یظهر من خلال دراسة الآیات القرآنیة التی تتحدث عن خصائص الشعب المثالی، أن القرآن الکریم أشار الى الحقائق التالیة:
1- ان القرآن الکریم لم یمنح صفة المثالیة و القدوة التامة لای شعب من شعوب الانبیاء (ع) بل نراه ذم اکثرهم و اشار الى استحقاقهم العقاب الالهی.
2- ان القرآن الکریم اکد على ان الصفوة هم الانبیاء (ع) و من غیر الانبیاء فضل آل ابراهیم و آل عمران بالاضافة الى السیدة مریم (ع).
3- صحیح ان القرآن الکریم اشار فی بعض الاحیان الى فضل بنی اسرائیل على العالمین؛ الا انه یظهر من خلال مقارنة ذلک مع الآیات الاخرى الذامة و القادحة لبنی اسرائیل، ان مراد الآیات المادحة هو بیان النعم الالهیة التی انعمها الله علیهم لا انها فی مقام بیان افضلیتهم ذاتاً على سائر الشعوب.
4- نعم القرآن اشار الى بعض المجامیع الخاصة من تبعة الانبیاء و التی تتصف بصفات خاصة کالنبی ابراهیم (ع) و اتباعه، و النبی الاکرم (ص) و من سائر على هدیه، بالاضافة الى الفتیة اصحاب الکهف و المهاجرین و الانصار.
5- کذلک اثنى القرآن على طوائف من الناس تتصف بصفات خاصة و نحو کلی کحزب الله و... .
من هنا اتضح ان الشعب المختار و المثالی هو الشعب الذی یسیر على هدی الانبیاء (ع) و یلتزم بما یصدر منهم من اوامر و دساتیر.
من اجل الاجابة عن السؤال لابد من الاشارة الى بعض الامور:
1- وردت فی القرآن بعض المصطلحات من قبیل مصطلح "التفضیل" و "التکریم".
2- ان مصطلح الاصطفاء ورد فی القرآن بحث الانبیاء و الاولیاء الالهیین فقط کقوله تعالى: "إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهیمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمین".[1]
3- بخصوص مصطلح التکریم و التفضیل الواردة فی القرآن لابد من الاشارة الى ان مصطلحی التکریم و التفضیل فی القرآن یاتی بمعنیین:
الف. الکرامة التکوینیة، بمعنى النعم الالهیة الممنوحة للانسان بعیدا عن العمل الصادر منه سواء عملا حسنا ام قبیحا، فان هذه النعم لم تمنح لسائر الموجودات، قال تعالى: "وَ لَقَدْ کَرَّمْنا بَنی آدَمَ وَ حَمَلْناهُمْ فِی الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ رَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّیِّباتِ وَ فَضَّلْناهُمْ عَلى کَثیرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضیلا".[2]
ب. التکریم و التفضیل الاخلاقی، یعنی النعم و التفضیل التی تمنح للانسان على اثر الاعمال التی یقوم بها کجزاء لذلک العمل، فمن هذه الآیات التی اشارت الى التکریم قوله تعالى: "یا أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناکُمْ مِنْ ذَکَرٍ وَ أُنْثى وَ جَعَلْناکُمْ شُعُوباً وَ قَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَکْرَمَکُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاکُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلیمٌ خَبیر".[3] فهذه الکرامة تمنح للمتقین بعد الاختبار و النجاح ای بعد الاعداد الروحی.
4- ان النعم الالهی التکوینی اذا ما استعملت فی الطریق الصحیح، لا انه تکون سببا لسمو الانسان و افتخاره، بل انه سیترتب علیها اثر اخر هو خلاصه من الضیاع و التعاسة، و العکس صحیح؛ من هنا نرى القرآن الکریم یشیر فی بعض الآیات الى تفضیل بنی اسرائیل کقوله تعالى: "یا بَنی إِسْرائیلَ اذْکُرُوا نِعْمَتِیَ الَّتی أَنْعَمْتُ عَلَیْکُمْ وَ أَنِّی فَضَّلْتُکُمْ عَلَى الْعالَمین".[4] لکنه نراه فی آیات اخرى یذمهم و یشیر الى خصالهم الذمیمة کعبادتهم للعجل و تحریفهم لکلام الله و تکذیب الانبیاء و قتلهم، مما ادى الى نزول انواع العذاب علیهم من قبیل: نزول الصاعقة، المسخ قردة و خنازیر، و خلودهم فی العذاب.[5] من هنا یمکن القول ان الآیات المادحة کانت فی مقام الاشارة الى النعم و الکرامات التکوینیة التی منحها الله تعالى لهم و هو فی الحقیقة ثناء على فعل الله نفسه لا ثناء على بنی اسرائیل و لا تکشف الآیات عن حسن عملهم و صلاح سیرتهم بحیث استحقوا التکریم و التفضیل.
5- ان القرآن الکریم اثنى على مجموعة من الطوائف منهم:
الف. النبی ابراهیم (ع) و السائرون على هدیه، و اعتبارهم الاسوة و القدوة التی ینبغی ان تحتذى کقوله تعالى: "قَدْ کانَتْ لَکُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فی إِبْراهیمَ وَ الَّذینَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْکُمْ وَ مِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ کَفَرْنا بِکُمْ وَ بَدا بَیْنَنا وَ بَیْنَکُمُ الْعَداوَةُ وَ الْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَه".[6]
ب. النبی الاکرم (ص) و السائرون على نهجه، کقوله تعالى: "مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَ الَّذینَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْکُفَّارِ رُحَماءُ بَیْنَهُمْ تَراهُمْ رُکَّعاً سُجَّداً یَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَ رِضْواناً سیماهُمْ فی وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِکَ مَثَلُهُمْ فِی التَّوْراةِ وَ مَثَلُهُمْ فِی الْإِنْجیلِ کَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ یُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِیَغیظَ بِهِمُ الْکُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَ أَجْراً عَظیما".[7]
ج. الفتیة اصحاب الکهف حیث اشار القرآن الکریم الى خصالهم الحمیدة بقوله: "نَحْنُ نَقُصُّ عَلَیْکَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْیَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَ زِدْناهُمْ هُدىً *وَ رَبَطْنا عَلى قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً *هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْ لا یَأْتُونَ عَلَیْهِمْ بِسُلْطانٍ بَیِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ کَذِباً".[8]
د. المهاجرون و الانصار، فقد اثنى الباری تعالى علیهم بقوله: "وَ الَّذینَ آمَنُوا وَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا فی سَبیلِ اللَّهِ وَ الَّذینَ آوَوْا وَ نَصَرُوا أُولئِکَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ کَریم".[9] و وصفهم تعالى فی آیة اخرى بانه: "أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَ أُولئِکَ هُمُ الْفائِزُونَ".[10]
هـ . حزب الله، لقد وصف القرآن هذه الطائفة من المؤمنین بقوله: "لا تَجِدُ قَوْماً یُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْیَوْمِ الْآخِرِ یُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ لَوْ کانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشیرَتَهُمْ أُولئِکَ کَتَبَ فی قُلُوبِهِمُ الْإیمانَ وَ أَیَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَ یُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْری مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدینَ فیها رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ أُولئِکَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ".[11]
و. المؤمنون و الصالحون، فقد وعد الله تعالى هذا الطائفة من الناس بخلافة الارض فقال تعالى: "وَعَدَ اللَّهُ الَّذینَ آمَنُوا مِنْکُمْ وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَیَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِی الْأَرْضِ کَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذینَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَ لَیُمَکِّنَنَّ لَهُمْ دینَهُمُ الَّذِی ارْتَضى لَهُمْ وَ لَیُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً یَعْبُدُونَنی لا یُشْرِکُونَ بی شَیْئاً وَ مَنْ کَفَرَ بَعْدَ ذلِکَ فَأُولئِکَ هُمُ الْفاسِقُون".[12]
اتضح من خلال کل ذلک ان الشعب المثالی و الذی یرتضی الباری عمله هو الشعب الذی یتمسک بقیم السماء و تعالیم الانبیاء و یسیر على الهدی الذی رسموه للانسان.
[1] آل عمران، 33.
[2] الاسراء، 70. و غیرها من الآیات القرآنیة.
[3] الحجرات، 13.
[4] البقرة، 47 و122.
[5] لمزید الاطلاع انظر الآیات التالیة: البقرة، 51، 55، 65، 87، 91 و 92؛ آل عمران، 21، 112 و 118؛ النساء، 153، 156 و 157؛ المائدة، 60؛ الاعراف، 167.
[6] الممتحنة، 4.
[7] الفتح، 29.
[8] الکهف، 13-14.
[9] الانفال، 74.
[10] التوبة،20.
[11] المجادلة، 22.
[12] النور، 55.