ شَکَرَکَ فَإِنَّهُ لَا زَوَالَ لِلنَّعْمَاءِ إِذَا شُکِرَتْ وَ لَا بَقَاءَ لَهَا إِذَا کُفِرَتْ الشُّکْرُ زِیَادَةٌ فِی النِّعَمِ وَ أَمَانٌ مِنَ الْغِیَرِ.[4]
فاذا انطلقنا من هاتین المقدمتین نستطیع القول بان الاحتفال بالمولد سواء کان مولد النبی الاکرم (ص) ام مولد الائمة المعصومین (ع) أم مولد الاطفال لا یعد من البدعة المحرمة کما تذهب الى ذلک بعض الاتجاهات فی العالم الاسلامی المتمثلة بالخط الوهابی، بل یمکن الاحتفال شکرا لله تعالى فی منح تلک الهدیة الکبرى و الموهبة السنیة و الاشارة الى عظیم تلک الشخصیة و خصالها الحمیدة و سجایاها الخالصة لنقتبس منها نوراً و هدیاً و رشداً، کذلک نحتفی بمولد الطفل لنشکر الله تعالى على هذه النعمة التی لو قدر ان حرمنا منها لکانت حیاتنا ملیئة بالعناء فها نحن نشکر الباری تعالى على ان وهب لنا طفلا او طفلة سلیم الاعضاء قد عالج فی نفوسنا مشکلة عظیمة و سد فراغا واسعا، فمن هنا نستذکر یوم تلک النعمة الکبرى بالشکر و نستقبلها السرور، هذا بالاضافة الى ما ینطوی علیه الاحتفال من بث روح الامل فی الطفل و استشعاره بالحنان الابوی و بقیمته و منزلته فی الاسرة، مما یعزز فی نفسه نقاط القوة و یرفع عنه مکامن الخلل و الضعف، فقد روی عن مُرَازِمٍ عن أَخیهِ قال: قال رجلٌ لأَبِی عبد اللَّه (ع): وُلِدَ لِی غُلَامٌ. فقال (ع): رَزَقَکَ اللَّهُ شُکْرَ الْوَاهِبِ وَ بَارَکَ لَکَ فِی الْمَوْهُوبِ وَ بَلَغَ أَشُدَّهُ وَ رَزَقَکَ اللَّهُ بِرَّهُ.[5]
و عن أَبِی بَرْزَةَ الْأَسْلَمِیِّ قَالَ: وُلِدَ لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِیٍّ (ع) مَوْلُودٌ فَأَتَتْهُ قُرَیْشٌ فَقَالُوا: یَهْنِئُکَ الْفَارِسُ! فَقَالَ: وَ مَا هَذَا مِنَ الْکَلَامِ! قُولُوا: شَکَرْتَ الْوَاهِبَ وَ بُورِکَ لَکَ فِی الْمَوْهُوبِ وَ بَلَغَ اللَّهُ بِهِ أَشُدَّهُ وَ رَزَقَکَ بِرَّهُ".[6]
ومن هنا اجاب السید القائد حفظه الله عن السؤال التالی:
ما هو حکم قراءة المراثی و المدائح التی تُبکی السامعین فی الاحتفالات بموالید الأئمة (علیهم السلام) و عید المبعث؟ و ما هو حکم نثر المال على الحضور؟
قائلا: لا إشکال فی قراءة المراثی و المدائح فی احتفالات الأعیاد الدینیة، و لا بأس فی نثر المال على الحضر فیها، بل یثاب علیه فیما لو کان لغرض إظهار مشاعر الفرح و السرور و لإدخال البهجة على قلوب المؤمنین.[7]
و اجاب سماحته ایضا عن السؤال التالی:
بالنسبة إلى أعیاد المسیحیین، هناک بعض المسلمین یحتفلون بها، فهل فی هذا إشکال؟
قائلا: لا بأس بالاحتفال بمیلاد عیسى المسیح (على نبیّنا و آله و علیه السلام).[8]
فالاحتفاء شکرا و سرورا لا مانع منه بشرط ان لا یشتمل الاحتفال المذکور على محرمات جانبیة کالغناء و الاسراف و ما شابه ذلک، و من هنا اجاب سماحة السید الخوئی (ره) عن السؤال التالی:
ما حکم إقامة أعیاد المیلاد التی تقام بمرور ذکری مدة معیّنة تمر من عمر الإنسان کسنة مثلا، أو أکثر و یجمع فیها الأهل و الأصدقاء و توزع الهدایا و المرطّبات الى غیر ذلک، و هل ان هذا یعدّ من التشبّه المحرّم للکافر؟ و مع فرض أنها تقام بهذه الصورة المتقدّمة و لکن یستغل إحیاءها بقراءة مولد النبی صلّى اللَّه علیه و آله و إنشاء المقطوعات الدینیّة فی مدح أهل البیت علیهم السّلام و نحوها، فهل یختلف الحکم حینئذ؟
(الخوئی:) لا بأس بما ذکر، و لو لم ینضم بما ذکر، ما لم یستلزم الحرام.[9]
[1]القصص، 7-8.
[2]مریم، 22-30.
[3]الحر العاملی، وسائلالشیعة ج : 21 ص : 411.
[4]الکلینی، محمد بن یعقوب، الکافی ج : 2 ص : 94، بَابُ الشُّکْرِ .
[5]الکافی ج : 6 ص : 17، بَابُ التَّهْنِئَةِ بِالْوَلَدِ .
[6]نفس المصدر.
[7]أجوبة الاستفتاءات (بالعربیة)، ج2، ص: 61، رقم السؤال372.
[8]نفس المصدر، رقم السؤال382.
[9] صراط النجاة (للخوئی مع حواشی التبریزی)، ج2، ص: 441، رقم السؤال 1387>