ان البحث فی قضیّة الإمام المهدی (عج) و الاهتمام بها و التساؤل حول «الظهور» و «علامات الظهور» من الأُمور المستحسنة و الجدیرة بالاهتمام; و لکن ینبغی الالتفات إلى نکتة مهمة جداً، و هی یجب ان لا یکون الاهتمام بالبحث عن علامات الظهور على حساب «الهدف الأساسی» من وراء الایمان بقضیة الإمام (عج) و هو «توفیر الارضیة المناسبة لظهوره (عج) و الاستعداد لذلک اللقاء العظیم». نعم یجب ان لا نغفل عن ذلک الهدف السامی ونسیر فی طرق ملتویة ومسارات متعرجة.
إذا عرفنا ذلک نقول: ان علامات ظهوره (عج) تنقسم إلى اقسام کثیرة وبحیثیات متعددة، منها: تقسیمها إلى علامات الظهور الحتمیة وغیر الحتمیة.
یعتقد الکثیر من الناس ان ظهور الإمام (عج) رهین بتحقق تلک العلامات الحتمیة فاذا تحققت، ظهر الإمام (عج) حتماً!! و لکنه تصوّر غیر صحیح، و ذلک لانّ مسألة ظهور الإمام و عدم ظهوره ترتبط ارتباطاً مباشراً بالغیب، أی انها مسألة غیبیة ترتبط بالارادة الالهیة ارتباطاً کاملاً ومباشرا، بمعنى ان العلامات الحتمیة لا تعنی انها علامات جزمیة و تأکیدیة بنحو مائة بالمائة(100 %)، و ان کانت الروایات قد أکدت ان ظهور الإمام (عج) کالمعاد أمرٌ حتمی لا یتخلف ابداً، و اما العلامات ـ حتّى الحتمیة منها ـ تبقى فی حد الاحتمال و على أکثر تقدیر مقارنات لظهوره (عج) .
واما اسماء العلامات الحتمیة فهی: خروج السفیانی; والصیحة، والخسف فی البیداء، ونداء الشیطان فی السماء، وظهور الشمس من المغرب، ووقوع الاختلاف الداخلی فی معسکر الباطل، وقتل النفس الزکیة.
قبل البدء فی الاجابة عن السؤال نرى من اللازم والضروری ان نشیر إلى مجموعة من النکات المهمة، وهی:
1. تعتبر مسألة ظهور الإمام المهدی (عج) من أهم الحوادث العالمیة، من هنا اطلق على صاحبها لقب «موعود الادیان» و «المصلح العالمی».
2. بما انّ ظهوره (عج) من اهم الوقائع التاریخیة فلابدّ من ان یقترن قیامه بمجموعة من العلامات والمؤشرات الّتی لم یسبق ان حدثت قبل ذلک، مثله کمثل ولادة النبی الأکرم محمد (صلى الله علیه وآله وسلم) الّذی اقترن بحوادث مهمة مثّلت علامات ومؤشرات واضحة على عظمة هذا المولود الکبیر (صلى الله علیه وآله وسلم).
3. ان هذه العلامات تنطوی على فوائد وثمار کثیرة منها:
ـ ان بعض هذه العلامات عظیمة جداً، و هذا یُعد تعظیماً و تجلیلاً للظهور و صاحب الظهور (عج).
ـ بعض تلک العلامات تمثل ارعاباً و تهدیداً لخصومه (علیه السلام) من باب القاء الرعب فی قلوب الافراد و الجماعات و المؤسسات المناوئة للإمام (عج).
ـ بعضها الآخر یُعد بمثابة البشارة والهدیة لانصاره و المنتظرین لطلعته المبارکة (عجل الله فرجه الشریف).
4. من الجدیر و المناسب جداً ان یطلع المؤمنون على تلک العلامات و یعرفونها معرفة دقیقة لکی لا تنطلی علیهم حیل و الاعیب الماکرین ممن یدعون المهدویة کذباً وزوراً، و لکن فی نفس الوقت ینبغی للمؤمنین ان لا یغرقوا فی بحر البحث عن العلامات و ینسون الهدف الأساسی من وراء الانتظار. وهذا ما نشیر الیه فی طیّات الجواب.
أ. تقسیم علامات الظهور:
قسمّت علامات ظهور الإمام (عج) تقسیمات متعددة و متنوعة منها: علامات الظهور الحتمیة و غیر الحتمیة، و لقد وقع الکثیر من الناس فی خطأ کبیر حیث تصوّروا ان تحقق تلک العلامات یساوی ظهور الإمام (عج) بدرجة مائة بالمائة(100 %) وان الظهور رهین بتلک العلامات، فاذا تحققت ظهر الإمام وإذا لم تتحقق لم یظهر الإمام (عج)، وهو تصوّر غیر صحیح لان واقع القضیة ـ وطبقاً لبعض الروایات ـ ان قضیة ظهور الإمام (عج) وعدم ظهوره ترتبط بـ «الارادة الالهیة» سواءً تحققت العلامات الحتمیة ووقعت ام لم تتحقق!! ومن هنا یکون مفهوم «حتمیة العلامات» هو: ان بعض هذهِ العلامات فیها احتمال ظهور الإمام (عج) اکبر من غیرها .فالقضیة لا تتعدى کون العلامة ذات احتمال کبیر، اما ان تصل إلى حد الجزم والقطع فلا. من هنا اتضح ان العلامات غیر الحتمیة تختلف عن الحتمیة فی قلّة الاحتمال، أی ان ظهور الإمام (عج) مقارناً لها فیه احتمال قلیل بالنسبة إلى العلامات الحتمیة، و التأمل فی هذا الحدیث یرشدنا إلى حقیقة الأمر:
روى داود بن أبی القاسم قال: کنّا عند أبی جعفر محمد بن علی الرضا (علیهما السلام) فجرى ذکر السفیانی و ما جاء فی الروایة من أن أمره من المحتوم، فقلت لأبی جعفر (علیه السلام): هل یبدو لله فی المحتوم؟ قال: نعم، قلنا له: فنخاف ان یبدو لله فی القائم، قال: القائم من المیعاد».[1]
وقد علّق المحدث الکبیر النوری (قدس سره) على ذلک- فبعد ان استثنى (قدس سره) مسألة ظهور وقیام الإمام (عج) حیث اعتبرها من الحتمیات الّتی لا تتخلف- فقال: و قد انقضى من عمره الشریف إلى الآن الف و اربعون و عدّة سنین، و لا تبدیل و لا تغییر فیه ما بقی شیءٌ مما جاء عن أهل بیت العصمة(علیهم السلام) من الآیات و العلامات الّتی تکون قبل ظهوره و مع ظهوره، و هی جمیعها قابلة للتغیر و التبدیل و التقدیم و التأخیر و التأویل بشیء آخر، حتّى تلک الّتی عدّت فی الحتمیات، فان المقصود من المحتوم فی تلک الاخبار ـ على الظاهر ـ لیس انها غیر قابلة للتغییر أبداً، بل الظاهر منه ما قالوه(علیهم السلام) بانّه مرتبة من التأکید بما لا ینافی التغیّر فی مرحلة من مراحل وجودها.[2]
من هنا یکون من الاجدر و الالیق بالجمیع الترکیز و الاهتمام و السعی الجاد لتوفیر الأرضیة المناسبة و الاعداد للظهور، و الانتقال من حالة الافراط فی القلق و القنوط و الاضطراب إلى اللجوء الى الرحمة الالهیة و لطف إمام العصر (عج) و التضرّع الخالص الى الله سبحانه، و الاعداد الروحی و الجسدی حتّى تهطل علینا سحب الخیر و تفور من تحت اقدامنا ینابیع العطاء و تهبط علینا ملائکة الرحمة، و هذا کله رهین بالمعرفة الکاملة و العمل بالواجبات و ترک المحرّمات.
ب. انواع العلامات الحتمیة و عددها
ورد فی بعض الروایات ان العلامات الحتمیة خمس، و قد بحثت تلک العلامات و سلط علیها الضوء فی أکثر من بُعد مما یجعل بحثها فی هذاِ المختصر أمراً صعب المنال.
عن أبی حمزة الثمالی قال: قلت لأبی عبد الله (ع) إن أبا جعفر (ع) کان یقول: إن خروج السفیانی من الأمر المحتوم . قال لی: نعم، و اختلاف بنی فلان من المحتوم، و قتل النفس الزکیة من المحتوم، و خروج القائم (ع) من المحتوم. فقلت له: کیف یکون ذلک النداء؟ قال: ینادی مناد من السماء أول النهار ألا إن الحق فی علی و شیعته ثم ینادی إبلیس لعنه الله فی آخر النهار ألا إن الحق فی السفیانی و شیعته فیرتاب عند ذلک المبطلون[3]
نکتة
المراد من «النفس الزکیة» رجل عظیم جداً یبعثه الإمام المهدی (عج) للتبلیغ، یقول صاحب البحار: فیدعو رجلاً من أصحابه فیقول له: امض إلى أهل مکة... فاذا تکلم هذا الفتى بهذا الکلام ـ أی الکلام الّذی أمره به الإمام (عج) ان یبلغه ـ أتوا إلیه فذبحوه بین الرکن و المقام، و هی النفس الزکیة.[4]
و اما السفیانی فهو شخصیة من المعاندین یقف فی وجه الإمام (عج) یخسف به الله الأرض فی «البیداء» من أرض «الیمن».[5]