ما يستفاد من الروايات هو أن تأخير الصلاة إنما يجوز فيما إذا كان للإنسان عذر شرعي، و أما ما هو هذا العذر الشرعي و ما يمكن أن يكون، فهو راجع إلى تشخيص المصلي نفسه و ضميره. فإذا كان العذر بحيث يقتضي التقديم حقا على فضيلة الصلاة في أول الوقت و يبرر تأخير الصلاة، عند ذلك يكون الإنسان معذورا عند الله بهذا الدليل. أما إن كان التأخير ناشئا من الكسل و عدم الاكتراث، فلا يعد عذرا شرعيا و لا شك في أنه مخالف لما أراده الله.
الصلاة من الواجبات التي تم التأكيد على أدائها في أول الوقت. فقال الإمام الصادق (ع):
1. "َ لِكُلِّ صَلَاةٍ وقْتَانِ و أَوَّلُ الْوَقْتَيْنِ أَفْضَلُهُمَا…".[1]
2. " فضل الوقت الأول على الأخير للمؤمن ولده و ماله."[2]
3. "َ مَنْ صَلَّى الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ فِي أَوَّلِ وقْتِهَا و أَقَامَ حُدُودَهَا رَفَعَهَا الْمَلَكُ إِلَى السَّمَاءِ بَيْضَاءَ نَقِيَّةً و هِيَ تَهْتِفُ بِهِ تَقُولُ حَفِظَكَ اللَّهُ كَمَا حَفِظْتَنِي و أَسْتَوْدِعُكَ اللَّهَ كَمَا اسْتَوْدَعْتَنِي مَلَكاً كَرِيماً و مَنْ صَلَّاهَا بَعْدَ وقْتِهَا مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ فَلَمْ يُقِمْ حُدُودَهَا رَفَعَهَا الْمَلَكُ سَوْدَاءَ مُظْلِمَةً و هِيَ تَهْتِفُ بِهِ ضَيَّعْتَنِي ضَيَّعَكَ اللَّهُ كَمَا ضَيَّعْتَنِي و لَا رَعَاكَ اللَّهُ كَمَا لَمْ تَرْعَنِي…"[3]
نظرا إلى أفضلية الصلاة و أخيريتها في أول الوقت، إذن نحتاج إلى دليل للتأخير، و لهذا الروايات قد جوزت التأخير فيما إذا كان للإنسان عذر شرعي مقنع. فقد روي عن الإمام الصادق (ع) حيث قال: "َ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَجْعَلَ آخِرَ الْوَقْتَيْنِ وقْتاً إِلَّا مِنْ عُذْرٍ أَوْ عِلَّةٍ".[4]
أما ما هو العذر و السبب الذي يليق أن يكون عذرا لتأخير الصلاة، فهو راجع إلى تشخيص الإنسان نفسه و ضميره، فإذا كان العذر بحيث يقتضي التقديم حقّا على فضيلة الصلاة في أول الوقت و يبرر تأخير الصلاة، عند ذلك يكون الإنسان معذورا عند الله بهذا الدليل و بإمكانه أن يؤخر الصلاة، و لكن لا ينبغي أن يتذرع بأي ذريعة و يفر من الصلاة في أول الوقت.
إذن أولوية الطعام أو الصلاة في أول الوقت متعلقة بظروف الإنسان و موقعه، فإذا كان قد أصيب بضعف أو تعب شديد أو ينتظره الآخرون و … يستطيع أن يقدم أكل الطعام على الصلاة.
أهمية حضور القلب في الصلاة
و بالإضافة إلى الآداب الظاهرية التي في الصلاة، هناك آداب باطنية يجب الاهتمام بها. و من أهم هذه الآداب حضور القلب. و لهذا فإن سُمِح بتأخير الصلاة في بعض الظروف فذلك بسبب اهتمام الله و عنايته بحضور القلب و تحصيله من قبل المصلّي. عدم أكل الطعام و تحمل الجوع البالغ و أمثاله من الأعذار قد تضرّ بحضور القلب في الصلاة أو تقضي عليه تماما.
بعد هذه المقدمة يتبادر سؤال و هو أنه إن تعذر أداء الصلاة في أول الوقت مع حضور القلب بسبب بعض الظروف الخاصة، و أمكن أداء الصلاة مع حضور القلب مع تأخير بسيط، فما التكليف؟
هنا يرجح العلامة المجلسي حالة حضور القلب على الصلاة لوقتها بغير الحضور، و ذلك بعد أن أشكل في اختيار كل من الطرفين أي حضور القلب أو الصلاة في أول الوقت. قال (ره): " [إن غلب النوم و النعاس على أحد بحيث] لو علم أنه لا يعقل عقلا كاملا و لا يكون قلبه حاضرا متنبها لما يقوله و يأتي به كما هو ظاهر الأخبار فالنهي على التنزيه (مكروه) … و لو كان في أول الوقت نومان و إذا دخل في الصلاة لا يكون له حضور القلب فيها و إذا نام ليذهب عنه تلك الحالة يخرج وقت الفضيلة فأيهما أفضل الترجيح بينهما لا يخلو من إشكال و اختار بعض المتأخرين ترجيح حضور القلب فإنه روح العبادة."[5] و قد أيّد هذا القول بعض العلماء من قبيل الشيخ عباس القمي حيث ذهب إلى هذا الرأي و رجح الصلاة مع حضور القلب.[6]
إذن فموارد جواز تأخير الصلاة تختص بظروف تضايق الإنسان و عدم راحته بحيث يكون له عذر شرعي عن الصلاة في أول الوقت، لا أن يقدّم كسله و عدم اكتراثه و يتعذر بأعذار تافهة في سبيل تأخير الصلاة، فلا شك في أن هذا السلوك مخالف لما أراده الله.
[1]. الشيخ حرّ العاملي، و سائل الشيعة، ج 4، ص 119، مؤسسه آل البيت (ع)، قم، الطبعة الأولى، 1409ق.
[2]. الشیخ الصدوق، ثواب الأعمال و عقاب الأعمال، ص 36، دار الرضى، قم، الطبعة الأولى، 1406 ق.
[3]. و سائل الشیعة، ج 4، ص 123 و 124.
[4]. المصدر نفسه، ص 119.
[5]. العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 81، ص 271، مؤسسة الوفاء، بيروت - لبنان، 1404 ق.
[6]. القمي، الشيخ عباس، الغاية القصوى فی ترجمة العروة الوثقى، ج 1، ص 322، منشورات صبح پيروزى، قم، الطبعة الأولى، 1423ق.