ليس هناك فرق ماهوي بينهما، بل علاقتهما علاقة المقدمة و ذي المقدمة. إن مقام قدم الصدق جاء في زيارة عاشوراء و مقعد الصدق قد ذكر في القرآن. إن قدم الصدق مقدمة للوصول إلى مقعد الصدق و مقام العندية مع الله و لقائه.
إن كلا عبارتي "قدم صدق" و "مقعد صدق" قد ذكرت في القرآن، و قد فسرت عبارة "قدم صدق" في الروايات بولاية و حبّ أمير المؤمنين (ع) و فسرت عبارة "مقعد صدق" بمصاحبة أهل البيت و معيتهم يوم القيامة. و نشير هنا إلى روايتين في هذا المجال:
عن الإمام الصادق (ع) حول قَوْلِهِ تَعَالَى بشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ ولَايَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ.[1]
كذلك عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ ص أَنَّهُ قَالَ أَبْشِرْ يَا عَلِيُّ مَا مِنْ عَبْدٍ يُحِبُّكَ و يَنْتَحِلُ مَوَدَّتَكَ إِلَّا بَعَثَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَنَا ثُمَّ قَرَأَ النَّبِيُّ (ص) هَذِهِ الْآيَةَ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ و نَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ.[2]
کما جاء في القرآن الكريم (و لا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها و تَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبيلِ اللَّهِ و لَكُمْ عَذابٌ عَظيمٌ)[3]
و لهذا تجد في زيارة عاشوراء يلجأ زائر الإمام الحسين (ع) إلى الله من التحذير المذكور في هذه الآية مخافة أن يحسب من الذين اتخذوا أيمانهم مع الله و أوليائه دَخَلا و يسأل الله أن يثبته على عهده " اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي شَفَاعَةَ الْحُسَيْنِ يَوْمَ الْوُرُودِ و ثَبِّتْ لِي قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَكَ مَعَ الْحُسَيْنِ و أَصْحَابِ الْحُسَيْنِ الَّذِينَ بَذَلُوا مُهَجَهُمْ دُونَ الْحُسَيْنِ ع"[4]
إذن مقعد الصدق نتيجة الحركة بقدم الصدق. و مع أن احتمال الزلل موجود أثناء المسير، و لكن لا مجال للزلل بعد الوصول إلى مقعد الصدق و الاستقرار عند المليك المقتدر و معية أهل البيت؛ إذ أن هذه الحركة الصادقة قد بلغت غايتها و هدفها.
بعبارة أخرى، عندما يريد المأموم أن يكون مع الإمام، طريقة هذه المعية هي الطاعة و المحبة للإمام، و نحن نعلم أن ادعاء العشق و المحبة قد يكون صادقا أو كاذبا. إن الصدق في ادعاء المحبة يستلزم مجاهدة النفس و طاعة الإمام، و أصل امتحان المحبة هو أن لا يسكن الإنسان في قلبه أكثر من حبيب واحد. بعبارة أخرى إن شرط الصدق في المحبة هو عدم الشرك في المحبة. إذن الصدق في المحبة هو التوحيد في المحبة.
الإنسان الذي يمشي في درب طاعة الإمام بقدم صدق، سيصل في آخر المطاف و على أساس ما مرّ من الشرح إلى مقعد صدق و هو مقام التوحيد، و سينال مقام المعية مع الإمام و مقام العندية مع الله سبحانه.
إذن مقعد الصدق و العندية مع الله هو لقاء الله، كما في سورة الفجر التي هي منسوبة للإمام الحسين (ع) حيث نجد نفس هذه الحركة و الوصول إلى لقاء الله.[5]
و كذلك يمكن الوصول إلى مقام المحمود الذي هو مقام النبي و الأئمة (ع) للخلص من الشيعة عبر سلوك طريق المحبة و الصدق في المحبة. إذن المقام المحمود و مقعد الصدق و … يشيرون إلى حقيقة واحدة و قد أريد في كل عبارة من هذه العبارات شأن خاص من هذه الحقيقة.
[1] الكليني، الکافي، ج1، ص 422، دار الکتب الاسلامیة.
[2] المجلسي، بحار الأنوار، ج 7، ص 209. مؤسسة الوفاء، بیروت.
[3] النحل، 94.
[4] الشیخ الطوسي، مصباح المتهجد، ص 776، مؤسسة فقه الشيعة، بیروت.
[5] الفجر، 27-30؛ «یا ايَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبادِي و ادْخُلِي جَنَّتِي، إِنَّمَا يَعْنِي الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا فَهُوَ ذُو النَّفْسِ الْمُطْمَئِنَّةِ الرَّاضِيَةِ الْمَرْضِيَّةِ و أَصْحَابُهُ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ»، بحار الأنوار، ج 24، ص 93.