«مرجون» مأخوذ من مادة (إرجاء) بمعنى التأخير و التوقيف، و في الأصل أخذت من (رجاء) بمعنى الأمل، و لما كان الإنسان قد يؤخر شيئا ما أحيانا رجاء تحقق هدف من هذا التأخير، فإنّ هذه الكلمة قد جاءت بمعنى التأخير، إلّا أنّه تأخير ممزوج بنوع من الأمل. أي: مؤخرون حتى ينزل الله فيهم ما يريد.
و معنى إرجائهم إلى أمر الله أنهم لا سبب عندهم يرجح لهم جانب العذاب أو جانب المغفرة فأمرهم يئول إلى أمر الله ما شاء و أراد فيهم فهو النافذ في حقهم.
و هذه الآية تنطبق بحسب نفسها على المستضعفين الذين هم كالبرزخ بين المحسنين و المسيئين، و إن ورد في أسباب النزول أن الآية نازلة في الثلاثة.
و ليس المراد من الارجاء أن الله تعالى لا يعلم بمصير هؤلاء من ناحية نزول العذاب بهم او العفو عنهم، بل المراد أنه يوجد في كل عصر طائفة من ضعفاء المؤمنين قد اقترفوا الكثير من الذنوب كترك الصلاة و الصيام و الحج و...، فاذا وصلت الذنوب الى حد يبعث على زوال أصل الايمان فحينئذ لا شك انهم من أهل النار، و أما اذا بقيت الايمان في قلوبهم و تابوا مما اقترفوه قبل الموت فهؤلاء يقبل الله توبتهم. و نحن لا نعلم بمصيرهم و هل نتعامل معهم معامل الكافرين؟ كذلك لا تطمئن نفوسنا الى كونهم من المؤمنين الناجين الذي تجاوزا الصراط ؛ من هنا جاءت الآية لتقول: «وَ آخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ».
جاء في القرآن الكريم الاشارة الى طائفة من الناس تحت عنوان المرجون لأمر الله: «وَ آخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا یعَذِّبُهُمْ وَ إِمَّا یتُوبُ عَلَیهِمْ وَ اللَّهُ عَلِیمٌ حَكِیمٌ».[1] "
و لكي يتضح المراد من الآية المباركة لابد من الاشارة أولا الى سبب نزولها ثم التعرض لاقوال المفسرين فيها.
شأن النزول
ذهب بعض المفسرين الى القول بانها نزلت في كَعْب بن مالك، و مُرَارَة بن الربيع، أحد بني عمرو بن عوف، و هلال بن أمية من بني واقف، تخلّفوا عن غزوة تبوك، و هم الذين ذكروا في قوله تعالى: "وَ عَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا" الآية.[2] تلاحظ قصتهم في ذيل تفسر الآية 118 من سورة التوبة.
و هناك من المفسرين من يرى انطلاقا من بعض الروايات أنهم قوم كانوا مشركين قتلوا حمزة و جعفر و أشباههما من المؤمنين ثم دخلوا بعد ذلك في الإسلام فوحدوا الله و تركوا الشرك و لم يعرفوا الإيمان بقلوبهم فيكونوا من المؤمنين فتجب لهم الجنة و لم يكونوا على جحودهم فتجب لهم النار فهم على تلك الحالة مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّه.[3]
معنى المرجون
«مرجون» مأخوذ من مادة (إرجاء) بمعنى التأخير و التوقيف، و في الأصل أخذت من (رجاء) بمعنى الأمل، و لما كان الإنسان قد يؤخر شيئا ما أحيانا رجاء تحقق هدف من هذا التأخير، فإنّ هذه الكلمة قد جاءت بمعنى التأخير، إلّا أنّه تأخير ممزوج بنوع من الأمل.[4] أي: مؤخرون حتى ينزل الله فيهم ما يريد.[5]
التفسير
قال العلامة الطباطبائي (ره): و الآية معطوفة على قوله: «وَ آخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ» و معنى إرجائهم إلى أمر الله أنهم لا سبب عندهم يرجح لهم جانب العذاب أو جانب المغفرة فأمرهم يئول إلى أمر الله ما شاء و أراد فيهم فهو النافذ في حقهم.
و هذه الآية تنطبق بحسب نفسها على المستضعفين الذين هم كالبرزخ بين المحسنين و المسيئين، و إن ورد في أسباب النزول أن الآية نازلة في الثلاثة[6] الذين خلفوا ثم تابوا فأنزل الله توبتهم على رسوله (ص) و سيجيء إن شاء الله تعالى.
و كيف كان فالآية تخفي ما يئول إليه عاقبة أمرهم و تبقيها على إبهامها حتى فيما ذيلت به من الاسمين الكريمين: العليم و الحكيم الدالين على أن الله سبحانه يحكم فيهم بما يقتضيه علمه و حكمته، و هذا بخلاف ما ذيل قوله: «وَ آخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ» حيث قال: "عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ".[7]
و لكن الروايات التي اشارت الى الثلاثة لا تعني حصر القضية بهؤلاء الثلاثة و إنما الروايات في معرض الاشارة الى المصاديق و لا تتنافى مع اطلاق وعموم الآية.
و ليس المراد من الارجاء أن الله تعالى لا يعلم بمصير هؤلاء من ناحية نزول العذاب بهم او العفو عنهم، بل المراد أنه يوجد في كل عصر طائفة من ضعفاء المؤمنين قد اقترفوا الكثير من الذنوب كترك الصلاة و الصيام و الحج و...، فاذا وصلت الذنوب الى حد يبعث على زوال أصل الايمان فحينئذ لا شك انهم من أهل النار، و أما اذا بقيت الايمان في قلوبهم و تابوا مما اقترفوه قبل الموت فهؤلاء يقبل الله توبتهم. و نحن لا نعلم بمصيرهم و هل نتعامل معهم معامل الكافرين؟ كذلك لا تطمئن نفوسنا الى كونهم من المؤمنين الناجين الذي تجاوزا الصراط ؛ من هنا جاءت الآية لتقول: «وَ آخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ».[8]
إذن المرجون طائفة من الناس لم تستفد من التعاليم القرآنية و الارشادات الدينية في تطهير نفوسها و معالجة الخلل فيها، و لما كانوا من ضعفاء الارادة يعيشون حالة من اللا استقرار فقد يكون نصيب شخص منهم الرقي الايماني حتى يصل الى مرتبة العليين و قد يتراجع آخر ليكون في الجهة المقابلة، و لكن تبقى ابواب الرحمة الالهية مفتوحة أمامهم.[9] و في القيامة يؤجل البت في مصيرهم الى الانتهاء من حساب سائر العباد و هنا قد تأتي الرحمة الالهية – انطلاقا من المقتضيات الروحية لهؤلاء الافراد- و قد يكون الحكم الالهي بحقهم العذاب.
[1] التوبة، 106.
[2] أسباب نزول القرآن (الواحدي)، ص: 264.
[3] تفسير القمي، ج1، ص: 304، نشر: دار الكتاب، قم، 1367 ش، الطبعة الرابعة، تحقيق: سيد طيب موسوي جزايري.
[4] مكارم الشرازي، ناصر، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج6، ص 211، نشر مدرسة الامام علي بن أبي طالب (ع)، قم، الطبعة الاولى، 1421هـ.
[5] الفراهیدي، خلیل بن احمد، العین، مفردة «رجا».
[6] خصوص المورد لا يخصص الوارد.
[7] الطباطبائي، سید محمد حسین، الميزان في تفسير القرآن، ج 9، ص 381، مکتب النشر الاسلامي التابع لجماعة المدرسين، قم، 1374ش.
[8] طيب، سيد عبد الحسين، أطيب البيان في تفسير القرآن، ج 6، ص 310، انتشارات اسلام، طهران، 1378 ش.
[9] مترجمان، تفسير هدايت، ج 4، ص 232، مؤسية الابحاث الاسلامية التابعة للقدس الرضوي، مشهد، 1377ش.