من القواعد المهمة في علم التفسير، الاهتمام بالمشتركات اللفظية، فان اشتراك الالفاظ لا يعني الاشتراك في المعنى؛ و ذلك لان اللفظ المشترك قد يكون له اكثر من معنى من قبيل كلمة "العين" فانها تطلق على العين الباصرة و العين الجارية و الجاسوس و الذهب و...
و نحن اذا رجعنا الى كلمات المفسرين و تأملنا في الآيات الثلاثة المذكورة نجد أن الاشتراك اللفظي بينها لا يعني التضاد و التنافي لان المراد من المتشابه و المحكم في الآيتين الاولى و الثانية يختلف عما هو موجود في الآية الثالثة كما بينا ذلك في الجواب التفصيلي.
من القواعد المهمة في علم التفسير، الاهتمام بالمشتركات اللفظية، فان اشتراك الالفاظ لا يعني الاشتراك في المعنى؛ و ذلك لان اللفظ المشترك قد يكون له اكثر من معنى من قبيل كلمة "العين" فانها تطلق على العين الباصرة و العين الجارية و الجاسوس و الذهب و...
و من هنا قال المفسرون أن المراد من كلمة "متشابها في قوله تعالى «اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَديثِ كِتاباً مُتَشابِهاً...»،[1]: أن المقصود من (متشابه) هنا هو الكلام المتناسق الذي لا تناقض فيه و يشبه بعضه البعض، فلا تعارض فيه و لا تضادّ، و هو المتماثل من حيث اللطف و الجمال و العمق في البيان.[2]
و ذهب اكثر المفسرين في تفسير الآية المذكورة الى أنه: أحسن القول لاشتماله على محض الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه، و هو كلامه المجيد. و قوله: «كِتاباً مُتَشابِهاً» أي يشبه بعض أجزائه بعضا، و هذا غير التشابه الذي في المتشابه المقابل للمحكم فإنه صفة بعض آيات الكتاب و هذا صفة الجميع.[3] و ذهب البعض الآخر الى القول بان المراد من الشبه هو شبه القرآن بسائر الكتب السماوية الأخرى من جهة نزول جميع آياته من قبل الباري تعالى.[4]
أما بالنسبة الى معنى كلمة "أحكمت" في قوله تعالى «الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكيمٍ خَبير»،[5]" فقد ذهب بعض المفسرين الى القول: ان هذا الإحكام مقابل التفصيل، و التفصيل هو جعله فصلا فصلا و قطعة قطعة فالإحكام كونه بحيث لا يتفصل فيه جزء من جزء و لا يتميز بعض من بعض لرجوعه إلى معنى واحد لا أجزاء و لا فصول فيه، و الآية ناطقة بأن هذا التفصيل المشاهد في القرآن إنما طرأ عليه بعد كونه محكما غير مفصل.[6] و منهم من قال: انها تعني الاتقان و الاثبات في مقابل التشتت و الزوال، بمعنى أن كل آية من آيات الذكر الحكيم هي حجة و برهان قاطع على الحق و معجزة لاثبات نبوة النبي الاكرم (ص).[7]
أما معنى الاحكام في قوله تعالى «هُوَ الَّذی أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ...»؛[8] فقد قال الجصاص – بعد استعراضه لمجموعة من الآراء و مناقشتها- : فلم يبق من الوجوه التي ذكرنا من أقسام المحكم و المتشابه مما يجب بناء أحدهما على الآخر و حمله على معناه إلا الوجه الأخير الذي قلنا و هو: أن يكون المتشابه اللفظ المحتمل للمعاني فيجب حمله على المحكم الذي لا احتمال فيه و لا اشتراك في لفظه.[9] و حكم المتشابه أن يحمل على معنى المحكم و يرد إليه.[10]
اتضح من خلال ذلك ان المراد من المتشابه و المحكم في الآيتين الاولى و الثانية يختلف عما هو موجود في الآية الثالثة فلا تضاد بين الآيات الثلاث.
[1]. الزمر، 23.
[2] طيّب، سيد عبد الحسين، اطيب البيان في تفسير القرآن، ج 11، ص 303، انتشارات اسلام، طهران، الطبعة الثانیة، 1378ش؛ مكارم الشيرازي، ناصر، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج 15، ص 64، مدرسه الامام علي بن آبي طالب (ع)، قم، الطبعة الاولی، 1421ق.
[3] الطباطبايي، سيد محمد حسين، الميزان في تفسیر القرآن،ج 17، ص 255 و 256، دفتر انتشارات اسلامي، قم، الطبعة الخامسة، 1417ق؛ الفيض الكاشاني، ملا محسن، الأصفى في تفسير القرآن، تحقيق: درايتي، محمدحسين، نعمتي، محمدرضا، ج 2، ص 1083، نشر مکتب التبليغ الاسلامي، قم، الطبعة الاولی، 1418ق.
[4] اطیب البیان في تفسير القرآن، ج 11، ص 303.
[5]. هود، 1.
[6] الميزان في تفسیر القرآن، ج 2، ص 16 و 17.
[7] انظر: اطیب البیان في تفسير القرآن، ج 7، ص 3.
[8]. آل عمران، 7.
[9] الجصاص، احمد بن علي، احکام القرآن، تحقيق: القمحاوي، محمد صادق، ج 2، ص 281، دار احياء التراث العربى، بيروت، 1405ق.
[10] نفس المصدر، ج1، ص191.