يرى بعض المفسرين أنّ الآية تبيّن واقعة ملموسة فقط، فالمنحطون يختارون المنحطات، و كذلك يفعلن هنّ في اختيارهن، بينما يسمو المتطهّرون المؤمنون عن ذلك. و يحرّمون على أنفسهم اختيار الأزواج من ذلك الصنف تزكية و تطهيرا.
و ذهب العلامة الطباطبائي الى القول في تفسير الآية: ظاهر الآية و خاصة بالنظر إلى سياق ذيلها المرتبط بصدرها أن الذي تشمل عليه حكم تشريعي تحريمي و إن كان صدرها واردا في صورة الخبر، فإن المراد النهي تأكيدا للطلب و هو شائع.
و المحصل من معناها بتفسير من السنة و من طرق أئمة أهل البيت (ع) أن الزاني إذا اشتهر منه الزنا و أقيم عليه الحد و لم تتبين منه التوبة يحرم عليه نكاح غير الزانية و المشركة، و الزانية إذا اشتهر منها الزنا و أقيم عليها الحد و لم يتبين منها التوبة يحرم أن ينكحها إلا زان أو مشرك.
فالآية حسب هذا الرأي خاصة بالمشهورين بالزنا و الذين اقيم عليهم الحد و لم يتوبوا، فان اقترف الانسان بسبب الغفلة و الوقوع في حبائل الشيطان جريمة الزنا، لكنه ندم على فعلته و ما صدر عنه من ذنب و تاب الى الله تعالى توبة نصوحا، ولم يشتهر بذلك و لم يقم عليه الحد، فلا ريب و لاشك أن الآية المباركة لا تشمله بحال من الاحوال، و ذلك لان التائب يعد في زمرة المؤمنين و قد حرمت الآية ذلك على المؤمنين" وَ حُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِين" وانشاء الله سيكون نصيب مثل هؤلاء زوجات عفيفات.
جاء في القرآن الكريم: "الزَّاني لا يَنْكِحُ إِلاَّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَ الزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلاَّ زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَ حُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنين".[1]
و لتحليل الآية المباركة و الوصول الى المعنى المراد منها للابد من تفكيككها و النظر اليها من أكثر من زاوية لنرى هل القاعدة تعد من القواعد الكلية التي لا تستثنى أو هي من القضايا التابعة لظروفها الموضوعية؟
شأن نزول الآية
ذكر المفسرون في شأن و سبب نزل الآية المباركة أنه: قدم المهاجرون إلى المدينة، و فيهم فقراء ليست لهم أموال، و بالمدينة نساء بغايا مُسافِحَات، يكرين أنفسهن، و هن يومئذٍ أخْصَبُ أهل المدينة فرغب في كَسْبِهِنّ ناس من فقراء المهاجرين، فقالوا: لو أنا تزوجنا منهن، فعشنا معهن، إلى أن يغنينا اللَّه تعالى عنهن، فاستأذنوا رسول اللَّه (ص) في ذلك، فنزلت هذه الآية: و حُرِّم فيها نكاح الزانية صيانة للمؤمنين عن ذلك.[2]
و من هنا ذهب بعض المفسرين الى القول في تفسير الآية: أن رجلا من المسلمين استأذن النبي (ص) في أن يتزوج أم مهزول و هي امرأة كانت تسافح و لها راية على بابها تعرف بها فنزلت الآية.[3]
تفسير الآية المباركة
اختلف المفسّرون في كون هذه الآية بيانا لحكم إلهي، أو خبرا عن قضيّة طبيعية.
فيرى البعض أنّ الآية تبيّن واقعة ملموسة فقط، فالمنحطون يختارون المنحطات، و كذلك يفعلن هن في اختيارهن، بينما يسمو المتطهّرون المؤمنون عن ذلك. و يحرّمون على أنفسهم اختيار الأزواج من ذلك الصنف تزكية و تطهيرا، و هذا ما يشهد به ظاهر الآية الذي جاء على شكل جملة خبرية[4].
إلّا أنّ مجموعة أخرى ترى في هذه العبارة حكما شرعيا و أمرا إلهيا يمنع المؤمنين من الزواج مع الزانيات، و يمنع المؤمنات من الزواج مع الزناة، لأنّ الانحرافات الأخلاقية كالأمراض الجسمية المعدية في الغالب. فضلا عن أنّ ذلك عار يأباه المؤمن و ينأى عنه. مضافا إلى المصير المبهم و المشكوك للأبناء الذين ينشؤون في احضان ملوثة و مشكوكة. ينتظر الأبناء من مثل هذا الزواج! و لهذه الأسباب و الخصوصيات منعه الإسلام. و الشاهد على هذا التفسير جملة "وَ حُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ" الّتي تدلّ على تحريم الزنا.[5]
و ذهب العلامة الطباطبائي الى القول في تفسير الآية: ظاهر الآية و خاصة بالنظر إلى سياق ذيلها المرتبط بصدرها أن الذي تشمل عليه حكم تشريعي تحريمي و إن كان صدرها واردا في صورة الخبر، فإن المراد النهي تأكيدا للطلب و هو شائع.
و المحصل من معناها بتفسير من السنة من طرق أئمة أهل البيت (ع) أن الزاني إذا اشتهر منه الزنا و أقيم عليه الحد و لم تتبين منه التوبة يحرم عليه نكاح غير الزانية و المشركة، و الزانية إذا اشتهر منها الزنا و أقيم عليها الحد و لم يتبين منها التوبة يحرم أن ينكحها إلا زان أو مشرك.
فالآية محكمة باقية على إحكامها من غير نسخ[6] و لا تأويل، و تقييدها بإقامة الحد و تبين التوبة مما يمكن أن يستفاد من السياق فإن وقوع الحكم بتحريم النكاح بعد الأمر بإقامة الحد يلوح إلى أن المراد به الزاني و الزانية المجلودان، و كذا إطلاق الزاني و الزانية على من ابتلي بذلك ثم تاب توبة نصوحا و تبين منه ذلك، بعيد من دأب القرآن و أدبه.[7]
النتيجة:
الآية المباركة " «الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَ الزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِك" ناظرة الى:
1. المشهورين بذلك العمل القبيح؛ 2. قد أقيم عليهما الحد؛ 3. عدم التوبة من الفعل القبيح الذي اقترفوه.
و الجدير بالذكر هنا أنه ليس من الضروري أنه اذا تخلف شرط من الشروط فهذا يعني ان زوجته طاهرة مطهرة فقد يتخلف احد بان لا يقام عليه الحد و مع ذلك قد يكون نصيبه أمراة زانية مثله.
وقد يحدث احيانا ان يقترف الانسان بسبب الغفلة و الوقوع في حبائل الشيطان جريمة الزنا، لكنه يندم على فعلته و ما صدر عنه من ذنب و تاب الى الله تعالى توبة نصوحا، فلا ريب و لاشك أن الآية المباركة لا تشمله بحال من الاحوال، و ذلك لان التائب يعد في زمرة المؤمنين و قد حرمت الآية ذلك على المؤمنين" وَ حُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِين" وانشاء الله سيكون نصيب مثل هؤلاء زوجات عفيفات.
و قد أورد المفسرون في ذيل الآية المباركة روايات شريفة تحرم على المؤمنين الزواج من الزانيات و تحرم الزواج من الرجل الزانين و يجب على المؤمنين التحري و اجتناب الزانيات و الزناة، الا اذا تابا فيجوز الزواج منهم.[8] فقد روي عن الإمام الصادق (ع) أنه قال في جواب السؤال عن قوله تعالى: "الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً"، قال هُنَّ نساءٌ مشهوراتٌ بِالزِّنَا و رجال مشهورون بِالزِّنَا شُهِرُوا و عرِفُوا بِه و النَّاسُ اليوم بِذَلِكَ الْمَنْزِلِ فَمَنْ أُقِيمَ عَلَيْهِ حَدُّ الزِّنَا أَوْ مُتَّهَمٌ بِالزِّنَا لَمْ يَنْبَغِ لِأَحَدٍ أَنْ يُنَاكِحَهُ حَتَّى يَعْرِفَ مِنْهُ التَّوْبَةَ».[9]
[1] النور، 3.
[2] الواحدي علي بن احمد، اسباب نزول القرآن، ص325، دار الكتب العلمية، بيروت، 1411 ق، الطبعة الاولى، تحقيق: كمال بسيونى زغلو.
[3] الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن، ج 7، ص 197- 198، ناصر خسرو، طهران، 1372ش؛ القرطبي، محمد بن احمد، الجامع لأحكام القرآن، ج 13، ص 168، انتشارات ناصر خسرو، طهران، 1364ش.
[4] ابوحيان، محمد بن يوسف، البحر المحيط فى التفسير، ج 8، ص 9-10، دار الفكر، بيروت، 1420ق؛ فضل الله، سيد محمد حسين، تفسير من وحى القرآن، ج 16، ص 227، دار الملاك للطباعة و النشر، بيروت، 1419ق؛ قمى مشهدى، محمد بن محمدرضا، تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج 9، ص 244، سازمان چاپ و انتشارات وزارت ارشاد اسلامى، تهران، 1368ش. البته لازم به ياد آورى است كه بسيارى از احكام به صورت "جمله خبريه" بيان شده است، و لازم نيست هميشه احكام الاهى به صورت "امر" و "نهى" باشد.
[5] مکارم الشیرازي، ناصر، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج11، ص: 13- 14، نشر مدرسة الامام علي بن ابي طالب (ع)، قم، الطبعة الاولى، 1421 هـ؛ الطباطبائي، سید محمد حسین، الميزان في تفسیر القرآن، ج 15، ص 79- 80، نشر مکتب الاعلام الاسلامي، قم، 1417ق.
[6] ذهب بعض المفسرين الى القول بان الآية من الآيات المنسوخة. انظر: ابن ادریس الشافعي، محمد، احکام القرآن ج 1، ص 178.
[7] الطباطبائي، سید محمد حسین، الميزان، ج 15، ص 79- 80.
[8] انظر: الكليني، الکافي، ج 5، ص 354 - 355، دار الکتب الاسلامیة، طهران، 1365ش.
[9] نفس المصدر، ص 354.