من غير السهل اعطاء تعريف للمجتمعات الرصية و بيان المعايير الكلية و الشواخص العامة لها؛ و ذلك لاختلاف الثقافات و الرؤى و الاديان و المدارس الفكرية السائدة في المجتمعات، فلكل مدرسة تصوراتها و أهدافها و غاياتها و معاييرها التي على اساسها ترسم المجتمع المثالي الذي تسعى لتحقيقه.
و لكن يمكن القول بان المجتمع المثالي و الرصين هو المجتمع: الذي يلتزم فيه المواطنون بتعاليم و ارشادات السماء التي جاء بها الاسلام على المستويات الاخلاقية و الاجتماعية و السياسية و... و انزال تلك القيم و المعارف الى حيز التطبيق في الوسط الاجتماعي.
و نشير هنا الى بعض من تلك الاصول و المعايير منها: التوحيد و نفي الشرك، العدل و بسط القسط، رفض التمييز الطبقي، الوحدة و الانسجام و التكافل الاجتماعي، الحرية الفكرية، العلم و المعرفة، و الاستقرار الأمني.
كذلك لا ينغبي إهمال دور المسؤولين و الاداريين في خلق المجتمعات المثالية و الرصينة فمن أهم الخصائص التي على اساسها يجب انتخاب المدير و المسؤول الاداري في المجتمعات و التصدي للمسؤولية: العدالة و التقوى و الصدق و الكفاءة في التخصص الذي يتكفل بادارته بالاضافة الى مدى تقيده بالقانون و الدسائير المقررة في المجتمع.
من غير السهل اعطاء تعريف للمجتمعات الرصية و بيان المعايير الكلية و الشواخص العامة لها؛ و ذلك لاختلاف الثقافات و الرؤى و الاديان و المدارس الفكرية السائدة في المجتمعات، فلكل مدرسة تصوراتها و أهدافها و غاياتها و معاييرها التي على اساسها ترسم المجتمع المثالي الذي تسعى لتحقيقه.
من هنا نحاول تسليط الضوء على المعايير الاسلامية للمجتمع المثالي. انطلاقا من المعايير و التعاريف التي يحددها الاسلام للمجتمع المثالي، يمكن القول بان المجتمع المثالي و الرصين هو المجتمع: الذي يلتزم فيه المواطنون بتعاليم و ارشادات السماء التي جاء بها الاسلام على المستويات الاخلاقية و الاجتماعية و السياسية و... و انزال تلك القيم و المعارف الى حيز التطبيق في الوسط الاجتماعي.
فقد رسم الاسلام خارطة من العلاقات و المعايير التي تحكم سلوكات الفرد المسلم على المستويين الفردي و الاجتماعي دائما، و لا يحق لأي مواطن في المجتمع الاسلامي تخطي تلك الاصول و المعايير و التمرد عليها تحت أي مبرر او ذريعة.
و من هنا يكون المعيار في رصانة المجتمع و مثاليته مقدار التزام افراده و تقيدهم بتلك القيم و المعايير، و بهذا تكون العلاقة بين الامرين علاقة طردية كلما ازداد التمسك تعززت نسبة المثالية و الرصانة في المجتمع.
و يمكن الاشارة هنا الى بعض من تلك الاصول و المعايير بصورة مختصرة:
1. التوحيد: لاريب أن للتطور المادي و الرقي التقني دوره في رصانة المجتمع لكنه يبقى دوراً محدوداً لا يمثل كل القضية و لا يوفر للبشرية السعادة المرجوة، كذلك لا يلبي جميع حاجات الانسان و لا يجيب عن جميع تساؤلاته و الاشكاليات التي تواجهه و التي تنطلق من فطرة الانسان، بل لابد من وجود عنصر آخر الى جانب عنصر التطور المادي و التقني يساعد في تكميل البعد المعنوي و الروحي للانسان و يملأ الفراغ الروحي و النفسي للانسان. و لاريب أن منبع الحياة الروحية و المعنوية و كافة التعاليم الدينية و الاخلاقية يتكئ على الاذعان بالعنصر الاساسي و العقيدة الرئيسة المتمثلة بالتوحيد و طاعة الله الواحد الاحد.
إن الحاجة الى المعبود و الشعور بالعبودية له تعد من الضروريات الفطرية لعامة البشرية لا تتخلف عنها أمة من الامم على وجه الارض، و لا توجد حقيقة اخرى تستطيع ملأ الفراغ في هذه الجانب، و من هنا نرى القرآن الكريم يؤكد هذه الحقيقة و ان من المعايير الاساسية للمجتمع المثالي الايمان بتوحيد الباري تعالي و نفي جميع مظاهر الشرك و الوثنية، و بهذا انطلق النبي الاكرم (ص) حامل رسالة السماء الى البشرية حيث قرر تلك الحقيقة في قوله عز من قائل: «...لَیبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ امْناً یعْبُدُونَنى وَ لا یشْرِكُونَ بى شیئاً».[1]
2. العدل و رفض التمييز و الطبقية: و هذا هو الاصل الثاني الذي يعد مؤشراً للمجتمع الذي يطمح اليه الاسلام، و قد قرر النبي الاكرم (ص) تلك الحقيقة فيما روي عنه إنه (ص): نظر إِلى رجل له ابنان فقَبَّلَ أَحدهما و ترك الآخر فقال النَّبِيُّ (ص): فَهَلَّا آسَيْتَ بَيْنَهُمَا"؟.[2] و قال (ص): "اعدلوا بين أَولادكم كما تُحِبُّونَ أَن يعدلُوا بينكُم في البرِّ و اللُّطْف".[3]
3. الاتحاد و الانسجام: تعد الوحدة النظرية و الانسجام العملي من العناصر الفاعلة في صناعة المجتمع الرصين و من المعايير التي تؤشر الى مثل هكذا مجتمع كما تساعد في التطور العملي و الحضاري لذلك المجتمع، فالمجتمع الذي يكون تكريم الافراد فيه قائما على اساس اللون او العرق او العشيرة و.... يقوم على جرف هار و آساس من الرمال المتحركة تحته، فلا يمكن بحال من الاحوال ان يلتحق هكذا مجتمع بركب الحضارة و التمدن. و لكن المجتمع الذي يقوم على أساس من الانسجام و التضامن فانه يستطيع ان يؤلف بين السنن و النظريات ليرتقي بالشعوب و الاقوام التي تقع تحت دائرته الى سلم الكمال و الرقي و ليقارب بين الافكار و الثقافات المتعددة لنتعش حالة التعاول و التكافل كذلك تنتعش التجارة و الحركة الاقتصادية و تشتد اسس الحكومة و مقومات الدولة.
4. الحرية: تعد الحرية من المظاهر البارزة للمجتمعات المتطورة؛ فالمجتمع الذي يقوم على اساس حرية الفكر يسير في الاتجاه الصحيح و تتجه بوصلته نحو الحضارة و التمدن الانساني.
5. العلم و المعرفة: من مظاهر المدنية و الحضارة التي تفصل بين المجتمعات المتحضرة و المجتمعات البدائية و المتختلفة، نسبة التطور العلمي و انتشار المعرفة و العلم في اوساط تلك المجتمعات، و لاريب ان العلاقة طردية بين التطور المجتمعي و بين تلك العلوم فكلما ارتقت الشعوب في علومها و معارفها ازدادت نسبة التطور و المدنية فيها. من هنا ترى المجتمعات المتخلفة علميا تعيش الحيرة و الضياع و الحرمان على جميع المستويات.
6. الاستقرار الامني: و هذه المقولة تعد عنصراً محورياً بالنسبة للمجتمعات؛ بمعنى أن المجتمع الذي يعيش الاستقرار الامني تراه يعيش الانتعاش و الازدهار؛ و ذلك لان جميع العناصر المقومة للمجتمع المثالي إنما تعطي ثمارها و تعطي مروداتها الايجابية على المستوى المادي و المعنوي في ظل الامن و الاستقرار الذي يعيشه المجتمع، فلا تنشط حركة المجتمع و تتفتح قوى و استعدادات افراده الا مع توفر هذه الخصوصية فيه.
من هنا نرى النبي إبراهيم الخليل (ع) دعا ربّه تعالى أن يتكفل بتوفير هذا العنصر لذريته التي
اسكنها في مكة المكرمة: "وَ إِذْ قالَ إِبْراهيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَ ارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ قالَ وَ مَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَليلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ وَ بِئْسَ الْمَصير".[4]
هذه مجموعة من الشواخص للمجتمعات الرصينة و المثالية التي تقاس المجتمعات بها فلكما فقد عنصر عاش المجتمع حالة من النقص في بنائه الضروري التي ينبغي توفره فيه.
و لمزيد الاطلاع في هذا المجال انظر (السؤال 332 خصائص المواطن المسلم )
كذلك لا ينغبي اغفال دور المسؤولين و الاداريين في خلق المجتمعات المثالية و الرصينة و هذا ما يحتاج الى بحث مستقل لما يتوفر عليه من أهمية و تشعب في جمع الابعاد. و من هنا نرى من الضروري الاشارة السريعة الى أهم الخصائص التي على اساسها يجب انتخاب المدير و المسؤول الاداري في المجتمعات كالعدالة و التقوى و الصدق و الكفاءة في التخصص الذي يتكفل بادارته بالاضافة الى تقيده بالقانون و الدسائير المقررة في المجتمع.
[1] النور، 55.
[2] الاحسائي، ابن ابي جمهور، ج 1، ص 293، سید الشهداء، قم، 1405ق.
[3] بحار الانوار، ج 101، ص 92
[4] البقرة، 126.